احتفالا بصدور الطبعة المصرية من رواية " مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة " ، استضافت مكتبة ألف الروائى الفلسطينى ربعى المدهون الذى حاز البوكر العربية عن الرواية . فى البداية تحدث ربعى المدهون عن سيرة حياته من مولده في المجدل الفلسطينية عام 1945، و هجرته مع عائلته بعد وقوع النكبة عام 1948 إلى غزة وسكن في خان يونس بقطاع غزة ، وتلقى تعليمه الجامعى فى القاهرة ثم الإسكندرية ، و قد أكد فى حديث سابق له أنه مصرى اسكندرانى ، ولكنه اعتقل وابعد عن مصر بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، بعد خلافات بين القاهرة وبين منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الأخرى على خلفية طرح مبادرة روجرز للسلام التي وافق عليها ناصر، ولكن رفضت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الأخرى المبادرة ، ووجهت انتقادات حادة لمصر ، على أثرها قرر عبد الناصر غلق إذاعة صوت فلسطين من القاهرة ، وتم اعتقال 70 طالبا فلسطينيا ينتمون لجبهتة التحرير، كان من بينهم المدهون، الذي تم ترحيله إلى دمشق بعد توقيفه بيومين . ويبدأ ارتحال المدهون فى الدول العربية بدءا من دمشق الذى اعتقل فيها أيضا بسبب نشاطه السياسى ، وتنقل المدهون بعدها بين عمان وبغداد وبيروت ونيقوسيا وموسكو ، حتى استقر فى لندن وحمل جنسيتها . و عمل المدهون محررا أو مستكتبا فى صحف ومجلات، كالحرية، الآفق، صوت البلاد، القدس العربى، الحياة ، والشرق الأوسط التى يعمل فيها حاليا ، فضلا عن عمله بمركز الأبحاث الفلسطينى ، واستطاع المدهون وغيره من روائيون فلسطينيون أن يسطروا مرحلة أدبية جديدة تسمى " بأدب ما بعد أوسلو " . أما عن رواية " مصائر " فقد استغرقت من المدهون أربع سنوات ، وقد زار خلالها فلسطين ، وقام بعمل جولات ميدانية و لقاءات ، لأنه لم يعش فى فلسطين بالأساس بسبب تهجيره وسفره للخارج ، وتطرح الرواية مأساة الهوية الفلسطينية وأسئلة النكبة وحق العودة، وهى رواية عن فلسطينيين بقوا في وطنهم بعد حرب 1948 وأصبحوا، بحكم واقع جديد نشأ مواطنين في دولة إسرائيل ويحملون "جنسيتها"، في عملية ظلم تاريخية نتج عنها "انتماء" مزدوج غريب ومتناقض لا مثيل له، وهي رواية عن آخرين أيضاً هاجروا تحت وطأة الحرب ويحاولون العودة بطرق فردية . وفى تصريح لشبكة الإعلام العربية " محيط " عن روايته " مصائر " وجدل التطبيع ، قال إن ليس له تحفظات على كلمة " تطبيع " وليس له علاقة به ، فهو يعمل على عمل فنى إبداعى وليس منشور سياسى ، قائلا أنا لا أكتب بيانات سياسية ولست بزعيم يوقع معاهدات ولا اتفاقات ، مؤكدا أن روايته فنية أدبية محضة ، تقرأ على هذا الأساس . وعن كواليس الرواية ، قال أنه زار فلسطين خمس مرات ، شاهد الشوارع والناس واستمع لحكاياتهم ، ويرى ملامح البيوت وأين يريد لأبطاله أن يسكنوا ، ويرى تفاصيل البناية ، ويلتقط الصور والتفاصيل ويحولها لنص ، وكلما احتاج لمعلومات جديدة لروايته كان يعيد زيارة فلسطين ليستكمل ما يريد ، وهكذا ليعيش الحياة هناك على طبيعتها ثم يصورها ويعبر عنها من خلال مخيلته ، وأشار أن البعض يتوهم أن بعض مشاهد الرواية حقيقية من سيرته وأنه شاهدها وسجلها ولكنها ليست سوى مشاهد متخيلة ، بينما بعض المشاهد الأخرى التى يظنوها متخيلة ، تكون حقيقية بالفعل . وسألناه عن مقولته " اسرائيل مرحلة عابرة فى تاريخ فلسطين " ، أجاب أن الاتحاد