عرفت الرجل في "عزّ" تألق المسرح في جامعة السلطان قابوس، باعتباره الرجل الأكاديمي الذي لم يكتف بالتنظير في المسرح، بل غرس راية خضراء جميلة لأبي الفنون في قلب جيل شكّل ظاهرة فنية في الجامعة في تلك المرحلة. الرجل اسمه هاني مطاوع.. المخرج والإنسان المحب، بقيمة الأثر الذي تركه في نفوس الفنانين الذين عملوا معه، وطلبته الذين تلقوا حب المسرح على يديه. يحمل في رصيد شهرته مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" ونجمها عادل إمام، وكانت مسرحية بحجم بلايين الضحكات التي تناثرت في الوطن العربي يوم أن كانت الضحكات أكثر صدقا وشفافية، والكآبة أقل ثقلا على الروح. رحل هاني مطاوع ضمن مجموعة من الأسماء المبدعة تتابعت أخبار رحيلها خلال الأيام الماضية: عمر الشريف، نور الشريف، وغيرهما، وهناك في العناية المركزة الروائي جمال الغيطاني، كأنما هذه القلوب لم تستطع مجابهة الانهيارات الإنسانية حولها، والضغط الحاصل في مرحلة ما كان التعويل عليها كبيرا لكسب معركة الإنسان مع الحرية، فإذا بالحرية والإنسان يصبحان بين فكي البؤس وضياع الأمل. التقيت بالراحل هاني مطاوع كثيرا في مرحلة عمله أستاذا في جامعة السلطان قابوس، وكاد يمنحني شرف إخراج أحد نصوصي المسرحية، سعادة المدير العام، الفائز بالمركز الأول في مسابقة المنتدى الأدبي للمسرح، لكن بعد نشر خبر عن بدء "البروفات" توقف حلمي لأسأل "الدكتور هاني" عن ذلك لاحقا، فألقى اللوم على الرقابة "الجامعية" نظرا لجرأة النص. عبر أكثر من عقد عمل الدكتور هاني مطاوع على تشكيل حالة مسرحية في جامعة السلطان قابوس جديرة بالعودة إليها، فخرج من تحت عباءته الفنية مجموعة من الطاقات المبدعة، لكن تيار المسرح في بلادنا بدأ السير إلى الخلف حيث لا مسارات للمخرجات الفنية القادمة من المؤسسات التعليمية، الجامعة ومعهد الفنون المسرحية في الكويت كأبرز مثال، فالأفق مسدود، سوى من مهرجان له من العثرات ما يجعل الإبداع المسرحي يركن إلى فكرة المسابقة، وينسى دوره الرئيسي في تشكيل حالة ثقافية في مجتمع مدني معاصر. وحينما سيطرت فكرة التجريب على المسرح العماني تأسياً بما كان عليه الوضع في المسرحين العالمي والعربي، بخاصة مع بدء مشاركات مسرحنا في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي فإن "الموضة" أخذت من أبي الفنون جوهره الحقيقي في المتعة الموازية للوعي والفكر. أتذكر مقولة للمخرج الراحل حيث يرى أن التجريب يحمل قدرا كبيرا من الادعاء، وبإمكان أي شخص يبرر خواء الفكرة القول إنه عرض تجريبي، دون بناء قوي للوعي داخل النص أو الإخراج، والجمهور إذا لم يفهم فيمكن القول إن النص عميق. أتذكر مسيرة حافلة لهذا الرجل، ولقائي الأخير به في نادي الصيد بالقاهرة، على أمل أن أجري لقاء مطولا معه، لكن الأقدار ألقت بنا بعيدا عما تشتهيه السفن، فتوقف قلب هاني مطاوع، تاركاً كل الضحكات لذلك الشاهد الذي "شاهد كل حاجة" في قلب وطن، فآثر النبض أن ينتحر كمداً وقهراً. نقلا عن " الشبيبة" العمانية