صدر مؤخراً عن دار الرواق للنشر كتاب "فقه الحب" للروائي الدكتور يوسف زيدان، الذي قال عنه مؤخراً أنه "أعاد كتابة عديد من عباراته لتكون أكثر رشاقةً وأرهف لفظا". الكتاب عبارة عن فقرات مكتوبة بلغات شاعرية، بعضها نشر من قبل على "فيس بوك"، والمقصود منها توجيه الأنظار إلى الجانب الإنساني، نظرا لوجود الكراهية الشديدة والغل الشديد، فالكتاب يأتي كنوع لإعادة التوازن للعقل الجمعي عبر التذكير بهذه المعاني الإنسانية. وكان زيدان قد كتب في 1 أكتوبر 2014 بجريدة "الوطن" مقال تحت عنوان"مختارات من فقه الحب"، يقول فيه: أشير باختصارٍ إلى أن لفظة "فقه" لا تقتصر على المفهوم الدينى أو الشرعى؛ فالفقه هو المعرفة العميقة بالشىء؛ لذا يُقال مثلاً: "فقيه قانونى" و"فقيه دستورى" و"فلان تفقّه على يد فلان". يواضل زيدان: وقد رأيت، عقب وصول الإخوان إلى حكم مصر ثم إزاحتهم عنوةً، حالةً من المقت والغلّ راحت تجتاح نفوس كثير من الناس. فأردتُ أن نتذكر فى غمرة هذه الكراهية المقيتة إنسانيتنا، بالكلام عن "الحب" ابتداءً من المشاعر المرهفة البسيطة، إلى المعاني الصوفية العالية. فكنتُ أنشر هذه الفقرات الدافقة عن العشق والحب، في صفحتي على "فيس بوك"، تمهيداً لنشرها مُجتمعةً فى كتابٍ سوف يصدر مع مطلع العام المقبل. من المختارات نقرأ، لكن كما يقول زيدان: نصوص لا تصحّ قراءتها أو النظر إليها إلا بعين القلب: - الحبُّ ابتداؤه شغفٌ، وأواسطُه اشتهاءٌ لا يُنهيه ارتواءٌ، وغاياتُه اشتياقٌ إلى رجفاتِ البدايات، قد ينقم المحبُّ على المحبوب فيؤلمه، فإن لم يتألم معه، فلا هو مُحبٌّ ولا محبوبه محبوبٌ. - إذا اتّهمتَ الحبيبَ فى قلبك، فلا تصحبه بعدها. - إذا لم تجد ذاتك مُنعكسةً على مرآة المحبوب، فهو ليس المحبوب. - أجنحةُ الحبِّ لا حصر لها.. منها الخيالُ، ومنها اللامُنتهى، واللامُرتوى، واللامُهتمّ بغير المحبوب. - الحب لا يعرف الندم، ولا يخلو من الألم. - أن تُحبَّ شخصاً يعنى.. أن تُكذِّبَ كُلَّ المُحيطين بكَ، وتُصمَّ أُذنك عن كلِّ مَن كنتَ تُنصتُ إليهم دوماً، وتُخالفَ كلَّ ما كنت تعتقد. ليكون المحبوبُ وحده هو المُعتَقَد، والمُصدَّق، والمُستَمع إليه.. وتلك مخاطرةٌ غير مأمونة العواقب. - الحبُّ فيه تحليقٌ ونُبل.. وليس فيه حقوقٌ أو واجبات، صوابٌ أو خطأ، إيمانٌ أو كُفر. - كلّما احتدمتْ أحوالنُا واحتدّتْ من حولنا، مثلما هو حالنا اليوم، اشتد احتياجنا إلى الحب.. كطوقِ نَجاة. - قد ينقُمُ المحبُّ على المحبوب، فيؤلمه.. فإن لم يتألم معه، فلا هو مُحبٌّ، ولا محبوبه محبوبٌ. - استجلاب المحبوب لبدء الصلة يسير.. العسير هو استبقاؤه واستدامة التواصل. - المحبُّون زائلون؛ لأنهم مادةٌ فانية.. أما الحبُّ ذاته فهو