كشف الكاتب محمد سلماوى عن سبب اختفاء مخطوطات " أحلام فترة النقاهة " آخر أعمال محفوظ الإبداعية ، و التى كتبها بخط يده من على فراش المرض ، و التى تبلغ حوالى المائة حلم ، قائلا : أن تلك المخطوطات غير موجودة فى أرشيف الأهرام ، بل تم بيعها و هى الآن خارج مصر . و أن محفوظ عندما ساءت حالة يده و توقف عن الكتابة ، كان يملى على سكرتيره عم صبرى كل ثلاثاء ، حلمه الجديد ، و خلال الأسبوع كان يجودها فى ذهنه و يحفظها جيدا حتى يمليها عليه ، و يملك سلماوى تسجيلات لمحفوظ و هو يستعيد تلك الأحلام من الذاكرة . جاء ذلك خلال حفل توقيع " حوارات نجيب محفوظ " لسلماوى ، عن مركز الأهرام للنشر ، بحضور د. جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق ، و أدار الندوة محمد الشاذلى مدير مركز الأهرام للنشر . و عن حواراته مع محفوظ قال سلماوى أنه يمتلك تسجيلات تقدر ب 500 ساعة مع أديب نوبل ، و أن الذى نشر منها فى الأهرام ليس سوى 5 % فقط ، قائلا أن بعض أحاديثه ليست للنشر ، كما أن المساحة المخصصة للحوار جعلته ينتقى جزء من الحوار الذى كان يمتد لساعة كل سبت من كل أسبوع ، على مدى 12 عاما منذ أصيب فى محاولة الاغتيال الفاشلة 1993 و حتى رحيله عام 2006 ، ويعد الكتاب واحدا من أهم الكتب التى تغوص فى فكر وحياة وفلسفة أديب نوبل الكبير، صاحب "الثلاثية" و"أولاد حارتنا" و"ثرثرة فوق النيل" و"ملحمة الحرافيش"، حيث يرصد المؤلف على مدار السنوات رؤى ومواقف وتوجهات نجيب محفوظ حيال القضايا السياسية والاجتماعية فضلا عن الأوضاع الفكرية والثقافية فى مصر والوطن العربى، إضافة إلى آرائه فى عدد من الشخصيات التاريخية مثل سعد زغلول وجمال عبد الناصر وغاندى ولينين وغيرهم من رواد السياسة والفكر والفن والثقافة. و أشار سلماوى أن موضوع أول حوار ، مع الكاتب " الكافر " كما ادعوا عليه ، كان عن " الله و الإنسان " ، و هل الله موجود أم لا ، و بينما اتخذ سلماوى دور محامى الشيطان ، كان محفوظ يرد بالأدلة و بأسلوب بسيط مؤكدا على وجود الله ، و آراءه عن العلم و الدين . كما روى عن قصة نشر محفوظ لأول رواية ، و أعطاه الناشر وقتها أجره 500 نسخة بدلا من الأجر المادى ، و لم يعرف محفوظ كيف يتصرف فى النسخ فأعطاهم لمكتبة الوفد ، التى اتفقت معه على أخذ الكتاب بنص فرانك ، و كل نسخة تباع سيحصل مقابلها على نص مليم ، و سعد بذلك ، و كان يذهب لهناك باستمرار ، و لكن الكتب لم تباع ، و عندما وجد الرفوف خالية سعد ، و عندما سأل الناشر عن المبيعات ، قال أنه لم يبعهم بل نقلهم للمخازن . و عندما تساءل ثروت الخرباوى عن باقية ال 500 ساعة ، و ما قال سلماوى أنه ليس للنشر ؟ ، أكد الخرباوى أن تلك الكلمات طالما خرجت من الأديب فلم تعد ملك سلماوى بل ملك للإنسانية جمعاء . و اتفق معه سلماوى أنه بالفعل ملك للإنسانية ، و أنه بالفعل انتوى نشرها عقب وفاته و لكن الأمر مثل له صعوبة شديدة ، فكلما سمع صوت محفوظ غلبه التأثر ، و لم يستطع تفريغها ، فقام بتأجيل الأمر ، مشيرا أنه سيستعين بأحدهم لتفريغها ، و سيقوم هو بتنسيق المادة المكتوبة ، و هو ما سيحتاج لمجهود ضخم لكبر حجم التسجيلات . أشار سلماوى أنه سيهدى شرائط التسجيلات لمتحف نجيب محفوظ عند انتهائه منها ، كما أنه يملك الكثير من أغراضه الكفيلة وحدها بإنشاء متحف منها أول وصل قيمته خمسون جنيها عن أول سيناريو كتبه ، و قلمه الذى أهداه لواحد من الكتاب توقف عن الكتابة بعد تعرضه لتجربة السجن المريرة ، و أهداه قلمه ليستحثه على العودة للكتابة من جديد ، و أهدى هذا الكاتب القلم لسلماوى ، و غيرها الكثير من الأشياء الخاصة بمحفوظ والتى لا يعرف عنها أحد . و استنكر محمد سلماوى عدم وجود جدية فى إنشاء متحف نجيب محفوظ ، و موقف وزارة الآثار من رفض تخصيص وكالة محمد أبو الدهب أو قصر بشتاك لتشييد المتحف ، متسائلا : هل هناك وزارة وطنية ترفض تخصيص متحف لنجيب محفوظ ؟ ، مؤكدا أن على المثقفين عدم الصمت عن ذلك ، خاصة مع مرور الذكرى التاسعة لمحفوظ و لم يتم تشييد المتحف بعد . و دعا سلماوى لتشييد المتحف بتمويل شعبى ، كما حدث مع تمثال نهضة مصر ، مؤكدا أنه أول المتبرعين ، لافتا أنه لا يوجد كاتب مرتبط بالشعب و قضاياه كنجيب محفوظ . و أضاف : محفوظ لا يحتاج لمتحف ، أعماله هى أكبر متحف ، نحن من نحتاج لهذا المتحف ، موضحا أن العديد من الزائرين كانوا يسألون عن زقاق المدق الذى كتب عنه نجيب محفوظ ، و يتعجبون كيف صنع هذا العالم الروائى الكبير من هذا الزقاق الصغير . كما أشار أن فكرة متحف محفوظ كان يعد لها و هو مازال على قيد الحياة ، و كان وزير الثقافة آنذاك هو عهد فاروق حسنى ، ووقع الاختيار حينها على وكالة أبو الدهب ، و لكن الأمر لم يتم ، و عندما تولى جابر عصفور الوزارة تجدد الأمل فى تنفيذ المشروع ، و لكن الوقت لم يمهله ، مستنكرا عرقلة وزارة الآثار لإقامة المتحف بما لا يليق بوزارة وطنية . من جانبه دعا د. جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق الجماعة الثقافية بتوقيع بيان يطالب الرئيس و رئيس الوزراء مباشرة بإقامة المتحف الذى عرقلته وزارة الآثار ، و أكد أنه سيكون من أوائل المتبرعين لتشييد المتحف بتمويل شعبى . و طالب الشاعر أحمد الشهاوى مؤسسة الأهرام بإقامة متحف نجيب محفوظ ، من خلال ما تملكه من مخطوطات و الأرشيف الخاص بالحوارات و المقالات ، مشيرا أنه لا يعول كثيرا على وزارة الثقافة . محفوظ و السلطة أما عن علاقة محفوظ مع السلطة ، و ما أثير على أنه دعم اتفاقية السلام التى أبرمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، قال سلماوى أنها مسألة شائكة ، و تم إساءة فهم دعم محفوظ لاتفاقية السلام و التى رفضها المثقفون فى ذلك الوقت . و أوضح أن محفوظ كان مؤمنا بمبدأ أن لم نملك السلاح للحرب فنملك التفاوض ، و كان أحد الموقعين على بيان توفيق الحكيم ضد حالة اللاحرب و اللاسلم ، و كان نتاج هذا البيان إيقافهم عن العمل ، و منع محفوظ من الكتابة و الظهور فى التلفزيون . و عندما عقد السادات اتفاقية السلام قام بما طالب به محفوظ ، و لكن بطريقة خاطئة ، و أكد سلماوى ان محفوظ لم يتبع السلطة يوما ، بل هى من تبعته ، و كان لمحفوظ تحفظات على اتفاقية كامب ديفيد ، و تضمنت الحوارات نقد شديد لممارسات إسرائيل فى الدول المحتلة ، و فى خطابه عندما نال نوبل ، طالب بحق الفلسطين فى إقامة دولتهم . و عندما كان ينتظره وفد نوبل فى فندق شيبرد ، توقف محفوظ ليسلم بنفسه على بواب عمارة تعرف عليه ، و عندما قال له سلماوى أنهم سيتأخرون ، قال هؤلاء من أعطونى نوبل . عصر الرواية من جانبه استعاد د. جابر عصفور ، مقالة العقاد التى حملت أقسى نقد للرواية ، و التى قال فيها أن مكتبته خالية من الروايات ، و أن بيت واحد من الشعر يساوى رواية كاملة ، و حينها كان نجيب محفوظ فى عامه ال 34 و قام بالرد على العقاد ، قائلا : لقد ساد الشعر فى عصور الفطرة و الأساطير ، أما هذا العصر عصر العلم و الحقائق فيحتاج لفن جديد يوفق بين شغف الإنسان للحقائق و حنانه القديم للخيال ، و فسر تأخر الشعر عن الرواية فى الانتشار ، لعدم امتلاكه المقومات الملائمة للعصر ، مشيرا أن " الرواية هى شعر العصر الحديث " . و مرت الأيام و حصل محفوظ على نوبل ، ليصفه عصفور ب " المتنبأ " فقد استبصر أن تغييرات العصر التى جعلت منه زمن للرواية و منها لعصر السرد و القص ، و هذا لا يقلل من الشعر . و أشار عصفور أن هناك أكثر من 300 كتاب عن محفوظ بخلاف الكتب عن لغات أخرى، موضحا أن هذا ميزة الأدب العظيم ، و أن قرارات محفوظ النقدية عديدة و ثرية و تختلف من ناقد لآخر ، فالعمل الأدبى قابل للتأويل ، مدللا بأنه يرى " أولاد حارتنا " ملحمة اجتماعية ، بينما يراها صلاح فضل ملحمة دينية .