نائب رئيس جامعة جنوب الوادي يتفقد لجان امتحانات نهاية العام    مصدر أمني: لا صحة لما تم تداوله بشأن استشهاد جندى آخر فى حادث الحدود    رئيس "الأعلى للإعلام" يلتقي وزير الاعلام السعودي    فوز أمينة حلمي وسامية قدري وحامد عيد بجائزة التفوق في العلوم الاجتماعية    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في منتصف تعاملات الأسبوع    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    رسميا.. هيكتور فورت يوقع عقدا جديدا مع برشلونة حتى 2026    عاجل.. براءة متهم من تهمة تزوير أوراق لتسفير عناصر الإرهاب إلى الخارج    تحذير من طقس الإسكندرية غدا.. بداية موجة حارة جديدة    وزير التعليم العالي الفلسطيني يشيد بالدعم المصري لبلاده    خالد عبدالغفار: يجب تسريع وتيرة العمل للنهوض بصحة سكان إقليم شرق المتوسط    «عياد»: «دليل التوعية الأسرية» نتاج للتعاون بين الأزهر والكنيسة و«الصحة»    «الضوابط والمحددات الخاصة بإعداد الحساب الختامي» ورشة عمل بجامعة بني سويف    روسيا: لم نتلق وثائق رسمية من بولندا بشأن قيود مفروضة على تحركات دبلوماسيينا    بيت الزكاة والصدقات ينتهي من المسح الشامل لقريتين في بورسعيد    رئيس جامعة بني سويف يشهد الاحتفال بيوم الطبيب    التشيك تؤيد حق أوكرانيا في ضرب أهداف في الأراضي الروسية    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    إلغاء قطاري 1191 و1190 المارين بالمنوفية أيام الجمع والعطلات    جريمة جديدة داخل سيارة تابعة لتطبيقات النقل الذكي.. والضحية «راجل»    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    «بيت الحاجة» عرض لفرقة مصطفى كامل بمهرجان نوادي المسرح    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شبانة: لجنة التخطيط تطالب كولر بحسم موقف المعارين لهذا السبب    برلماني: الرئيس يثق في قدرة الحوار الوطني على وضع رؤية اقتصادية جديدة للدولة    تشكيل الدوري الإنجليزي المثالي بتصويت الجماهير.. موقف محمد صلاح    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    وزير الإعلام البحريني يزور جناح مدينة الإنتاج الإعلامي في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية البراجيل في ملوي غدًا    محافظ المنوفية يتابع مستجدات الموقف التنفيذى لمستشفى الشهداء الجديدة    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    الجنايات تعاقب عامل بالسجن 3 سنوات لإدانته بالاتجار في الحشيش    بالأسماء.. حركة تغييرات تطال مديري 9 مستشفيات في جامعة الإسكندرية    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    رئيس إسكان النواب: سنتابع أسباب عدم توفير الاعتماد المالي لشبكات الشرب في المنوفية    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    فيلم السرب الأول في شباك تذاكر أفلام السينما.. تعرف على إجمالي إيراداته    حل وحيد أمام رمضان صبحي للهروب من أزمة المنشطات (تفاصيل)    نسألك أن تنصر أهل رفح على أعدائهم.. أفضل الأدعية لنصرة أهل غزة ورفح (ردده الآن)    مع اقترابهم.. فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    مراسل القاهرة الإخبارية: الآليات الإسرائيلية تسيطر ناريا تقريبا على معظم مدينة رفح الفلسطينية    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    سعر كيلو السكر في السوق اليوم الثلاثاء 28-5-2024    وزيرة الهجرة تستقبل أحد رموز الجالية المصرية في جينف بسويسرا    مواعيد مباريات الثلاثاء 28 مايو - كأس مصر.. ودوري السلة    رئيس وزراء إسبانيا: نعترف رسميا بدولة فلسطين لتحقيق السلام    مشيرة خطاب: النيابة العامة من أهم السلطات الضامنة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان    الأهلى يواجه سبورتنج فى نهائى دورى سيدات السلة    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    عاجل| وفاة الشاعر اللبناني محمد ماضي    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-5-2024    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    جولة ل«المصري اليوم» بسوق الأضاحى فى شبين القناطر.. الخروف يبدأ من 12 ألف جنيه    «دير البرشا» تستقبل بطلات «كان» بمظاهرة حب    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هربا من قسوة المدينة .. عاشق يلقي ب«وردة لصيف واحد»
نشر في محيط يوم 22 - 07 - 2015

في ركن قصي من الحي العتيق، جلس ساعات طوال خلف نافذة مشرعة على قلوب المارة، تزهو بناصيتها وردة الأمل، أما الكاتب فقد انسالت بدفتره ذكريات الطفولة برام الله، طاف بأرجاء عربية مترنما بالناي الكنعاني وحكايات الأجداد، وحين تأهب للرحيل كان حذرا تماما، فالمدينة قاسية ومن يتخلى عن نفسه فيها قد لا يعود!
