لا شك أن حدثا مثل الهجرة النبوية حين تكون تاريخا للأمة لا شك أنها حدث عظيم في تاريخها ونقطة تحول في حياتها .. فالهجرة فرقت بين الحق والباطل ، وميزت بين الخير والشر .. حولت ضعف المسلمين إلى قوة ، وذلهم إلى عزة ، وعجزهم إلى قدرة .
وكما يقولون : أن لكل شيء سببا ، فللهجرة النبوية أيضا أسباب ، وهما سببان :
1) شدة الأذى والاضطهاد الذي كان يتعرض له النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه من كفار قريش .
السبب الأول : شدة الإيذاء والاضطهاد من كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
حقيقة : لقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم إيذاء شديدا لم يتعرض له نبي من الأنبياء السابقين ..
من أنواع الإيذاء : كان المشركون يسخرون منه ويحتقرونه ، ويستهزءون به ويكذبونه ، فكانوا ينادونه بالمجنون كما قال الله تعالى عنهم : وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون.
كانوا يقولون عنه إنه ساحر كذاب ، كما قال تعالى : وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب . كانوا يستقبلونه بنظرات استحقار ، كما قال سبحانه : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون .
كانوا يشوهون تعاليمه الشريفة ويثيرون حولها الشبهات ، وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا .
وقالوا عن القران الكريم : إن هذا إلا إفك افتراه … وكانوا يقولون أيضا : إنما يعلمه بشر .
وقالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم : مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .
من أنواع الإيذاء أيضا : أنهم عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتنازل عن بعض تعاليمه ويتركون هم بعض ما عليه مثل المفاوضات فنزل قوله تعالى : ودوا لو تدهن فيدهنون .
وأيضا عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبد الهتهم سنة ويعبدون الله تعالى سنة فنول قوله سبحانه : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون .
من أنواع الإيذاء أن أبا لهب وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم أمر ولديه عتبة وعتيبة أن يطلقا ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم لما جاء بالدعوة وكان قد كتب كتابهما فقط .
وأيضا : لما توفي عبد الله وهو الابن الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم استبشر أبو لهب وقال لقومه : أبشروا فإن محمدا قد صار أبترا يعني ليس له ولد يحمل ذكره من بعده . فنزل قوله تعالى : إن شانئك هو الأبتر .
وكانت زوجة أبي لهب وهي أخت أبي سفيان كانت تحمل الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ، ولذلك وصفها القرآن الكريم بأنها حمالة الحطب .
من أنواع الإيذاء أيضا : أنهم وضعوا رحم الشاة وهو يصلي كما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره الشريف وهو ساجد صلى الله عليه وسلم حتى جاءت فاطمة فطرحته عن ظهره .
وكان أمية بن خلف إذا رأى الرسول صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه ، ونزل فيه قوله تعالى : ويل لكل همزة لمزة . وكذلك الأخنس بن شريق كان ممن ينال من النبي صلى الله عليه وسلم ، فوصفه الله تعالى في القرآن بتسع صفات : ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم .
أما أبو جهل رأس الكفر والشرك فقد كان ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فنزل فيه قوله تعالى : أرءيت الذي ينهى عبدا إذا صلى …
وفي يوم أراد ان يطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدمه ويعفر وجهه في التراب لكن الله تعالى حال بينه وبين ما يريد .
ومرة أخرى حمل أبو جهل لعنه الله حجرا كبيرا ليضرب به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد لكن الله تعالى منعه من ذلك .
من أنواع الإيذاء أنه في يوم اجتمع عليه عشرة رجال وأحاطوا به فهذا يجذبه والآخر يدفعه والثالث يضربه حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه فدفعهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم …
كما أنهم غيروا اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم من محمد إلى مذمم .
من أشد أنواع الإيذاء التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم : الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر فصارت مخرجاتهم وفضلاتهم مثل الدواب حتى إن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وجد في ليلة جلدة شاة فأخذها فوضعها على النار حتى تفحمت ثم أكلها وظل عليها ثلاث ليال لا يأكل شيئا .
من أنواع الإيذاء أنهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات ، ففي يوم الخميس 26 صفر سنة 14 من البعثة اجتمع سبعة من كبار كفار قريش في دار الندوة وجاءهم الشيطان في صورة شيخ يريد نصحهم ودار نقاش طويل فقال أحدهم : نحرجه من بيننا وننفيه من بلادنا .
فقال الشيطان : لا والله ما هذا لكم براي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة كلامه والله لو فعلتم ذلك فسينزل على حي من العرب فيتبعوه فيسير بهم إليكم فيقاتلوكم .
فقال أبو البختري : احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه الباب حتى يموت . فقال الشيطان : لا والله ، لئن حبستموه ليخرجن من وراء الباب .
فقال أبو جهل : أرى أن نأخذ من كل قبيلة شابا جلدا قويا فنعطي كل فتى منهم سيفا صارما فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف على حربكم فيرضوا منا بالدية . هذا عن السبب الأول ويعتبر هو السبب الرئيسي من أسباب الهجرة .
كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وحكمته أن يعرض الإسلام على القبائل بالليل ، وفي موسم الحج سنة 11 من البعثة خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب إلى منى فسمع أصوات رجال يتكلمون وكانوا ستة نفر من شباب المدينة وكانت تسمى يثرب .
فعرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام عليهم فأسلموا ، وحملوا الإسلام إلى أهل المدينة حتى لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
في موسم الحج سنة 12 جاء 12 رجلا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى . وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير معهم الى المدينة .
في موسم الحج سنة 13 من البعثة جاء 73 رجلا وامرأتان وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية . وبذلك أصبح للإسلام قواعد وأرضية صلبة يستند عليها في المدينة .