في عددها الجديد، أغسطس 2015، تستعيد مجلة "الهلال" ذكرى الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، بالتذكير بقدرة الإبداع على الصمود، وتجاوز راهنية كتابته وكاتبه، باستدعائه في المواقف واللحظات المفصلية في تاريخ الأمم، أمة الكاتب وغيرها ممن يصلهم قبسه، ففي يوم الخميس 10 فبراير 2011 هتف مصريون بالفصحى في ميدان التحرير. يعرف المصريون باعتزازهم بالعامية التي حملتها الأغاني والأفلام إلى عموم العالم العربي، فصارت سهلة، وكان الشاعر أحمد فؤاد نجم يراها من أكبر المنجزات الحضارية للمصريين، واللهجات العامية تمتلك حيوية وطزاجة، وقدرة على تمثيل الصدق في الحرب والحب والشجار والهتاف، ولكنها بعد انطلاق ثورة 25 يناير 2011 توارت أمام عنفوان عابر للأجيال والأزمنة، يحمله هتاف الشابي: "إذا الشعب يوما أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر". في الثورات العربية، ومهدها تونس، استدعى الوعي الجمعي الثوري أبا القاسم: "الشعب يريد...". تقول مجلة "الهلال" في افتتاحيتها إن الشابي وكل شاعر وفنان كبير أكبر وأبقى وأقدر على تجاوز اختبار الزمن؛ وإذا تلكأت الثورات قليلا، فإن الإبداع مستمر، ومن تونس يأتي أحفاد الشابي، في ملف تنشره "الهلال"، وقد أعدته الشاعرة وئام غداس، ويضم نصوصا لأجيال وتيارات مختلفة، بعضهم اضطر إلى الهجرة محتفظا بالوطن في القلب. وفي عدد أغسطس أيضا حنين إلى التاريخ، إلى رائدين "مجهولين" في الثقافة المصرية، فيكتب الشاعر أسامة عفيفي عن فؤاد عبد الملك (1878 1955) باعتياره "أيقونة ثقافية"، وتؤهله إنجازاته ليكون أبرز رواد الفن التشكيلي في مصر، فقد أنشأ عام 1919 "دار الفنون والصنائع"، وأسس جمعية محبي الفنون الجميلة، وصالون القاهرة في دورتيه الأولى والثانية. أما "ملك" التي حملت لواء المسرح الغنائي بعد سيد درويش فيكتب عنها د. عمرو دوارة كاشفا جانبا من تاريخ مجهول في مسيرة الغناء والمسرح، وقد حملت ملك (1902 1983) لواءه مستعينه بكتيبة من الفنانين من أجيال مختلفة، من زكي طليمات ومحمد توفيق إلى حسن يوسف. في باب "الذكرى" أيضا يستعرض الكاتب عرفة عبده علي كيف كانت القاهرة فرودسا لمصوري أوروبا، وصولا إلى قناة السويس التي كان تأميمها عنوانا للسيادة الوطنية بعد احتلال دام أكثر من ألفي عام، وهو ما يتناوله الدكتور محمد عفيفي. يرسم ويكتب الشاعر مجدي نجيب قصيدة "محاكمة الضمير" ويذكرنا الدكتور سعيد إسماعيل علي بنبوءة عباس العقاد بنهاية هتلر، ويظل كتاب العقاد عن الزعيم النازي درسا ينبه الغافلين عن الديمقراطية حين يستبدلون بها أي قيمة أخرى، في حين يتناول الناقد المصري المقيم في ألمانيا سمير جريس جانبا من الاهتمام السياسي لجونتر جراس وكيف كان مهووسا بالميكروفون، أما الكاتبة المغربية سعيد تاقي فتكتب عن علاقة الرواية بالتاريخ. يكتب الدكتور بدر الدين عرودكي عن دلالة عمر الشريف، ومحمد رضوان عن صلاح عبد الصبور في ذكراه، ومحمود عبد الوهاب عن جوانب من سيرة الدكتور شكري عياد، والجزائرية آمال فلاح عن "الشهيد سعيد مقبل"، ومحمود الحلواني عن العرض المسرحي "روح" د. رانيا يحيى عن رحلة شهرزاد الموسيقية.