صدرت دراسة جديدة في كتاب بالعربية والإنجليزية والفرنسية، للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، بعنوان "تحالف الحضارات وبناء نظام عالمي جديد"، ضمن منشورات الإيسيسكو. تبحث الدراسة في نشوء فكرة الحوار بين الثقافات، ثم تنتقل من الحوار إلى التقارب بين الثقافات، وتتناول الرؤية الإسلامية إلى الحوار بين الثقافات، وتتوقف عند الحوار في خدمة السلام العالمي، وتبحث آثار مبادرة خادم الحرمين الشريفين حول الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، وتعرض لتداعيات الوضع الدولي المتأزم، ومنه تطرح السؤال المحوري : لماذا فشل النظام العالمي الحالي؟، لتخلص بعد ذلك إلى بحث الشروط الموضوعية لبناء نظام عالمي جديد، وإلى الإقرار بأن الحوار بين الثقافات قاعدة للسياسات الدولية، ثم تتناول تعزيز مبادئ التعاون الثقافي الدولي، لتنتهي إلى إرساء السند الفكري لقواعد القانون الدولي وموازين القوى الأخلاقية. ويقول الباحث في التقديم الذي كتبه لدراسته : (في خضم أمواج الفتن والقلاقل التي تعم عالمنا اليوم، وفي غمرة الأزمات والحروب الإقليمية الناشبة في مناطق شتى، والتي باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين، وفي ظل أجواء التوتر وضعف اليقين التي تسود العلاقات الدولية، يكون الجنوح إلى السلم، واللياذ بالحكمة في التصرف وفي التعامل مع المتغيرات الجارية، وإيثار قيم التعاون والتعايش والتفاهم والوئام بديلا ً عن نوازع الصراع والصدام ونزغات الكراهية والعداوة، مسؤولية َ حكماء العالم وعقلائه، ورسالة َ دعاة السلام وبُناة الحضارة الإنسانية الجديدة، وواجبًا أخلاقيًا في المقام الأول، وضرورة ً حياتية تفرضها طبيعة المرحلة الحرجة التي تمرّ بها الأسرة الدولية، والتي تؤثر سلبًا في استقرار أوضاع العالم، وتضرّ بمصالح الأمم والشعوب، وتعيق مسيرة التنمية والتقدم، مما يزيد في البؤس الذي يعاني منه الملايين من البشر حرمتهم الحروب والنزاعات والأزمات الحادّة من نعمة الحياة الحرة الكريمة في ظل الأمن والسلام). ويضيف قائلا ً : (إذا كان النظام العالمي الحالي لا يلبي حاجات الشعوب للأمن بمفهومه العميق، وللسلام بمدلوله الشامل، ولا يفي بمتطلبات التعايش الحضاري الإنساني على قاعدة الاحترام المتبادل والتسابق في الخيرات، حسب المفهوم القرآني، فإن من الأسباب الموضوعية في قصور هذا النظام في تحقيق الأهداف الإنسانية، وفشله في ضبط العلاقات الدولية على إيقاع تبادل المصالح التي تلبي احتياجات الشعوب إلى التنمية والازدهار، وتطلعاته نحو إقرار أسس السلام العادل الذي يدرأ عن الإنسان المخاطر، ويخرجه من ظلمات الصراع بكل أشكاله، إلى أنوار الوفاق بكل تجلياته، عدم إرساء قواعد ثابتة للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، انطلاقًا من المبادئ الإنسانية المستقرة، وصدورًا عن القيم الروحية والثقافية والحضارية التي تنبثق من الرسالات السماوية الهادية إلى سبل الخير والحق والفضيلة والسلام). كما يوضح الموقف الدولي الحالي فيقول : (إذا كان المجتمع الدولي قد اختار حوار الثقافات وتحالف الحضارات منهجين حكيمين لتعزيز التعاون الإنساني الدولي، في قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن تفاقم الأزمات الإقليمية والدولية على شتى المستويات، وتصاعد موجات العنصرية والكراهية والإسلاموفوبيا، وارتفاع مستويات الإرهاب والجريمة المنظمة التي تهدد أمن الأفراد