ابتداء يسبق أي حديث ذلك العجب الذي أسمعه عن حرمان طلاب الأقاليم من دخول بعض كليات جامعة القاهرة، ووجود استثناءات في التحويلات بدواعي الأمن القومي تتيح لأبناء مهن بعينها ما لا يتاح لسائر أبناء المصريين!! الاستثناءات تحت أي شعارات أو تبريرات هي البوابة الأساسية للتمييز، وإذا كان مطلوبا استثناء من أطلقوا عليهم أبناء الكبار من قواعد التوزيع الجغرافي والتحويلات الجامعية، لاعتبارات قومية، فهذا الحق يجب أن يكون للجميع وفق قواعد مشددة تطبق بعدالة وتحترم التفوق، وتتحوط لوقوع أي تمييز، ثم ما معني الكبار؟! ومن هم الصغار؟ ووفق أي معايير يتم التقسيم؟ وهل قام الشعب بثورتين لنعيد استنساخ تقسيم الشعب إلي كبار وصغار، ودون مبالاة واحترام لمعايير التفوق والاجتهاد، والتميز العلمي؟ وما مدي صحة ما قيل عن حرمان أبناء الأقاليم من دخول بعض الكليات في القاهرة؟!! بأي حق ومنطق؟ وهل هو من أجل تعميق عزلة وإقصاء أقاليم مصر وأبنائها، وما تعانيه من تدني مستوي الخدمات التعليمية والصحية، وسائر أشكال الرعاية والاستحقاقات الواجبة لأبنائها، ومنها أن يتمتعوا بنفس الحقوق التي لجميع أبناء بلدهم وعاصمتهم؟ أرجو ألا يأتي وقت يحتاجون فيه إلي بطاقات خاصة لدخولها!!. صناعة »جيتو« ودوائر منعزلة، يتمتع داخلها أبناء الكبار بامتيازات خاصة خطأ وخطيئة، وكان الأجدي البحث عن علاج للفروق الفلكية المجتمعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية التي عاناها المصريون عشرات السنين الماضية.. أفيقوا واستفيقوا يرحمكم الله.. من أعظم ما حدث في الثورة هذه الأيام التي توحدت فيها صفوف المصريين بمختلف مكوناتهم وأطيافهم ومستوياتهم، وصنعوا بها القوة التي فرضت إرادتهم، ما هو المراد من الاستثناءات والعزل والإقصاء والتمييز وإعادة التقسيم بين كبار وصغار، وقاهرة وأقاليم.. أن تنفرط هذه الوحدة وألا تتكرر، وأن تزداد دواعي الغضب الاجتماعي والإنساني! لأنه لا تكفي الفروق الاقتصادية اللاأخلاقية واللاإنسانية!. دون الدخول في تفاصيل، واحتراما لحظر النشر.. أقول إن وقائع جرائم الفساد متداولة ومعروفة، ويتناقلها عديد من أبناء الوزارة وخارجها، لأن رائحة الفساد كانت أقوي من أن تظل بعيدة عن العيون، ولأنه فساد قديم، وللأسف بدلا من بتره وإقصاء كل من شارك بأي شكل من الأشكال،استقوت واستشرت سلالته، وكانت علامة الاستفهام الكبري، وعلامات التعجب الكثيرة، لماذا تترك أسماء محترمة لها نجاحاتها العلمية، رشحت لوزارة من أخطر وزارات الأمن القومي والحيوي والغذائي والصحي، ويتواصل اختيار أسماء من سلسال أغلبه قادم من سلالة من قادوا التطبيع وسياسات دمرت أخصب أراضينا الزراعية، وسمحت بملئها بالطوب الأحمر بدلا من الخير الأخضر، ومن خلال ادعاءات تحرير الفلاح والزراعة، والقضاء علي الدورة الزراعية، تمت أخطر مخططات التدمير والتجريف، وانهيار أهم أعمدة قوة مصر عبر تاريخها الطويل.. الفلاح والأرض والزرع والأمن الغذائي، والاقتراب من حدود الاكتفاء الذاتي المتاح والممكن في جميع محاصيلنا، خاصة الاستراتيجية، وفي مقدمتها القمح، بدلا من أن نكون أوائل مستورديه في العالم، وفي إطار التدمير قضي علي مشروع ضخم لشركة وطنية لإنتاج بذورنا (نوباسيد) أول شركة بيعت في مخطط التخلص من القطاع العام لإخلاء أسواق البذور، وبعضها يفوق أسعار الذهب لمصلحة شركة »هزيرا« الإسرائيلية، وأيضا لإفساح الطريق للبذور الخطيرة المهربة إلي مصر عبر البوابة الشمالية الشرقية، والمحرم زراعتها في إسرائيل، كما كان يكتب بالعبرية علي بعض العبوات.. البذور التي شاركت في تدمير المحاصيل، وانهيار خصائص التربة، ومع بذور التدمير كانت تزرع بذور لا تقل خطورة، هي بذور الفساد.. الوسيلة الشيطانية المؤكدة عبر التاريخ للتمكن والسيطرة، وتابع المصريون قبل ثورتهم في 25 يناير أكثر من قضية فساد كبري قبض فيها علي مسئولين من كبار مساعدي الوزير!! المأساة أن يستطيع هذا الفساد أن يستمر ويتواصل، وألا تتم محاسبة رءوسه الكبيرة، رغم الانهيارات والدمار الذي تعرض له الفلاحون والأرض، بل يستمر ويستقوي ويعاد اختيار قيادات من سلالته بعد ثورتين أو