أشعلت جريمة إحراق مستوطنين يهود متطرفين فجر الجمعة الماضي منزلا لعائلة فلسطينية في قرية دوما جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربيةالمحتلة، فيما كانت الأسرة داخله مما أسفر عن استشهاد الطفل الرضيع علي دوابشة "عام ونصف" وإصابة والديه وشقيقه "4 سنوات" بحروق خطيرة نار الغضب في نفوس الشعب الفلسطيني وسط دعوات للثأر والانتقام ومخاوف إسرائيلية من انزلاق الوضع الأمني الهادىء نسبيا. وعقب الجريمة البشعة التي أثارت تنديدا واسعا على المستويين العربي والدولي وأحدثت هزة سياسية داخل إسرائيل، زادت حدة المواجهات الميدانية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في أنحاء متفرقة من الضفة والقدس. وأخذت المواجهات التي تشابه أحداث الانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000 منحنى تصاعديا ملحوظا استشهد على إثرها الشاب ليث الخالدي (17 عاما) من مخيم الجلزون قرب رام الله ، كما استشهد شاب آخر بنيران جنود الاحتلال المتمركزين في الأبراج العسكرية على الحدود شمال بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. وبالتزامن مع هذا التصعيد الميداني،دعت فصائل فلسطينية في مؤتمر صحفي عقدته في ختام اجتماع بمدينة غزة مساء (السبت) إلى تصعيد المقاومة في الضفة المحتلة.محملة قيادة الاحتلال "التي تصدر الأوامر وتحرض على قتل الفلسطينيين حتى وهم أطفال" مسئولية جريمة حرق عائلة دوابشة.فيما حذرت حركة "حماس" من أن الجريمة "تجعل جنود الاحتلال ومستوطنيه أهدافا مشروعة للمقاومة في كل مكان وفي كل الحالات". وقال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في تصريح للصحفيين عقب جولة له بمدينة رفح جنوب قطاع غزة "السبت": "ثقتنا بأهل الضفة كبيرة ، ومن يشعل النار سوف تشتعل به". غير أن المحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي أكرم عطا الله يستبعد اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في وجه الاحتلال لغياب المقومات اللازمة لتفجيرها. وقال عطا الله لمراسل لوكالة أنباء الشرق الأوسط في غزة:"من الصعب تصور اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية..الظروف ليست مهيأة لذلك، فالانتفاضة تحتاج الى حالة وحدة فلسطينية وفي ظل غياب الثقة بين السلطة وبين حركة حماس من جهة وبين حركتي حماس وفتح في الضفة من جهة أخرى لا يمكن الحديث عن انتفاضة على الإطلاق". وأضاف:"حماس تخشى من استعراض قوتها وكل أوراقها إذا ما خرجت للشارع في الضفة، كما أنها تعتقد أن مثل هذه الانتفاضة يمكن أن تصب في صالح الرئيس محمود عباس "أبو مازن"، وفي المقابل ليس لدى السلطة رغبة في أن تشارك حماس في أي تحرك بالضفة ، وفي وسط هذه الأجواء من عدم الثقة يبدو أن الحديث عن الانتفاضة مستعجل ويحتاج إلى تدقيق". واعتبر عطاالله أن السيناريو المحتمل سيتمثل في مواجهات وتظاهرات على الصعيد الشعبي والجماهيري في نقاط التماس مع الاحتلال أو فعل انتقامي فلسطيني فردي لن يتطور إلى مواجهات جماعية منظمة. واندلعت الانتفاضة الأولى في ديسمبر عام 1987 وتمثلت الشرارة التي أشعلت نارها في إقدام سائق شاحنة إسرائيلي على دهس عمال فلسطينيين مما أدى إلى مقتل أربعة منهم في معبر إيرز الخاضع للسيطرة الإسرائيلية شمال قطاع غزة. وأدى إصرار أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق على اقتحام باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه المدججين بالسلاح في شهر سبتمبر عام 2000 إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى). وحول تحميل الفصائل في غزة للتنسيق الأمني مع الاحتلال المسئولية عن هجمات المستوطنين وإعاقة تفجر انتفاضة بالضفة، قال المحلل السياسي أكرم عطاالله :"التنسيق الأمني هو عصب اتفاقيات أوسلو..