والجماعات واستقرار المجتمعات، تحت دعاوى متعددة بعضُها يستند إلى أصول دينية، كل ذلك قد دراسة جديدة للدكتور عبد العزيز التويجري حول : تحالف الحضارات وبناء نظام عالمي جديد" تسبَّب في تعطيل الجهود الدولية الرامية إلى نشر ثقافة السلام وقيم الوئام والحوار الذي يجمع بين الشعوب، ويقرب بين الثقافات، ويشجع على التحالف بين الحضارات. وهو الأمر الذي إذا ما استمر على ما هو عليه، أدى إلى نشوب مزيد من الأزمات ذات النوازع المتعددة والدوافع المتنوعة والأهداف المختلفة، التي تَتَعَارَضُ جملة ً وتفصيلا ً مع طموحات الشعوب، والتي تَتَنَاقَضُ كليًا مع مبادئ القانون الدولي). ويستطرد الباحث فيقول : (تفاديًا لهذا المصير الذي تساق إليه الإنسانية، وسعيًا إلى إرساء القواعد الراسخة للسلام الإنساني العادل، كان المدخل إلى بناء نظام عالمي جديد يمر من حوار الثقافات وتحالف الحضارات وتعايش الشعوب والأمم، في إطار من الاحترام المتبادل للمعتقدات، وللاختيارات، وللخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية، وللكرامة الإنسانية التي هي أصل أصيل لدى البشر جعله الخالق سبحانه وتعالى عطاءًا منه وفضلا ً). فيما يخلص بعد ذلك إلى أنه من تجليات تبلور الوعي الإنساني الجديد، على إثر الحروب التي عرفتها البشرية والأزمات التي عاشها العالم، أنْ تَزَايَدَ الاهتمام لدى أولي العزم من القيادات الفكرية والثقافية والعلمية العالمية ذوي الإرادات الحرة والضمائر الحية، بالسعي من أجل بناء نظام عالمي جديد يكون بديلا ً عن النظام الحالي الذي يرهق كاهل الإنسانية بتنكره للقيم السامية وللمبادئ المثلى، وبتنكبه عن سبيل العدل والإنصاف واحترام حقوق الإنسان دون تمييز على أساس ديني أو عرقي أو اجتماعي. وفي هذا الإطار الواسع تندرج هذه الدراسة التي طرح فيها الباحث أسئلة محورية حاول الإجابة عنها، تتصل بالمقصود بفكرة حوار الثقافات وتحالف الحضارات والأهداف المتوخاة منهما، وبالعلاقة بين الحوار بين الثقافات والحوار بين أتباع الأديان، وبينهما وبين الحكم الرشيد أو ما يصطلح عليه بالحكامة. وخلص إلى النتيجة التي أجملها في القول( إنه ما دام الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات يساهمان في تعزيز السلام العالمي، وفي نشر قيم التعايش السلمي، وفي التمكين لثقافة العدل والسلام، وفي ترسيخ مبادئ الشورى والديمقراطية والحكم الرشيد، فإن من شأن هذا الحوار الثقافي وهذا التحالف الحضاري، أن يُحدثا تحولاتٍ عميقة ً في العلاقات الدولة من النواحي كافة، وأن يغيّرا من مسارات الأمور على الساحة الدولية، في اتجاه تقييم اختلال العالم، وتعديل موازين القوى على المستويات جميعًا، حتى تستقيم أوضاع عالمنا وتستقر أحواله ويسود السلام). وينتهي الدكتور عبد العزيز التويجري في هذه الدراسة الجديدة، كما في دراساته وبحوثه السابقة، إلى أن السبيل إلى بناء عالم جديد للأجيال القادمة، هو تعزيز القيم المشتركة التي تتمثل في القوانين الدولية، وفي القيم والمبادئ السمحة التي جاءت بها الأديان، وتلك التي صاغها المفكرون الأحرار والفلاسفة العظام والعلماء المنصفون عبر المسيرة الإنسانية. وقال في هذا الصدد ملخصًا النتائج التي انتهى إليها في الدراسة : (إن الرأي عندي الذي يتعزَّز به اقتناعي، هو أن هذه القيم والمبادىء هي الأسس القوية لبناء المستقبل الآمن المزدهر المشرق للإنسانية في ظل نظام عالمي جديد ترفرف فوقه رايات السلام).