وبصدور مجموعته القصصية الجديدة "وردة لصيف واحد" عن دار "الآن" بالشراكة مع "أزمنة" ، يكون الأديب ناصر الريماوي، الأردني من أصل فلسطيني، قد وصل لعتبته الثالثة في عالم القصة بعد "جاليريا" و"مرميد" .
في المجموعة حنين جارف لثنائية الحبيب والوطن. وتدور القصص بفلسطين والأردن وتتسع تدريجيا لتشمل الكون على رحابته لتؤكد أنها مجموعة إنسانية تقرأ هواجسك بأي بقعة كنت .
أما اللغة فهي جزلة في غير تقعر، تمتاز بالشفافية والتماس الطبيعة والتراث بشكل عفوي ، وتتشكل العبارات بجرس موسيقي محكم يجعلها أشبه بقصائد الشعر. ومن جهة أخرى تعمر المجموعة بالعبارات الحكيمة مثل أن تجد "الأربعون محطة تستدعي التساؤل دائما ، سواء اكتمال بدر العمر أو غيابه "
المرأة حاضرة بقوة بين طيات المجموعة، وهي الحلم الذي ما يلبث أن يختفي بعد أن يملأ الفضاء بحضوره. وتتسامى بالقصص مواجع العشاق، كما يحلو السهر بضواحي عربية وأوروبية ، ومع السكون بين جنبات الطبيعة تجد نفسك تبحر بلوحة سريالية تؤنسن النبات والقمر والنافذة وكل شيء.
جاء الغلاف لبسام حمدان معبرا ببساطة عن كنه تلك المجموعة، حيث بيت تراثي مبني بحجارة تشي بعراقته، تتوسطه نافذة بديعة تحتضن وردة ذكرت المؤلف بكل من شاركوه أمسياته البعيدة ومنحوه وردة الذكرى واللقاء!
أشواك الفقد
في قصة "رجم الشوك" نستدعي غياب الدفء بالبيوت، وحالة فقد عميقة تخلفها رسالة يجدها الراوي/البطل بغرفة نومه من سيدة البيت التي رحلت لتفتح أحزان قرية منهوبة بالرحيل ، فرشقت الأضرحة الطرقات حتى اختلط شجر الزعرور بقبور الموتى وسدوا الأفق تماما، فيما نبت الشوك الكثيف فوق سلاسل الحجارة حول خاصرة البيوت، وهو تعبير قاس عن غياب الحب، ويزيد الأمر حين تتأمل تلة اللوز الأخضر التي كان الصغار يذهبون لها وتترعرع بذور الحب عندها فإذا بالشوك يملأها!
أربعون ليلة ظلت السيدة تتلو خلالها حزنها وحيدة على مرآة سرير زوجها الفارغ، حتى استقام موتها! وبرغم ذلك فإن كرامتها لم تجعلها تنبش ولا لمرة واحدة في أسرار غربته، أو تستجدي منه رجوعا! لقد كان الشوك يمتد من صدرها ليملأ الفضاء.
