رحم الله رجل الحرب والسلام، رحم الله الرئيس أنور السادات، الذي حارب، فانتصر، فحرر، فقابل الارهاب ترانيم السلام برصاصات الموت، ليسقطه شهيدا، ورغم ذلك لم يعطه التاريخ قدره، رغم كونه عظيما. السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل قالت إنها لم تتقاضى معاشه كضابط في القوات المسلحة لأكثر من 15 عاما، وأن زوج ابنتها كان يعزم نفسه على الغذاء عندهم ويحضر الطعام معه حتى لا يحرجهم، بحسب قولها في حوارها ببرنامج "معكم"، الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، على فضائية "سي بي سي". أعتقد أن هذا القول غريب، لأنه لو صح فسعني عدم وجود تحمل مسؤولية تاريخية تجاه السادات وأسرته.. بالطبع لا أقصد معاملة استثنائية لأسرته، ولكن عدم تقاضي زوجة السادات لمعاشه لمدة 15 سنة لهو أمرا لو تعلمون "مريب"، خاصة وأن علم النفس "الرئاسي" يقول إن كل رئيس يحاول محو "حسنات" الرئيس الذي يسبقه، ويبدو أن المحو كان زائدا بعض الشيء، إلى أن جاء الفنان أحمد زكي ليجسده في فيلمه الرائع "السادات"، ويجعل البعض يبحث في التاريخ عن هذا الرجل. "ربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس، ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه، مرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله". السادات قال هذه الجملة بعد نصر 1973، والتاريخ يعاد، لأن المصري لازال يتفاخر بتاريخه رغم ضبابية مستقبله، وبدلا من أن نتعلم حلاوة النصر وآماله، نجد أنفسنا نتذوق مرارة الهزيمة وآلامها، ولكن الهزيمة هذه المرة ليست عسكرية، بل أخلاقية وعلمية، وتعليمية، وثقافية، فلو كان السادات حيا لأشعل غليونه وقال "سحقا.. هل حدث السلام لنترك سيناء صحراء ؟!.. وهل حررنا كرامتنا داخليا حتى تهان كرامة المصري خارجيا.. وهل أصبحت الدماء تسال الأن بين المصري والمصري بدلا من محاربة العدو الصهيوني ؟!"، ولهز رأسه بأسى وحزن وقال "دول مش ولادي". "سوف يجئ يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه".. سيادة الرئيس أتى اليوم الذي نقص فيها بالفعل ماذا فعل كل منا في موقعه، فالوزير يسرق ويحصل على البراءة، والمتسول يضبط ويعرض على النيابة وبحوزته 2 جنيه حصيلة تسوله، ولو أردت سيادة الرئيس أن ترى ماذا فعل كل منا في موقعه، فعليك رؤية انجازات مصر الداخلية والخارجية، وستجد حوادث الاهمال، والموت على الطرق، والوضع الصحي غير الأدمي، والأجور غير مناسبة للحياة. "وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره".. الأمانة لا تحمل سيادة الرئيس، بل تسرق، فمصر سرقت منذ رحيلك وحتى الآن، فأنت اخطأت في بعض الأمور ومن قبلك أخطأ، ورؤساء مصر من بعدك اخطأوا أيضا، ولم يقم الجميع بدوره كما ينبغي عليه، بل ترك الجميع حاشيتهم يسرقون، ويتعاملون كأنهم أسياد الدولة، وأعتقد انك ترانا الأن، وترى مصر كيف أصبحت، وأتيقن من أنها لا تعجب روحك التي تهيم حولنا. "كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء".. أمل ذلك سيادة الرئيس، فالفترة حالكة السواد، وتحتاج إلى نور الأمل، ومرور جديد، وحرب هي الأكثر ضراوة، ولكنها تحتاج رجالا في مواقع المسؤولية، ولكني أعتقد أن هؤلاء الرجال ماتوا مع العبور العظيم ! أعتذر سيادة الرئيس عن حديثي الكئيب، وأعتقد أنك ستنتظر ذكرى نصر أكتوبر القادم علك ترى مصر بوجه جديد، وحتى ذلك الحين، أراك على سلام يا بطل السلام.