البيعة تلك الكلمة السحرية التي تداعب عقول الناس حين سماعها فقد ورد ذكرها في القرآن في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }الفتح10 وهي هنا بيعة الإسلام. ولقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة كما في قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111 والإسلام هنا بمعناه المطلق وهو الإسلام لرب العالمين أي التسليم والخضوع مع الحب والتوقير لله رب العالمين. والبيعة عقد بين طرفين وتعالى الله عن كل سوء وبيعة الإسلام كان يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين. سواء كانوا رجالا أو نساء وكانت بيعة الرجال مصافحة وبيعة النساء كلاما إيجابا وقبولا. واستمرت البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته وحين موته كانت البيعة لخليفة رسول الله ولم تكن على الإسلام فالمسلم يدخل الإسلام بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها كانت بيعة للإمارة فلا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت اختيارا من المؤمنين لأميرهم ثم خلف سيدنا أبوبكر سيدنا عمر فسمى نفسه أمير المؤمنين استحسانا عن خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت البيعة لجمع المسلمين على إمام واحد ينظم شئون المسلمين واشترط العلماء أن يكون قرشيا لظاهر نص الحديث الأئمة من قريش حتى فسره العالم ابن خلدون على أن الأمر ليس على ظاهره إنما هو مرتبط بالقوة والمنعة والتمكين . ومن هنا جاءت فكرة الإمام المتمكن الذي يستطيع فرض النظام واستتباب الأمن فكان كلما تمكن إمام واستقرت له البلاد والعباد راع الناس المصلحة وأمضوا حكمه على بعض الجور . والمراجع للتاريخ الإسلامي يعلم أن التمكين كان مناط الإمارة لاستتباب الأمن وفرض النظام ومراعاة مصالح العباد وكما تكونوا يول عليكم . وقول الله تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 إلا أن هناك بيعات كانت منافسة للحاكم المستقر والمتمكن وهي بيعات الخوارج والشيعة والفرق. وهي بيعة لحاكم غير متمكن ولم يأخذ البيعة إلا سرا من بعض المسلمين وهم غير أهل الحل والعقد الذي انعقد جمهور الناس على الأخذ برأيهم وتقديم مشورتهم. وتلك البيعة تفرق ولا ُتجمع وتشتت ولا توحد ولا يكون لأميرها قوة ولا منعة إنما هي بيعة تغري الحاكم المتمكن بالبطش بأتباعها لأنهم خارجون على سلطته ويقدمون غيره عليه ويفتئتون على الأمة باختيار إمام لم تشارك الأمة في اختياره.. نرجع للإخوان في بيعتهم فقد ظهرت جماعة الإخوان عبر بيعة أخذها لنفسه الشيخ حسن البنا من أفراد وهو يبلغ من العمر 23 سنة عام 1928 عقب سقوط دولة الخلافة ظنا منه أنه بتلك البيعة سيرجع الخلافة . وتوجه بخطابه إلى غير المتخصصين وكما نعلم أن الإسلام أصول عقائد وأصول فقه وفقه. وكان الشيخ حسن أشعريا في أصول العقيدة كغالب أهل مصر وكالأزهر الشريف ثم كان لا يتمذهب بمذهب بعينه من المذاهب الأربعة ولكن كان يتنقل باختيار ُيلزم به جماعته حيث أن من حق الأمير في الأمور المختلف فيها أن يلزم جماعته باختياره هكذا الإخوان يفهمون. فالشيخ حسن لم يكن مجتهدا مطلقا حسب التقسيم للعلماء ولا مجتهدا في المذهب ولا هو ادعى ذلك . إلا أنه كان محبا للإسلام وللمسلمين وأسس جماعة تأتمر بأمره وتلتزم باجتهاداته الفقهية فقد كان أفقههم وكان أكثرهم علما بالسياسة فكانوا يأخذون باختياراته السياسية أيضا . ولقد كان متأثرا بالصوفية وكان متبعا لإحدى طرائقها ومعروف عن الطرق الصوفية أنها تشترط لكل مسلم شيخ يأخذ بأيدي أتباعه إلا أن الصوفيين لم يتكلموا في السياسة وكان كل إلزامهم لأتباعهم في مضمار التربية الروحانية ومن هنا جاءت تسمية الشيخ حسن بالمجدد لأنه تكلم في كل شيء ولم يتخصص تخصصا عاليا في شيء ولقد كان واعظا مفوها وخطيبا بليغا محبا لجماعته كما أن جماعته أحبته وقدمته على كل رجال عصره حتى الآن. نرجع إلى البيعة وهي عقد بين طرفين من خلالها يلتزم كل من الطرفين بالتزام وهي ككل العقود يرد عليها البطلان والفسخ والتعويض. ولقد احتارت العقول في تلك البيعة فالبعض شبهها ببيعة الخليفة والبعض يشبهها بالإمارة الصغري المؤقتة بسفر أو وقت ومكان عند الانقطاع عن باقي المسلمين . وإذا سألت الإخوان قبل أن ترد إليهم الأجوبة من قيادتهم لن يجيبوا إجابة واحدة والبيعة قد أًخذت منذ زمن ولعلهم سيأخذون بيعة جديدة بعد الوصول إلى تفسير جيد للبيعة عندهم . والكلام ليس للقيادات إنما الكلام للأفراد على ماذا بايعت وما هي صلاحيات المرشد ومكتب الإرشاد وماهي صلاحيات المبايع ولا بأس أن تصححوا العقد الذي بينكم وبين مكتب الإرشاد فالغرر في العقود يبطل العقد وهل من حقكم التعويض عند الإخلال بشروط العقد أم هو عقد إذعان وفيكم محامون كثر . وإن أردت إلا النصح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله فالإخوان مقبلون على العمل السياسي بكل قوة وأردنا أن يأخذ كل منهم استعداده للإيفاء بمقتضيات البيعة غير الملزمة للمسلمين لذلك لم يبايع أغلب المسلمين وبالله التوفيق.