لا يمكن الحديث عن اتفاقيات وسلطة دون التنسيق الأمني..هذه الأشياء مترابطة ولا يمكن الفصل بينها". واعتبر أن من يطالب بوقف التنسيق الأمني "لم يقرأ الواقع السياسي في المنطقة وواقع العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين..فكل الاتفاقيات بين السلطة وإسرائيل يدور مضمونها حول التنسيق الأمني، وإذا أردنا وقفه فهذا يحتاج إلى بديل للسلطة". وتناولت الصحافة العبرية في تقاريرها ومقالات كتابها عدة سيناريوهات لمآلات الأوضاع الأمنية في الضفة بعد جريمة حرق عائلة دوابشة وحول ما إذا كانت ستؤدى الى تردى الوضع الأمني واندلاع انتفاضة ثالثة. واعتبر محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل""افي يسخاروف" أنه من المستبعد اندلاع احتجاجات شعبية فلسطينية واسعة يمكن أن تتطور إلى انتفاضة ردا على الجريمة. وقال إن السكان الفلسطينيين "يترددون منذ سنوات للانضمام إلى جهود التنظيمات الاسلامية لاضرام النيران، وذلك لعدد من الأسباب منها عدم وجود حافز بسبب ندبات الانتفاضة الثانية والتركيز على البحث عن خيارات معيشية أفضل، وخيبة أمل كبيرة من السلطة من جهة ومن حماس من جهة أخرى". وأضاف: "خلق كل هذا نوعا من اللامبالاة لدى الجمهور حتى أن قتل الفتى محمد أبو خضير قبل عام وشهر في القدسالشرقية، لم تؤد إلى إشعال أعمال العنف في الضفة". وفي الصيف الماضي، استشهد الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير (16 عاما) حرقا في مدينة القدسالمحتلة في جريمة بشعة وقعت فجر يوم 2 يوليو 2014،بعد تعرضه للخطف من أمام منزله بمخيم شعفاط من قبل مجموعة من المستوطنين اليهود المتطرفين. وتحسبا لتفجر الوضع الأمني بعد جريمة حرق عائلة دوابشة ، أعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلية حالة الطوارىء ورفع الجيش من جاهزيته وزاد عديد قواته في الضفة. وترأس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت جلسة خاصة لتقدير الموقف بمشاركة (يورام كوهين) رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، وقائد المنطقة الوسطى (بوني نوما) ومسئولين آخرين،أمر خلالها باتخاذ سلسلة إجراءات لرفع الجاهزية لمنع انزلاق الوضع الأمني ولمنع الاحتكاك والحفاظ على الاستقرار في الضفة. ونقل موقع "واللا" الإخباري العبري عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها "إن إمكانية تنفيذ هجوم انتقامي ربما تكون "مسألة وقت فقط"، وأن حادث نابلس يتوقع أن يجلب ردود فعل وزيادة في كثافة الهجمات والعمليات بهدف استفزاز إسرائيل". وأضاف الموقع، أن كلا من السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" تريدان تغيير الوضع القائم في الضفة الغربية، حيث تسعى الأولى للضغط على إسرائيل من خلال العمل الدبلوماسي وزيادة عدد الشكاوى المرفوعة ضدها في المحكمة الدولية لنزع الشرعية عنها، فيما تحاول "حماس" جاهدة إنشاء مجموعات عسكرية وزعزعة الاستقرار في الضفة ضد إسرائيل والسلطة. ورأى الموقع، أن "الهجوم على منزل عائلة دوابشة كالثمرة الناضجة في يد حماس التي تبحث عن طرق مختلفة لمهاجمة السلطة الفلسطينية"، مضيفا أن المنطقة الآن أمام خيارين؛ إما أن تخرج الجماهير الفلسطينية للشوارع أو أن يجري تنفيذ عمليات للمقاومة معد لها مسبقاً. واعتبر أن الخيار الأول أقل احتمالا وأن ذلك يرجع بالأساس إلى النجاح الإسرائيلي في "فك الشفرة" من خلال تخفيف القيود على حركة الفلسطينيين ومنحهم مزيدا من التصاريح للعمل والحفاظ على الوضع الاقتصادي المريح لهم، في حين أن الخيار الثاني الأكثر إمكانية لمشاهدته على أرض الواقع إلا أنه سيقابل بإجراءات إسرائيلية وأخرى أمنية وسياسية فلسطينية على اعتبار أن ذلك قد يضر بالمصالح الفلسطينية