ويظل الأمل مع فتيل ذؤابة الفانوس التي لم تخمد ، فيما ظل طفلان آخران يلهوان فوق تلة لوز أخضر حول فناء البيت الخلفي ..
وعلى وتر الفقد تعزف قصة أخرى وهي "جسر بونتدبزارت" ذلك الجسر الباريسي الشهير والذي يعلق عليه العشاق أقفالا ويلقون مفاتحه بنهر السين أملا بدوام الحب، وسنرى فتاة يفتتن بها فنان فرنسي فيرسمها وهي تجلس بيوم عاصف، ولكن ظروف الحياة تضطره للرحيل لإيطاليا، وهناك يغير فتاته بأخرى ويرسم لها اللوحة ذاتها، فتظهر مفتعلة وباردة!
تصعق الحبيبة الأولى من صدمتها، وتتحول للعنة تطارد المحبين فوق جسر بونتدبزارت، ترش الطين والتراب على أقفالهم وتضع الشوك تحت مخدات السيدات كي لا تتورطن بالفخ الذي أوقعها من قبل، وتواصل فعلتها حتى صارت نذير شؤم في نظر الجميع، فتودع عالمها على متن زورق مبحر في نهر شهد ميلاد حبها وموته !
أما قصة "دالية الوقف" فيتشكل الفقد فيها بمواويل مجذوب يطوف القرى حزينا على فقد حبيبته بهية، وهو ما يحيلنا لأسطورة تراثية عن شجرة سامقة للعنب تلتف الفتيات العذراوات حولها تقطفن منها بضع حبات يغمسنها بماء الرياحين، حتى تزف الواحدة لمخدع العمر، ولعشرين سنة بعد رحيل بهية تطرح الدالية حصرما حامضا والعذارى لا يعرفن السر، إلا بعد طلوع الفجر في الليلة الأولى ثم لا يبحن به لأحد.
أنوار المخيم
بهذا الإسم يهدي القاص قصته لأنوار سرحان، المبدعة الفلسطينية، حين يتذكر مخيم عين الحلوة المنصوب للفلسطينيين المهجرين بلبنان. لكنه لن يضع المآسي التقليدية من حارات مكدسة وبيوت ملتصقة يولد فيها الأطفال تحت حرارة الصفيح، لكنه سيعمق الفقد عند المرأة الفلسطينية حين تفقد طفلتها التواقة للحرية، وقد أسماها أنوار، كانت الفتاة قد ضاقت ذرعا بهذا العالم الكئيب وراحت تتطلع للخلاص فرتبت مع رفاقها للهروب للجليل، وهو تعبير عن عودة اللاجئين ، حلم كل فلسطين.
حين تشب الفتاة يلتقيها الراوي فيجدها مثلما أحبها في الطفولة ؛ مجنونة كانت كهذا التداخل في العشق بين أزيز الرصاص واغنيات مارسيل .. تقول : نحن الفلسطينيات خلقن لهذا وتشير لكومة رصاص فارغة أفرغت حمولتها للتو .. على شفير البحر .
ويعرج ناصر الريماوي لحكاوى شعبية فلسطينية غير عابرة بقصة "نجلا ..عذراء المواسم"، فيذهب مع الجميلة التي أصيبت بلعنة التشوه بوجهها ببثور كثيرة بعد أن حسدها أبناء القرية على حسنها الفتان، وتضع أمها نذرا ببئر مهجورة لتتزوج ابنتها، ولكن القدر يجعلها تنتزع لخلاف عائلي من هودج عرسها، فتظل على حالها حتى أتمت الخمسين، وهنا نرى الأمل معقودا بعد لقائها بحبيب الصبا وسيرهما بين أشجار الدراق ، حينها سرت زغرودة لتشق ستائر الليل وتخمد في جوف بئر !