السوفيتى استمر 70 عاما كان مرحلة عابرة ، والشيوعية كانت مرحلة عابرة ، وكذلك الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الإسلامية والأندلس ، والتاريخ ملئ بالأمثلة ، وجميع الأمم تمر بنفس المراحل ، والوجود الإسرائيلى بنفس الطريقة ، مشيرا أنه وجود إشكالى ، وموجود فى المنطقة بشكل غير طبيعى ، وهذا التواجد خلق بشكل غير طبيعى من خلال ظروف إقليمية وعربية ودولية مناسبة لهم فى ظل الاستعمار البريطانى . وأكد أن إسرائيل معرضة كدولة إلى انهيار سريع وغير متوقع ، إذا ما تراجعت إحدى ركائز استمرارها ، إذا توقف الدعم الأمريكى لاسرائيل ، وإذا خرجوا من عقيدة الغيتو فى الداخل ، وإذا منعت من الحروب ، مشيرا أن أى تغيير جذرى سيحدث لن تستمر بعده إسرائيل . وتابع حديثه فى الندوة عن الكونشرتو الروائى فى " مصائر " قائلا أن له خلفية موسيقية ، وله ابن عازف جيتار محترف ، وعند كتابته للنص ،وجد توافق بين العلاقة بين الآلتين الموسيقتين أى الكونشرتو و بين نكبتين نكبة اليهود ونكبة فلسطين التى لا ذنب لها فى نكبتهم ، وبين حكاياه الثلاثة القائمة على شخصين ، فأراد أن يبنى النص بناءا موسيقيا ، موضحا أن للكونشرتو ثلاث حركات ، أضاف لها المدهون حركة رابعة لبناءه السردى ، نافيا اتهامه بارتكاب خطأ موسيقى ، مشيرا أن قديما كان الكونشرتو من 4 ل 7 حركات ، و قد عمل على ضبط إيقاع النص صعودا وهبوطا كالعزف ، كاتبا النص برؤية موسيقية كمن يلحن النص ، وأعده المدهون تجربة جديدة ، فهو ينتمى لمدرسة التجديد ، ويرفض أن يكرر نفسه ، وهذا ما جعله مقل ، ليس له سوى روايتين وسيرة ذاتية ، وهو يفضل أن يكون مقلا ومجددا على أن يأتى بأعمال هشة كثيرة . وعن استخدامه للكتابة الصحفية فى النص واتهامه بأن هذا يسئ للنص ، قال أنها تقنية تخدم النص ، وهو أيضا يوظف تقنية الصورة والمشهد التلفزيونى ، وعلى حسب المشهد يختار التقنية ، كما يستخدم الكاتب تقنية " الثرى دى " حيث يجسد الصور والرائحة والحركة ، وهو يرى أن تلك التقنيات تغنى النص ولا تعيبه . وأكد المدهون أنه لو بقى بخان يونس لرأى الأمور بالطبع بشكل مختلف ، و تعجب من انتقاد البعض له وقولهم " نكبة فلسطين ونكبة البوكر " رغم كونه أول فلسطينى يحصل على البوكر ، مؤكدا أنه لم يكتب عملا سياسيا ، بل عمل فنى إبداعى ، وهو يحب أن يستعرض الأمور الإشكالية ،لذا تحدث عن الهولوكوست قائلا إن اليهود حقا ضحايا للنازية ، ولكننا لم نفعل بهم ذلك ، ونحن نتعاطف معهم ، ولكننا غير مسئولين لندفع بلدنا ثمنا لما حدث معهم ، وهم يصنعون بفلسطين أكبر مما صنعت فيهم النازية ، ولكن لا يمكن أن نتعاطف مع محرقة اليهود أن لم يعترفوا بجرائمهم فى النكبة الفلسطينية . وضرب مثل بالرواية عندما زار البطل وليد الدهمان متحف الهولوكوست ، تخيل متحف لشهداء فلسطين فوق مذبحة دير ياسين ، وقال جملة : تتساوى حقوق الضحايا عندما تتساوى حقوق الأحياء " . وختم قائلا أن روايته تركت مفتوحة ،اذا كان وليد سيعود أم لا وكيف ستكون هذه العودة ، وربما هذا يكون مفتتح رواية جديدة ، وجزء ثالث جديد . يذكر أن روايته "السيدة من تل أبيب" وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر عام 2010، وتعد الجزء الأول ل"مصائر" التى فازت بجائزة البوكر مؤخرا، وبطلهما واحد يُدعى وليد دهمان، وللمدهون أيضا مجموعة قصصية بعنوان "أبله من خان يونس"، ورواية " حكايات طعم الفراق " سيرة ذاتية .