يتوجه أكثر من ستة ملايين مواطن تشادي إلى صناديق الاقتراع، اليوم الأحد، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية التي تشهدها البلاد، ويشارك فيها الرئيس إدريس ديبي، الذي يعتبر الأوفر حظا للفوز بولاية رئاسية خامسة بعد 26 عاما من تربعه على عرش الرئاسة. وعلى خلاف الانتخابات السابقة، تتميز هذه الانتخابات بكثرة عدد المرشحين الرئاسيين المشاركين فيها، حيث يشارك - إلى جانب ديبي باعتباره مرشحا لحزب الحركة الوطنية للإنقاذ - 13 مرشحا آخرين ، من أبرزهم صالح كيبزابو، مرشح الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد، ورئيس الوزراء السابق جوزف جيمرانغار دادانجي، ورئيس الوزراء الأسبق نور الدين دلوا كاسيري كوماكوي. ويتخوف المراقبون من أن تؤدي كثرة عدد المرشحين الرئاسيين إلى تصويت إثني وقبلي مشتت للمعارضة يصب في صالح الرئيس ديبي. ورغم توقيع بعض حركات المعارضة الأسبوع الماضي مع منظمات المجتمع المدني على اتفاق لدعم مرشح المعارضة في حالة صعوده إلى جولة ثانية من الانتخابات بهدف التصدي للرئيس ديبي وتوحيد الأصوات ضده، إلا أن المراقبين يتوقعون انتهاء هذه الانتخابات من الجولة الأولى بفوز مريح للرئيس ديبي بولاية رئاسة جديدة. ويرى المراقبون أن رصد المشهد الراهن في تشاد يكشف العديد من الحقائق، أولها أن البلاد تعيش أوضاعا صعبة على مختلف المستويات، فداخلياً يعاني المواطنون من أزمات اجتماعية واقتصادية حادة، حيث يعيش نصف سكان تشاد تحت خط الفقر، و70 % منهم أمّيون. كما يعاني المواطنون من الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة ونقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي وعدم سداد المرتبات وتدني الخدمات الصحية والتعليمية. ورغم الموارد النفطية والتزامات المانحين لتحسين الصحة والتعليم غير أن الشارع التشادي في حالة دائمة من الغليان بسبب تردي الأوضاع المعيشية وتزايد معدلات الفساد والتمييز العرقي والتي تظهر بوضوح في تمييز قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس ديبي، وشغل أعضائها العديد من المناصب العسكرية الهامة وتمتعهم بامتيازات خاصة تثير استياء كافة السكان. إلى جانب ذلك تشهد تشاد نوعا من تقييد الحريات العامة، ظهرت بوضوح خلال الاستعدادات الانتخابية التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الأخيرة، فقد مُنعت منظمات المجتمع المدني قبل أسابيع من تنظيم مسيرات سلمية للمطالبة بالتغيير الديموقراطي في الوقت الذي توفر فيه الشرطة حماية مكثفة للمكاتب الداعمة لحزب ديبي الحاكم ، كما يخضع القصر الرئاسي لحماية أمنية مشددة يوفرها عدد كبير من الجنود، فضلا عن تركيز التليفزيون الوطني على بث تقارير وشهادات لمواطنين يدعمون ديبي. وعلى الرغم من الأوضاع المتردية التي تمر بها البلاد لا يزال الرئيس ديبي الأوفر حظا للفوز بولاية رئاسية جديدة ، ويرجع المراقبون ذلك إلى عدة أسباب ، أبرزها : أن ديبي أصبح اللاعب الرئيسي في العديد من القضايا الأمنية الهامة في المنطقة، حيث تتصدر قواته محاربة المجموعات المتشددة في جنوب الصحراء الأفريقية، وعلى رأسها "بوكو حرام" التي وجهت العديد من هجماتها الدامية إلى "أنجمينا"، وتعهد ديبي حينها بالقضاء عليها، حيث أرسل قواته إلى نيجيريا المجاورة في بداية 2015 ليحرر فيها قرى احتلها المتشددون، والإعداد لرد عسكري إقليمي ضدهم، مما جعل منه شخصية ذي ثقل عسكري في القارة الأفريقية. وفي ضوء ذلك يبدو أن الشعب التشادي الذي ينشغل بالأساس فى توفير قوت يومه مستعد لتأييد ولاية جديدة للرئيس ديبي فقط لكونه رمزا للأمن والتصدي لخطر الجماعات الإرهابية. ونتيجة لما سبق أصبح الغرب، وبالأخص فرنسا، يؤيد استمرار ديبي في الحكم حفاظا على استقرار المنطقة خاصة بعد أن أصبحت نجامينا المقر الرئيسي للقوة الفرنسية "برخان" المكونة من 3500 جندي والتي تتولى مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما يكشف أن ديبي أصبح يستمد شرعيته داخليا وخارجيا من الملف الأمني. ويخلص المراقبون إلى أن هذه الانتخابات لن تؤدي إلا إلى تجميد المشهد السياسي في تشاد وستعرقل إعادة توزيع الأدوار السياسية بين القيادات السياسية، ولكنهم يرون أن الانتحابات التشريعية القادمة قد تحمل فرصا حقيقية للمعارضة في إمكانية إحداث تغيير حقيقي في البلاد وذلك في حالة نجاحها في الاتحاد ووضع استراتيجية مشتركة يمكن أن تخرج البلاد من أزماتها، وتفتح لها باباً من الانفتاح الاقتصادي والازدهار.