ومع قصة "صخب طفولي" نرى معاناة الفلسطينيين ماثلة بترقب الفقد، فالأم تخشى أن تغلق شرفة المنزل بعد ضياع أبنائها، تشاهد تلك التي تنادي أبناءها على البحر ، وتذهب لهم بالمدرسة وهي تتخيل أنهم لا يزالوا أحياء تسأل عنهم المحيطين، "لكن الكلام يسقط على مصطبة الدمع" في غزة!
ويعزف الأديب على "ناي كنعاني" بقصة مهداة للشاعر عبدالسلام العطاري، وهي قصة محملة بنبوءة الشاعر بمصير قومه، ومفعمة بعبارات مضيئة كأن تقرأ "تنفس الصبح فوق التلال وسكب نوره على خضرة المروج" . لكن القصة تحذر من نبوءة الشاعر التي تجيء دوما بعد فوات الأوان، والقصة حول رعاة كنعانيين يتسلقون الجبل لإرضاء الآلهة كما تشير القصة التاريخية، في استعادة لتاريخ عروبة الأرض. لكن الرعاة يروون أيضا ملامح لا تزال قائمة وكأنه قدر من يقطن هذه الأرض حيث الوقوع بين مطرقة حاكم ظالم يغرقهم بالضرائب ويدفعهم عرايا لحرب العبرانيين، وسندان جشع الكهنة!
طعم الحياة
بقايا سهرات عتيقة بين جنبات أدراج عمّان التي تصب في القاع فتصل بين زمنين، والبيوت العالقة على أطرافها نبع حكايا، والنوافذ التي تكتم السر، تلك تحديدا كانت صورة المدينة التي يحن إليها الراوي، ولكنه لا يجدها واقعا، فهي قد صارت عملية أكثر من اللازم، ويجد "المضيفة" التي تصحبه قبيل السفر من عمان وقد أحضرت روزنامة صارمة للوقت المتبقي، وأصرت ألا يتلف المرء ماله ووقته بشراء ورود ذات رائحة أو فواكه شهية ، فرؤية ذلك مرسوما تكفي جدا!
لكن الراوي يعود للإمساك بتفاصيل الحياة اليومية النابضة والتراث بجانب الكشك الصغير المغروس في إحدى زوايا الساحة،حيث يشدو صاحبه بمواويل حزينة بين الزبائن وغلاية الشاي. أما حزم النعناع والشيح والزعتر البري المنشورة حول الكشك فتنشر أرخبيل عبق لا يقاوم.. لقد أعاد له الشاي بمذاقه القديم ، صدى أمسياته البعيدة .. فبقي. وأسعده أن فاتته الطائرة!
وتارة أخرى يرسم ناصر الريماوي صورة لعمان بين حبيبين، كيف تكون مع شاعرة تبدو المدينة معها عسلية اللون، تأتيه بالصيف ترتب مقاعد المدينة، تملأ جيوبه بالحكايا ، فيما يحل الخريف بكآبة، ويراقب الحبيبان خلع المدينة لحضارتها عمارة عمارة.. مع ذلك يبقى الحب فتكتب له أنه مدينتها وزرعت عقباته اليومية بالحب ليجتازها لآخر العمر حتى بعد رحيلها.....
ويستعيد الكاتب قصيدة للشاعرة الأردنية لنا مجالي تقول : في ليل عمان لم يبق سوانا / أنا وأنت وعتمة المدينة وآخر السمار / وبيننا وردة تعافت حملتها إليك / وقصيدة مشت بيننا / وخريف أمطر أمسياته كلها / تساقطت من حولنا كابتسامات لثغر يلوح بالبقاء / في عمان يلزمنا أكثر من صيف لنستنطق وردة ، فلتبق"
ومرة أخرى لكن مع دبي هذه المرة، حيث يستعيد ناصر الريماوي بقصة "جميرا" قوارب الصيد الخشبية التراثية التي تشق صدر الغمام وعباب البحر، يتخيلها ماثلة أمامه فيما ينزل بالمقهى المشهور بالإسم ذاته، بل وكان يتخيل جارته المصرية مصممة الأزياء التراثية تصطحبه بجولات ليلية مع هؤلاء البحارة، كانت تشارك بمسابقة القرية التراثية لأفضل تصميم، ولكنها كانت تعاني من نقص الإحساس بالموروث الشعبي في ظل الحداثة المتنامية، وفجأة يخبرهم أحد البحارة وصائدو اللؤلؤ – المتخيلين- عن ثوب هندي تراثي من الحرير تعهدها بإيصاله لإبنته نويرة، وبالفعل استقت منه فكرة التصميم وفازت بأفضل جائزة.
