نظرتان تتحكّمان فى مصير العلاقة التى لا مفرَّ منها بين المسلمين والآخرين، الأولي، تخصّ المسلمين، لجهة مساءلتهم عن مساهماتهم فى المنجز العالمي، خيرا أو شرا، عدلا أو ظلما، إنتاجا أو استهلاكا، والثانية، تركز على الإسلام من حيث هو دين سماوى له نصوصه وتراثه التاريخى والثقافى والسياسي، وما يترتب على ذلك من اعتراف بصناعة الحضارة وتبرئته من كل أفعال أتباعه، إما للفصل بينهم وبينه، وإما عن قناعة حقيقية بوجود فروق واضحة بينهما بالفعل، ولمزيد من التوضيح نفصل النظرتين السابقتين، لأن ذلك سيساعدنا على معرفة موقعنا فى العالم والعصر. فبالنسبة للنظرة الأولي، وهى نظرة عامة للمسلمين من طرف القوى الفاعلة على المستوى الدولي، ومن الشعوب أيضا، ومن الآخرين غير المسلمين بشكل عام، فإنها تعتبرهم مجموعات بشرية مرهونة للظلام والتخلف والإرهاب، ظاهرها الإيمان وباطنها الخلافات الإثنية والمذهبية والثقافية والمذهبية، وهى نظرة فيها كثير من الصواب، خاصة إذا أستثنينا المسلمين الفاعلين على الصَّعيد الدّولي، الذين ينتمون من ناحية الفعل للمجتعات التى يعيشون فيها وينتسبون إليها مولدا أو تجنيسا، والمسألة الدينية هنا تعدُّ أمرا خاصاًّ لا يدخل فى حسابات مجتمعاتهم إلا حين يُبْدُون موقفا مخالفا للمجتمع، أو يشاركون فى عمل مرفوض. من ناحية أخري، فإن المسلمين فى عمومهم طبقا لهذه النظرة الآخذة فى الانتشار نتيجة لما تقوم به التنظيمات الإرهابية حالة متغيّرة يمكن تطويعها سياسيًّا واقتصاديا لخدمة مصالح الآخرين، أو حالة مَرّضيَّة يتم العمل على مداواتها بما يحول دون انتقال العدوى للأمم الأخري، حتى لوكان العلاج بطشاً واحتلالاً ونهباً للثروات وتدميراً للدول ودعماً للإرهاب، واستعلاءً فى الأرض لصالح قوى الأستكبار العالمي. أما النظرة الثانية كما سبق الإشارة فى بداية المقال فهى ترى فى الإسلام ديناً سماوياًّ بريئاً من اجرام أهله سواء أكان ذلك ضد أنفسهم أو ضدّ الغير، بل يذهب بعض كبار القادة فى العالم، كما هو الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكى باراك أوباما أو الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند، بعد كل عملية إرهابية إلى التأكيد على أن الإسلام لا علاقة له بما يحدث، وان الإرهابيين خارجون عن الدين الإسلامي، لدرجة يخيّل إلينا أنّنا أمام حُكّام مسلمين، وهو ما ينطبق على كثير من صنَّاع القرار والخبراء الإستراتيجيين والمثقفين والسياسيين فى الغرب، بل إن الإسلام يواجه فى بعض الأحيان هجمات تطعن فى جانبه التراثى من أهله أكثر بأضعاف من تلك التى يشنها الغرب، وهذا يكشف عن تَشكّل وعى يصنعه الإسلام من خلال قوّته الذاتية، بعيدا عن أهله، الذين هم فى حيرة من أمرهم اليوم، حيث التناقض البيّن بين أوامر دينهم وبين أفعالهم، ومع أن معظمهم يدرك ذلك التناقض، إلا أنه لا يملك القدرة على التجاوب مع متطلبات الدين وشروطه ومقاصده لأسباب كثيرة يطول شرحها. مهما يكن، فإن كل المعطيات تؤكد أن الإسلام اليوم حاضرا وبقوة لجهة صناعة الحدث أولا، ولجهة الانتشار والمعرفة به ثانيا، وزيادة المؤمنين به ثالثا، وهو أمر يثير الدهشة، إذ من غير المعقول أن تتراكم الدلائل عن تخّلف المسلمين ودمويّتهم، ثم يكون انتشاره على نحو غير مسبوق فى العالم، والمتابع لدخول الناس من قوميّات ودول مختلفة فى الإسلام، يجد نفسه أمام سؤال محيّر، فحواه: كيف يزداد الإسلام انتشارا بشكل افقى وعمودي، ويزداد أهله الذين ورثوه من قرون خروجا عن قواعده وتطبيقاته؟. الإسلام ينتشر أيضا على المستوى الحركي، حيث التضحية بالنفس، الهروب من ثقافات ومجتمعات تعيش الرفاهية، ومثلما هناك هجرة نحو أوروبا والغرب عموما من شعوب الدول المتخلفة، ومنها العربية والمسلمة، فهنلك أيضا تحت راية الجهاد هروب إلى الشرق خير مثال عنه أولئك الذين يلتحقون بالتنظيمات يالإرهابية مثل داعش فى العراقوسوريا وليبيا وبعض دول الاتحاد السوفياتى السابق، وجبهة النصرة فى سوريا، والتنظيمات الإرهابية الأخرى التابعة الموجودة فى دول المغاربية وأفريقيا جنوب الصحراء، حيث الدافع حسب بعض الدراسات هوالشعور بالفراغ لدى فى الغرب، والحصول على أدوار بطولية فى العمل مع الجماعات الإرهابية، وإن كان البعض يرى أن تلك الهجرة عملا استخباراتيا غربيا خالصا. الإسلام أيضا، يُحرّك فى البشرية جميعها اليوم حب الاطلاع على معرفته نصاًّ وفعلاً، والجماعات الإرهابية بأعمالها الإجرامية تدفع الناس إلى البحث والمعرفة، وهي، وإن كنت مُضرًّة له من ناحية الصورة، تخدمه دون قصد منها على مستوى الوعى والفهم والإدراك، ومن خلال اتخاذها للعنف منهجاً جعلت الناس يبحثون عن رحمة الإسلام للبشر، وبذلك أقامت الحجّة على خطاياها فى حقّ الدين. الإسلام اليوم يشق طريقه بقاءً وصموداُ وذهاباُ نحو مستقبل مشرق، ولن يعود غريباُ فى المستقبل القريب كما يروّج لذلك المثبطون والفاشلون، ليس فقط لأنّ التديّن الشَّعبى يواجه الغلاة والمتطرفين، ولكن لأن مؤسسات علمية ومراكز بحثيّة ومؤسسات تعليميّة فاعلة فى الدول الإسلامية تًعيد النظر فى كثير من القضايا المطروحة، مصحوبة بخطاب حكومى ضاغط يحاول أن يطور بعض الأطروحات حول الإسلام. قوة الإسلام اليوم على المستوى العالمى أكبر من قوة أتباعه، وهناك فصل واضح بين العقيدة وأصحابها.. إنه فى أزهى عصوره، وأكثرها حضوراً وانتشاراُ، ومادام كثير من الناس اليوم يقرّ بصلاحه، فإن النهاية ستكون تحويل الإسلام إلى فضاء عالمي، يؤكد قاعدة أنه دين الله للعالمين جميعا. كاتب وصحفى جزائرى نقلا عن " الاهرام" المصرية