يبدو أن المستوطنين اليهود قد أبرموا عهدا مع أنفسهم ألا يمر شهر يوليو من كل عام، إلا ويتم حرق طفل أو رضيع فلسطيني، فبعد أن قام بعض المتطرفين بحرق الطفل محمد أبوخضير وهو على قيد الحياة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فجر الثاني من يوليو عام 2014 في أحراش دير ياسين بالقدس، قام بعض المستوطنين اليهود فجر اليوم الجمعة بإضرام النيران في منزل عائلة فلسطينية في قرية دوما قرب نابلس بالضفة الغربية بالزجاجات الحارقة ما أدى إلى مقتل الرضيع علي دوابشة (18 شهرا)، وخطوا على المنزل كلمة "انتقام" باللغة العبرية. ويرقد والدا الرضيع دوابشة في وحدات الرعاية المركزة في حالة صحية حرجة للغاية، حيث تم تحويل والده سعد دوابشة إلى مستشفى "سوروكا" في أراضي 48 المحتلة، فيما تم تحويل والدته وأخيه إلى مستشفى "تل هاشومير"، هذا في الوقت الذي شيع فيه آلاف الفلسطينيين الرضيع إلى مقبرة البلدة، وسط حالة من الحزن والغضب سادت جموع المشيعين. وسريعا ما اندلعت مواجهات عنيفة بين الشباب الفلسطيني وقوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق متفرقة بمدن وقرى الضفة الغربية والقدس، حيث أصيب 25 شابا برصاص الاحتلال أحدهم وصفت حالته بالخطيرة تنديدا واستنكارا لجريمة حرق الرضيع دوابشة، فيما انطلقت المسيرات الغاضبة في مدن الخليل ونابلس ورام الله والعيسوية وقامت قوات الاحتلال بقمع المسيرات بإطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المعدني والمطاطي. وأعلنت القناة السابعة العبرية أن سيارة إسرائيلية تعرضت لإطلاق النار من قبل سيارة فلسطينية مسرعة بالقرب من مستوطنة "كوخاف هشاحر" شرقي مدينة رام الله دون وقوع إصابات بين المستوطنين، ما دفع وزير الجيش الإسرائيلي موشي يعلون إلى إصدار قرار بقطع تدريبات لوائي "جفعاتي" و"الناحال" والدفع بهما إلى مناطق الاحتكاك بالضفة الغربية، بالإضافة إلى أربع كتائب عسكرية أخرى وذلك بعد ساعات من إحراق الرضيع الفلسطيني على يد مستوطنين يهود. وفي غزة، شاركت جماهير فلسطينية غفيرة في مسيرة حاشدة دعت إليها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في مخيم "جباليا" شمال القطاع بعد صلاة الجمعة استنكارا لجريمة حرق الرضيع علي دوابشة وعائلته ونصرة للمسجد الأقصى المبارك بمشاركة قادة الفصائل. وجاء إعلان التوجه الفوري إلى "الجنائية الدولية" كأول رد فعل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي قرر اليوم تجهيز ملف حول الجرائم الإسرائيلية وجريمة قتل الطفل دوابشة حرقا على أيدي مستوطنين للتوجه به إلى المحكمة، وقال "إن القيادة الفلسطينية لن تصمت على هذه الجرائم، وإن ما حدث بحق أسرة دوابشة "جريمة حرب" ، و"جريمة ضد الإنسانية". كما أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن القيادة ستعقد اجتماعا عاجلا لدراسة الأوضاع الخطيرة التي تمر بها الأراضي الفلسطينية نتيجة اعتداءات المستوطنين واقتحامات المسجد الأقصى، والاستفزازات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني. "وصمة عار على المجتمع الدولي"، كان هذا هو وصف الخارجية الفلسطينية لما حدث اليوم في نابلس، مشددة على أن المجتمع الدولي تجاهل مرارا هذا الإرهاب المنظم من قبل المستوطنين بحق المدنيين الفلسطينيين وهم ما يعد وصمة عار على الدول الأجنبية والمنظمات الدولية والتجمعات الإقليمية، وطالبت مجلس الأمن الدولي بتحمل مسئولياته حيال هذه الجريمة الإرهابية، والتحرك الفوري لإدانتها واتخاذ ما يلزم من خطوات وإجراءات تحول دون تكرارها. وعن معاناة الطفل الفلسطيني من سياسة الاحتلال الإسرائيلي، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مؤخرا استشهاد أكثر من 560 طفلا فلسطينياً وجرح آلاف آخرين خلال العام الماضي جراء اعتداءات قوات الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وتعرض نحو 800 طفل للاعتقال، فضلا عن إصابة العديد من الأطفال بعاهات دائمة وبتر في الأطراف. كما أعلنت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين الأسبوع الماضي تقريرا تؤكد فيه أن الأدلة التي جمعتها خلال النصف الأول من العام الجاري، أظهرت أن 86 في المائة من الأطفال المعتقلين تعرضوا لنوع أو أكثر من العنف الجسدي خلال عملية الاعتقال أو التحقيق، بزيادة نسبتها 10 في المائة مقارنة بالعام الماضي. وكشفت تحقيقات الحركة العالمية عن قيام جنود الاحتلال بتعصيب أعين غالبية الأطفال المعتقلين، وتكبيل أيديهم وأقدامهم، وأن حوالي 55 في المائة من الحالات تعرض فيها الأطفال لتفتيش عار في السجون الإسرائيلية، وكذلك التوقيع على مستندات أو أوراق باللغة العبرية أثناء التحقيق. وأشارت إلى أن نحو 500-700 طفل فلسطيني بداية من سن 12 عاما يتم اعتقالهم ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية كل عام، وأن غالبية الأطفال المعتقلين متهمون بإلقاء الحجارة. ويثير إقدام المستوطنين اليهود المتطرفين على جريمة حرق الأطفال والرضع الفلسطينيين في هذا التوقيت من كل عام تساؤلا وهو هل أبرم المستوطنون عهدا على أنفسهم بألا يمر شهر يوليو من كل عام إلا بحرق طفل فلسطيني وقت الفجر؟.