ثورة عظيمة في 25 يناير، أعادت عشرات الملايين إلي الخروج لاستردادها في 30/6، ثورتان قدم فيهما المصريون دماء وأرواح أغلي أبنائهم ليتحرروا من سطوة واستبداد فساد السلطة والثروة، وأعوانهم وذيولهم من الوزراء وكبار المسئولين، وليتوقف تحقيق إنجاز كان يجب أن يكون في مقدمة إنجازات الثورة في جميع مؤسسات الدولة.. إنقاذ المصريين وتحريرهم وتحرير ثروتهم البشرية من العلماء والخبراء، وثرواتهم الطبيعية من الفساد والمفسدين، والاستعانة بقيادات وخبراء وعلماء وأساتذة أجلاء من خارج السلالة تمتلئ بهم الجامعات المتخصصة، ومراكز الأبحاث، وفي المقدمة منها مركز البحوث الزراعية، الذي كان يحتل المركز الأول علي مستوي إفريقيا والوطن العربي والشرق الأوسط، وكانت تأتيه من الشرق والغرب بعثات للتدريب.. أعرف أسماء خبراء وعلماء محترمين لهم أبحاثهم وتطبيقاتهم الميدانية، ورؤاهم العلمية لحل المشكلات الخطيرة التي تضرب الزراعة والأرض والفلاح والمياه والثروة الحيوانية.. رُشحت أسماؤهم لتولي المسئولية، وتمت تزكيتهم من الأجهزة الرقابية، وتمت اختيارات أصابت العارفين بحقائق الأمور في الزراعة والزلازل التي تعصف بها بصدمة وبتوقع فشل كامل، هو ما نشاهده الآن في أوضاع الزراعة، وانضمت إليه وقائع الفضيحة محظورة النشر!!. ما هي الخبرات والعلم الزراعي التي تجعل خريج علوم أزهري يتم التحقيق معه الآن يتولي منصبا قياديا في وزارة أمن قومي وحيوي وغذائي؟! مرة أخري وقائع الفساد وتاريخه ليست خافية ولا سرية، وفاضت بها كثيرا الصحف، وربما الأحدث حتي كتابة هذه السطور ما نشرته صحيفة »البوابة« الخيمس 3/9 تحت عنوان »وكر الفساد الكبير في وزارة الزراعة.. انخفاض الصادرات الزراعية بنسبة 18%.. الإهمال وراء إلغاء الاعتماد الدولي للمعامل المركزية بالوزارة«، أشرت في مقالات سابقة إلي ما تعرض له باحثون وباحثات حاصلون علي أعلي الدرجات العلمية في تحليل مشتقات المبيدات، ولجوئهم إلي العمل والنجاح في دول عربية شقيقة!! وقائع أخري بالغة الخطورة وأرقام مؤلمة يمتلئ بها التحقيق، مثل رفض أكثر من 180 شحنة إلي جميع دول الاتحاد الأوروبي بسبب التحليلات الخاطئة، مما أثر علي سمعة مصر دوليا في الصارات الزراعية، وفي قناة مصر الزراعية خبير ألماني يتجسس علي أوضاع وأحوال الزراعة راتبه 1000 دولار في الحلقة دون علم الحكومة!!! كيف يقع الاختيار علي هذه القيادات بالذات في بلد يسابق الزمن في معارك التنمية والنمو والبناء والانعتاق من آثار عشرات السنين من التجريف والتدمير والتخريب، كان علي رأس من ينفذ فيه مخطط الأمن الزراعي والغذائي والصحي والحيوي!!. بعد ثورتين كيف لا يحترم حق الشعب في أن يعرف ويطمئن كيف يُختار الوزراء والمسئولون الكبار، وليفاجأ بالنتائج الكارثية لسوء الاختيار!! النجاحات المشهودة التي تصنعها الدبلوماسية الرئاسية وتتجلي في الاتجاه شرقا إلي القوي البازغة والقادمة، ولتكون مصر جزءا أساسيا من المؤثرين وصنّاع القرار، وإيقاف احتكار المنطقة واستنزافها وتمزيقها، والقضاء علي شعوبها ودولها، هذه النجاحات المشهودة التي تبني فوق مكانة مصر وأرصدتها في الدول التي زارها الرئيس، يهددها وينتقص منها التراجع إلي الوراء عبر القرارات المتخبطة، والاختيارات الخاطئة التي تستدعي الغضب والرفض الشعبي، وتبدو في أغلبها للأقدر والأقوي، ولا نبالي بالجموع الأكثر ألما واحتياجا أن يدعمهم وينتصر لهم ما يصدر من قرارات وقوانين تنفذها قيادات مبرأة من الفساد، ومن الانتماء لعصاباته وسلالته. الفساد قصة قديمة وطويلة في أخطر وزارات مصر... وزارة الأمن القومي والحيوي والغذائي والصحي، وضع بذورها الأولي مسئول التطبيع الكبير الذي أراد أن ينسف به أهم وأخطر ركائز قوة مصر المتمثلة في سلامة شعبها، ولقمة عيشه، وقوة أرضه وزرعه وحيوانه ومياهه، واعتماده علي ذاته، والأخطر أن يستمر الاعتماد علي سلالتها وسلالات الفساد كأنه لا توجد أجيال جديدة وقديمة من الخبرة والعلم والقدرة تحمي مشاركتها والاعتماد عليها في النجاحات المستهدفة والتي تملك مصر جميع إمكاناتها وثرواتها البشرية والطبيعية والعلمية. نقلا عن " الاهرام" المصرية