* جنازة سيد خرجت بموكب عسكري * تم تهديدي بالإعتقال وإيذاء كل المحيطين بنا * الامن "من سكات" كان يريد الدفن حتى لا يفتضح تعذيبهم له * قالو لي (الرمه ده لو مدفنتش هذا اليوم هتدفن غصب عنك وفي مقابر الصدقة) . * يوم الدفن رأيت أخي يرتدي ثوبا أبيض وعلى رأسه تاجا من الفضة "سيد بلال" أحد أشهر ضحايا التعذيب الذي قتلته أمن الدولة بدم بارد بعد تفجير كنيسة القديسين ودفنته قسرا في صمت. التقينا شقيقه إبرهيم بلال في الإسكندرية ليروي تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة توأمه ، كما تحدث عن محاولات الجلادين باستماتة مساومته هو وزوج شقيقته المحامي خالد الشريف للسكوت إلى الأبد . هي قصة أنسانية غاية في الخيال ، ربما لم تحدث في العصور الوسطي حالكة الظلام ، الملف نفتحه بعد إحالة أربعة متهمين لمحكمة الجنايات بتهمة القتل العمد، ليكون شاهدا على الظلم المروع في عصر مبارك ، وإلي تفاصيل الحوار: كيف بدأت مشكلة سيد بلال مع جهاز الأمن المصري؟ كانت هناك حالة رصد لأي نشاط ديني كما هو معروف في كل المحافظات المصرية قبل الثورة ، وقد تعرض شقيقي سيد بلال للإعتقال منذ عام 2006 حينما تم اعتقاله سنة وستة أشهر . وكان كل أربعة أشهر يخرج أخي إفراج ، ليعاد اعتقاله مرة أخرى، وكانت مباحث أمن الدولة تحضر باستمرار لمنزلنا لاقتياد سيد لمقراتها واستجوابه ، وقد طلبوا منه أن يتعاون معهم فرفض . ماذا عن طبيعة نشاط أخيك في الإسكندرية ؟ أمن الدولة كانت تصنف الناس وفق مزاجهم الشخصي، ويريدون من الكل الطاعة العمياء لأوامرهم، أما أخي فكان سلفيا ليس له انتماء حزبي أو لأي تيار بعينه، ولكنه كان نشطا من الناحية الاجتماعية والدينية، وقد طلبوا منه قبل تفجير كنيسة "القدسين" عدم الإعتكاف في رمضان ، وأصر سيد على الإعتكاف وتطبيق السنة ، فتم فصله عن عمله في شركة بتروجيت ، وبعدها تم احتجازه بشكل مستمر في أمن الدولة .
ماهي علاقة "سيد " بتفجير كنيسة القدسين ؟ اتصل ضابط أمن الدولة "حسام الشناوي" بوالدتي يوم تفجير الكنيسة 5/1 الساعة 12، وسألها عن أخي، وحينما اتصلت والدتي بسيد طمأنها بأن الأمر بسيط، وأنهم يريدون معرفة معلومات عن الكنيسة وأنه لا دخل له بالموضوع . وكان سيد على موعد لشراء حاجات بعض الأيتام الذين يقوم برعايتهم والإطمئنان عليهم، وفي هذا اليوم تناول معي وجبة الغذاء وصلى العشاء وأرسل زوجته وطفله إلى والدتها وبدل ملابسه ثم انصرف لأمن الدولة . هل حاول الهروب أو التأخير ؟ لا . فقط اصطحب معه ملابسه وغطاء ، والتقى بعض أصدقائه وأخبرهم أنه ذاهب لامن الدولة، ومنهم أحمد الملواني والذي اعتقل شقيقه في اليوم السابق لذهاب أخي لأمن الدولة . وبعد فترة بدأت في الذهاب لأصدقاء أخي للسؤال عليه، وأخبروني أنه مازال في أمن الدولة، وحينما ذهبت لمديرية أمن الإسكندرية وطلبت لقاء الضابطين علاء زيدان وحسام الشناوي تهربا مني ، وكانا المسئولين عن المتابعة بالجهاز .. ثم فوجئت بتليفون من مستوصف "زقيلح" بالاسكندرية يخبرني بأهمية الحضور لأن شقيقي لديهم ويعاني صحيا .
هل ذهبت لرؤية أخيك ؟ في البداية لا ؛ لأن السيد شقيقي كان ينصحني بعدم تنفيذ ما قد أسمعه عبر التليفون لأنهم يريدون شغل الناس .