سرمدىُّ الدوام؛ لأنه لا مادي. - مهما احتدم الحبُّ في قلب المتحابينِ، ومهما التهب، فإن الفراق بينهما محتومٌ.. لا محالة. - كلما تحاشينا الحبَّ، وتجافينا، بحجة أننا لن نحتمل آلامه.. صرنا كالموتى الذين يزيدون موتهم موتاً. - تُخشى شراسة الأنثى إذا تعرض وليدها لخطرٍ.. وإذا عشقتْ بعمق. - أحوالُ العشق أهوالٌ كلُّها.. نقتربُ فنلتهبُ، ونبتعدُ فنرتعدُ، وننقطعُ فتتمزّع خيوط بيت العنكبوت التى تربطنا بحياةٍ لم تعد تحتمل. - على كل الذين تجاوزوا الحالة الحيوانية إلى آفاق الإنسانية، إناثاً كانوا أم ذكوراً، أن يحذروا قبل فوات الأوان من الوقوع فى أتعس المآسى: عشق شريكٍ رخيصٍ. - إن صحَّ الحبُّ، احتوى الأحوالَ المُتقابلة المتضادة، كلَّها: التحنان ثم الفوران.. الروحانية ثم النزق.. الصفو ثم صراخ القلب والعقل وكل الكيان، طلباً للمحبوب. - العشقُ يقلبُ موازين القلبِ والعقل، جميعها، ويجعلُ اليسيرَ خطيراً والجليلَ هيّناً.. فتصيرُ الكلمةُ المفردةُ أُفقاً لا آخر له، والرسالةُ القصيرةُ إصبعَ ديناميت قد يُميت أو يُحيى، وقد يُقيمُ ثم يهدمُ فلا يَذَر ولا يُبقى. - طريقُ الحبِّ السماوى لا يبدأ إلا بالعشق الأرضى، فإن انتقل القلبُ إلى الأفق الأعلى، صفا من مُكدّرات الحال فى زمن البدء، وتسامى عن مشوّشات الحب: الغيرة، الأنانية، وَهْم الامتلاك.. ومثل ذلك من أحوال الكائنات الزاحفة، لا الصقور المحلّقة فى السماوات العُلى. - للعاشق عينان لا تريان القبح فى المحبوب، ثم لا تريان قبحاً فى أى موجود، ثم لا تريان فى الكون قبحاً. فإذا اكتمل العشقُ فى القلب، وعمّ، وتمّ، وطمّ.. فما ثمّ، إلا جمالٌ يحوطه الجمال. - فى عين المُحبِّ، تبدو المحبوبةُ فى صورة الربة إسّت (إيزيس).. فإن أحبّته هى، بدا لها كوليدها. - بالحبّ يحيا الإنسانُ إنساناً، وإلا.. فالقاتلُ لا يقتلُ وهو يُحبُّ، والمخرّب لا يُخرّبُ وهو يُحبُّ، والخائنُ لا يخونُ وهو يُحبُّ. فالحبُّ لا يجتمع مع وضاعةٍ، أو رداءة، أو بدائية. - فى حياتنا لحظاتٌ سحريةٌ تحوطُ بنا، وتصحبنا كلَّ حين.. فأحياناً لا نلمسها فنكون الأحياءَ الميّتين، وأحياناً نُحبُّ فنلمسها. - الحبُّ ابتداؤه شغفٌ، وأواسطُه اشتهاءٌ لا يُنهيه ارتواءٌ، وغاياتُه اشتياقٌ إلى رجفاتِ البدايات. يقولُ العاشقُ، وهو الصادقُ: كلُّ ما كان قَبلكِ وما سيأتى من بَعدكِ، لكِ.. فتقولُ العاشقةُ: باطنى لكَ، إن أردتَ السَّكن، وطن. - لولا الحبُّ والعشقُ، لانعدمت القيمُ العليا الثلاثُ، التى تجعلُ من الإنسان إنساناً.. فالجمالُ لا يُرى إلا بعين عاشقٍ، ولا يراه الكارهون.. والحقُّ لا يتضح إلا حين نُحبُّ الحياة، فنحتفى بما يحفظها.. والخيرُ لا يفعله ولا يتمنّاه إلا الذين تفيض قلوبُهم محبةً.