أمام العالم للاعتراف بدولتهم. وعجت شواطئ تل أبيب ويافا خلال أيام عيد الفطر بآلاف الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية الذين حصلوا على نحو 295 ألف تصريح دخول لإسرائيل بهذه المناسبة. ويعتبر الفلسطينيون أن إدانة النظام السياسي الإسرائيلي لعمليات المستوطنين ولا سيما حرق الرضيعدوابشة بمثابة "ذر للرماد في العيون". ويؤكدون أن كل الدلائل تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التى يقودها بنيامين نتنياهو هي من يقف وراء جرائم المستوطنين الذين يستفيدون من الغطاء الذى توفره وموقفها الرافض لتجميد الاستيطان والمشجع لتوسيع المستوطنات القائمة وبناء مستوطنات جديدة. وقال الرئيس "أبو مازن" في تصريح صحفي أمام وسائل الإعلام في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله تعليقا على جريمة حرق منزل عائلة دوابشة إن "هذه الجريمة تضاف إلى سجل جرائم المستوطنين، وصراحة ترتكبها الحكومة الإسرائيلية، عندما تشجع الاستيطان وتبني في كل موقع بالضفة الغربيةوالقدس وحدات استيطانية، وتشجع قطعان المستوطنين على القيام بما تقوم به". وأضاف "لن نسكت إطلاقا، نحضر ملف الجريمة وما سبقها من جرائم وسنرسلها للجنائية الدولية ولن يوقفنا أي شيء". وفي اليوم الثالث للجريمة المروعة،سلم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا في مقر المحكمة في لاهاي يوم الاثنين مذكرة تكميلية حول الهجوم الارهابي ضد عائلة دوابشة وإرهاب المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني. وأطلع المالكي المدعية العامة على التطورات الخطيرة في الأراض الفلسطينية المحتلة وخاصة جريمة الاعتداء الإرهابي الاسرائيلي على عائلة دوابشة.كما تطرق الى سلسلة الاعتداءات، بما فيها جريمة القتل بدم بارد للشاب ليث الخالدي من مخيم الجلزون قرب رام الله. وأشار الوزير الفلسطيني إلى أن استمرار الاحتلال وسياساته،بما فيها الاستيطان وتعزيز سياسة الإفلات من العقاب تؤسس لهذا النوع من الجرائم وتعمق المأساة. ويؤكد الرئيس الفلسطيني أن السبب الرئيسي لكل الأحداث الإجرامية التي تقع ضد الشعب الفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي وإصراره على مواصلة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. وقال "أبو مازن" خلال استقباله (الأحد) بمقر الرئاسة في رام الله وفد حزب ميريتس اليساري الإسرائيلي برئاسة زهافا جلئون "إنه أمر بشع جدا أن يحرق طفل ثم يقتل ووالدته في حالة خطيرة جدا لان حروقها تصل الى 90 بالمئة، وكذلك والده وشقيقه، لذلك تسمى هذه جريمة ضد الانسانية، وجريمة حرب". وأضاف "لا نستطيع أن نصبر وأن نسكت، ولكن أيضا مرة أخرى أقول إننا لن نسمح بالإرهاب ولا بالعنف، لكن بالنتيجة اختاروا بين داعش وبين السلام ، وبين هذه التنظيمات الإرهابية اليهودية وبين السلام". وتابع: "نحن نقول بصراحة كفى، فنحن لا نستطيع أن نصبر، ولكن خذوها كلمة مني ، نحن لن نتبنى الإرهاب، ولن نتبنى العنف، وستبقى سياستنا وأيدينا ممدودة للسلام، ولكن إذا استمر الوضع على حاله، وبهذا الشهر بالذات سيكون لنا موقف مختلف". وتساءل: "عن أي سلام يتحدثون وأي أمن، وهذه الاعتداءات مستمرة؟". مضيفا "هل يمكن أن يفكر السيد نتنياهو انه بالاستيطان، وتجاهل السلام والمفاوضات، سيحقق السلام". ويعتبر المجتمع الدولي الاستيطان في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية غير شرعي وعقبة رئيسية أمام عملية السلام. ووفقا لإحصاءات صادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني فإن عدد المستوطنين يبلغ حاليا نحو 600 ألف مستوطن منهم نحو 390 ألف مستوطن فى الضفة ، وأكثر من 200 ألف فى القدس ، فيما يبلغ عدد الفلسطينيين في الضفة 8ر2 مليون نسمة.