استضافت مكتبة مصر العامة مؤخرا ندوة أدبية لمناقشة روايتي "عشيقات الطفولة" و"الفضيحة الايطالية" للكاتب الروائي محمد بركة نظمتها مديرة النشاط الثقافي للمكتبة الدكتورة أكرام يونس و شارك فيها المطرب الشاب خالد حسين بالعزف على الجيتار و تقديم فواصل غنائية مبهجة . وفي بداية الندوة أشار الكاتب الروائي فتحي سليمان إلى اللغة الدرامية الذي استخدمها الكاتب في روايتيه، وقال إنه تعامل مع شخصياته كلها على أنها غير مكتملة ربما ليترك للقارئ شكوكه المشروعة نحو هذه الشخصيات، وقال إنه يحب أن يوضح أن كتابة محمد بركة تحافظ على شعرة معاوية بين الكتابة الجميلة والتحرر من القيود. و قدمت سهى زكى دراسة عن الروايتين فتحدثت عن الرواية الأولى "الفضيحة الايطالية" قائلة: إن الراوي عرض رؤية بانورامية استعراضية كي يخبر الناس عن أماكن و رموز في وسط البلد ويؤرخ لها رغم عدم اهميتها للكثيرين، ولكن يعرف الراوي العليم جدا فى كثير من ثنايا الرواية، وأن الكتابة الحقيقية بعد زمن تصبح أحد وسائل التأريخ للأزمنة المتعاقبة. وتنتهى حكاية الفضيحة الايطالية بلا فضيحة كما ظن القارىء وانتظر منذ اصطحب البطل "ماريا " إلى بيته، ويتضح لنا أن الفضيحة الذى خاف منها الراوي هي فضيحة في الحياة، وهى أيضا فى خيال كل إنسان يحب أو يغامر، وأن الفضيحة الحقيقية فى الواقع هى الخوف من الفضيحة، فتقف حياتك بالكامل وربما تخاف من الحب والمغامرة وأن تعيش بحرية فقط لأنك تخاف من المجتمع الذى يتعامل مع كل خصوصياتك على أنها تنتهك ثوابته ، فيتعامل مع تلك الخصوصيات على أنها فضيحة. وأضافت سهى زكى أن الكاتب فى "عشيقات الطفولة استخدم لغة شديدة الرقى وقدم الريف المصري بصورة جديدة بعيدا عن تلك الصورة النمطية التي رأيناها في كتابات الرواد أو الدراما التلفزيونية، كما استخدم فى التعبير عن مشاهد حميمة كاملة مفردات تنتقد الازدواجية الدينية وبلا أى تجريح"، فحتى العاشقة الشرقية التي تضع ممرا آمنا لبرق الرغبة، سرعان ما تحتضن حبيبها وقد أمطرت سحبه لتوصيه بالحفاظ على صلاة الفجر، كما يصف القاهرة فى صباح ما بلغة اعتقدها شعرية إلى حد كبير فيقول "تتثاءب العاصمة مثل سيدة عجوز منكوشة الشعر محمرة العين، أجهدها السهر والشرب ليلة أمس". وهكذا لا يمكن أن تخرج من الروايتين دون أن تتأكد أن الكاتب كان لديه كل الحق فى جمعهما وإن كنت أرى أن ترتيبهما كان يجب ان يكون معكوسا، لأن الفضيحة الإيطالية تكمل حكاية "عشيقات الطفولة " بكل سلاسة، وقالت سهى رغم أنها لا يمكن أن تقترح على كاتب فعل شىء جديد فى عمل انتهت منه، لكنها اقترحت أنه لو كان من حقها أن تطرح اقتراحا على الكاتب بأن يقدم على مغامرة، وأن تصبح الروايتين رواية واحدة لأنها تستحق هذه المغامرة. وتحدث الدكتور بهاء عبد المجيد الناقد والروائي والمترجم، بملاحظته عن أن تلك الرواية تعبر برهافة وحساسية جديدة عن الصراع بين الحضارات، والعلاقة مع الغرب، وسيعرف القارئ أن اللغة الساخرة ليست قائمة على الإضحاك بقدر ما هي على المفارقة وعلى التناقض، وكانت كاميرا الراوي والسارد في الفضيحة الإيطالية هي عين مغترب. والمدهش وربما هنا تكمن الفضيحة الايطالية إن جاز التعبير فى أن ماريا تعرف عن واقعه المصرى اكثر مما يعرف هو وتحدثت معه عن معلومات لا يعرفها هو، وهنا نطرح سؤال هل يمكن انتصار الشرق على الغرب من خلال الجسد؟. وأضاف بهاء: النص والاستشراق واضح جدا فى مشهد زيارة الحسين وماريا وقدرته على رصد تفاصيل ووصف مشاهد كبيرة فى أقل عدد ممكن من الكلمات ولو أراد لاستطرد لن يمل القارءى أيضا، لم يكن هناك صراع قوى أدى إلى تحول الأفكار العادية، ماريا التى تصلى وتصوم رمضان احتراما لمشاعر الناس، ولا تدخن نهارا أمامهم فوجىء هو أنها اكثر وعيا بمجتمعه منه، ثم مشهد التاكسى وهذا السائق الملتحى الذى يتجلى التناقض فيه من خلال صرامة وجهه المتناسب مع شريط من شرائط عذاب القبر فى الكاسيت فى حين يضبط المرآة على سيقان الفتاة الأجنبية. و يتضح لنا ذكاء الكاتب فى إدارة الحوار بين الأبطال وهو حوار مهم وجميل ذكي يسلم الجمل لبعضها بسلاسة ويعطى معلومات وأفكار حول الشخوص بنعومة.