في نهاية كل عام، تعلن الأكاديمية السويدية للعلوم، أسماء الفائزين بجوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب أو الفسيولوجيا، وهى الجائزة الأكبر والأهم في العالم، من حيث قيمتها المالية والأدبية، لكننا لا نلتفت لعلماء آخرين، قدموا مساهمات عظيمة، ولم يحصلوا على الجائزة، لأسباب مختلفة. عن بعض هؤلاء الذين تجاهلتهم الجائزة، رغم انجازاتهم الكبيرة، نكتب هذا المقال، إنه فصل من فصول القصة الأخرى للجائزة: قصة المستبعدين. المضاد الحيوي ستربتومايسين: ألبرت كاتس(1920-2005م) كان "ألبرت كاتس" في الثالثة والعشرين من عمره، عندما اكتشف "الستربتومايسين"، أول مضاد حيوي فعال ضد البكتريا التي تسبب أمراضا مثل السل، التيفوئيد، الكوليرا، الطاعون، حمى الأرانب، الحمى المالطية، تلك الأمراض التي قتلت الملايين، على مر التاريخ. ألبرت كاتس كان "ألبرت" قد قضى سنواته الأولى في مزرعة العائلة بولاية "كونكتيكت"، بالولايات المتحدةالأمريكية، حيث تعلق بالأرض، واكتسب خبرات هامة فيما يتعلق بالزراعة، ما دفعه للالتحاق بكلية الزراعة بجامعة "روتجرز" في "نيوجيرسي"، ليتخرج منها بدرجة البكالوريوس في عام 1942م. بعد تخرجه، عمل في الهيئة الطبية للقوات الجوية الأمريكية، ورأى بعينيه الالاف اللذين يموتون جراء التهابات تسببها البكتريا سالبة الجرام، التي لم تكن تستجيب للعلاج بالبنسلين، أو السلفا. وعندما عاد إلى الجامعة ليبدأ العمل من أجل الدكتوراه في علم الأحياء الدقيقة (الميكروبيولوجي)، تحت إشراف " سيلمان واكسمان"(1888-1973م)، كان هدفه البحث عن مضاد حيوي فعال، ضد هذه البكتريا الشريرة. عمل "ألبرت" بعيدا عن زملاءه، في معمل معزول تفاديا للعدوى، وفقير الامكانيات، لكنه عمل بحماس عظيم، فكان يبدأ العمل منذ الخامسة صباحا، ويستمر حتى منتصف الليل، وداوم على ذلك لشهور. وعند الساعة الثانية بعد ظهر يوم 19 اكتوبر 1943م "أدركت أنى قد نجحت في اكتشاف مضاد حيوى جديد"- هكذا قال ألبرت، الذى أخبر أستاذه بذلك، ليتم تسجيل براءة اختراع لهذا المضاد الحيوي" ستربتومايسين"، الذى حقق من وراءه "واكسمان"، المجد، وجائزة نوبل، بينما لم يحصل "كاتس" على ما يستحقه من تقدير. جنى "واكسمان" مئات الآلاف من الدولارات من بيع العقار، بينما حرم "كاتس" من ذلك بحجة انه طالب دراسات عليا، رغم أنه هو من اكتشف ال"ستربتو مايسين"، وكان شريكا أصيلا مع "واكسمان"، في أوراق البحث المنشورة، وفى براءة الاختراع. وفى عام 1952م، حانت لحظة التتويج، وأعلنت لجنة نوبل فوز "سيلمان واكسمان"- منفردا -بجائزة الطب، وقف "واكسمان" على منصة الاحتفال، وتم تجاهل وتغييب "ألبرت" الذى قال عنه "واكسمان" أنه لم يكن أكثر من مساعد له! قدرت جامعة "روتجرز" "ألبرت"، واعترفت بإنجازه، فأصبح أستاذا لعلم الأحياء الدقيقة، وخلافا للقوانين التي تنظم براءات الاختراع، لا توجد وسيلة للتظلم من قرارات لجنة نوبل، تلك اللجنة التي لا تنظر للوراء، ولا تراجع نفسها، أبدا. وفي عام 2005م، مات "ألبرت كاتس"، دون أن يحصل على الجائزة، لكنه حصل على ما هو أثمن وأهم : تخفيف آلام المرضى، وحماية حياة الملايين . استاذ بكلية العلوم جامعة الازهر