وفي لوحة فطرية يكتب الريماوي "صباح جديد نقي غسل النوافذ بالضياء بينما ما يزال البحر نائما يطوق سواحل المدينة ببلادة وهو ينهر عنها غبش الطريق وبقايا العتمة في كسل ، ينسل الفجر كلص أيضا مخلفا تراب قدميه على أسطح البيوت وأبراج الشوارع الخلفية" يفيق بطلنا فلا يجد لا الفتاة ولا الحكايا ولا الصيادين، وكأن عقله الباطن قد جاء بهم للهروب لعالم أكثر أصالة.!
دروب العاشقين
من وحي قصة "عذراء أورليانز" جان دارك، الثائرة الفرنسية التي أعدمت في القرن الرابع عشر بالحرق ثم نشر رماد جسدها في نهر السين بعد أن أدينت بتهمة الهرطقة، يستوحي الريماوي قصته "زهور المارغريت" ومن نافذة الراوي كان يرقب جارته التي تجسد الآخر ، فهي فتاة فرنسية تقطن الحي اللاتيني، يخرج الضوء من فانوس نافذته يخترق الزقاق الضيق ويطرق باب الجميلة ذات الصوت العذب الذي آنس ليله بلكنة شرقية . وبعد رحيلها من الحي يأسى لفقدها فتخبره بأن ورود الغرباء قد تشعل الرماد ، لكنها لا تاتي بنجمة السماء. فلاتلقي بعواطفك لعواصف الغربة.!
ونطل على أجواء مرعبة لهياكل عظمية لفقراء استبد بهم النبلاء وتركوهم عرضة للأمراض ثم دفنوهم بسرداب لولبي عميق بباريس، وخلال بحث الراوي عن فتاة قديمة ابنة عاصر العطور، افتتنت بحي الغجر فخرجت تستكشف ملابسهم المزركشة وحياتهم، وخلال هروبها من مطاردة الشرطة لقت مصرعها مصطدمة بسور النبيل الفرنسي الذي طالما راقبته من خلف قضبان القصر!
مرة أخرى يقترب الراوي من الموت والاغتراب حين يتأمل رحيل جاره العجوز الذي كان دبيب خطاه يؤنسه، لقد مات لأن الحكومة اقتلعت الأشجار التي زرعها لبناء كتل اسمنتية وبنايات جافة ، بل إن الكاتب يؤنسن الموت نفسه والذي يتخيله مجتازا للباب خارجا من عتمة القبو، كحل وحيد للوصول لصيده! وتصل الأنسنة لنبتة اللبلاب فهي ليست كاذبة حين كانت تتسلق منزلهم لكنها تكره النوافذ الواطئة المتلصصة، القابعة بين سلالم الأقبية المهملة، ربما تريد أن تنسى ماضيها حين أورقت بين أقدام شتى داستها قبل أن تتسامى وتسكن القمة.
وفي قصة "عين على البرواز" سنجد الاغتراب قد اكتمل فالوسادة من عدم ، والبرواز الوحيد للوحة لم تكتمل، فيما تنادي صاحبة الوجه المرسوم الراوي كل مساء قائلة : كل شيء سيطاله الحلم إلا اعتدال الملامح في الظل وما خلفته سنواتك المرة في الغياب..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.