ولماذا اتصل بك المستوصف وليس أمن الدولة ؟ لان الموضوع كان قد انتهى ومات شقيقي . بعدها وجدت عددا كبيرا من الضباط من أمن الدولة في منطقتنا وبينهم "وائل الكومي" ضابط قسم الرمل ، وطرق باب شقتنا شخص من المستوصف وقال لي أنهم يريدونني ، وقد أعطاني بطاقة تفيد بأنه طالب ، وكنت أعلم أنه أمين شرطة ، ثم أخبرني بأن أخي يريدني ! وقد قررت ألا أذهب مع أحد لأي مكان، رغم ازدحام المنطقة بالأمن، إلا إنني فوجئت بعد ساعة بوالدتي تخبرني بأن المخبرين جاءوا يبحثون عني . متى علمت بوفاة شقيقك ؟ في الحقيقة أخي توفي من يوم الأربعاء الساعةالعاشرة مساء ، وبعد أن رتب الأمن أموره ، أرادوا إحضاري دون علم أحد لدفنه "من سكات" حتى لا يفتضح تعذيبهم له ، وكان موضوع المستوصف حيلة لإحضاري لا أكثر . وبالفعل حينما ذهبت لمستوصف زقليح وجدت ضابط مباحث قسم اللبان يدعى "مصطفي الشيخ " أمامي . وقد سبقني للمستوصف المحامي خالد الشريف وزوج أختي، وقاموا بتصوير أخي وكان جسده يبدو عليه بشدة آثار التعذيب ، وليس فيه شيء سليم ، وكان النزيف من كل اتجاه ، وشاهدنا آثار تعذيب قاس في لسان أخي وما بين عينيه وركبته وبطنه ، فصرخت في جثة أخي "من فعل بك هذا ؟" ، ولكنها كانت جثة هامدة ممدة فوق سرير في الغرفة . كان الباب مغلقا ويجلس أمامه اثنان من أمناء الشرطة ، ويجلس على مكتب الطبيب المقدم "أسامه الشيخ" ، كما حضرت النيابة العامة لتولي التحقيق . وكيف استلمتم جثمان سيد بلال ؟ كانوا يريدون أن تتم كل الإجراءات بسرعة وبلا شوشرة ، وقد قام زوج اختي بتصوير الجثمان بعد أن غافلهم ، وحينما شعروا تشاجروا معه . وقد ظللت لفترة أصرخ في جثة أخي " حقك لن يضيع لو آخر نقطة بدمي .. أمك وأخوتك وزوجتك وابنك أمانة في رقبتي ليوم الدين .. " . ما موقف النيابة بعد مقتل أخيك ؟ بعد ما جرى لأخي ذهبت لرئيس نيابة اللبان "حازم زهران" ، وكتبت كل أقوالي، واتهمت مباحث أمن الدولة ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي والضباط بالاسم "حسام الشناوي" و"حسين بلال"و"علاء زيدان" ضباط مباحث الإسكندرية بقتل أخي ، وصدر أمر تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة ، فانتقلنا لكوم الدكة . وحينما علم أمن الدولة باتهامي لهم بدأت الإستفزازات ، حسين بلال هيثم مكاوي خالد شلبي ناصر العبد ، ومعهم محمد علي إبراهيم مدير الأمن اعضاء من الحزب الوطني في مجلس الشعب ، كانوا يهددونني إن لم أستجب لهم في دفن شقيقي سريعا وبطريقتهم . كنت أريد الدفن في صلاة الظهر يوم الجمعة وهم يريدون ان يدفن الخميس ليلاً ويحددون من يكون معنا ، وهددني العقيد خالد شلبي وقال لي (الرمه ده لو مدفنتش هذا اليوم هتدفن غصب عنك وفي مقابر الصدقة) . وهل تعرضت أسرة سيد بلال للتهديد أيضا؟ نعم ووصل الأمر لأن يأمروا بتغسيله وتكفينه سريعا ورغما عنا ، وأخلوا المكان من أصدقائنا جميعا . من الذي دفن بلال وكيف سارت الجنازة ؟ في تمام الحادية عشر كان الأمن قد جهز كل شيء في الغسل والتكفين ، وفوجئت بموكب عسكري كبير من الشرطة يدخل لحي الظاهرين ومنها لترب النور مدافن العائلة، ولكن للأسف دفنوه رغما عنا بأول مقبرة صادفتهم وكانت لزوج أختي وليس للعائلة ، كما تم السيطرة على المنطقة أمنيا ومنعوا أي شخص من الاقتراب ، ثم جاء الشيخ ياسر برهامي وصلى على أخي ، وتم دفنه . وكان الضابط وائل الكومي يصطحب معه بلطجية من الحزب الوطني وأي منهم جاهز للضرب فورا . ثم انتشرت قوات الأمن حول البيت ومنع أي عزاء ، وتم تهديدي بالإعتقال وإيذاء كل المحيطين بنا ، وقالوا للجميع "سيد بلال مفجر كنيسة القديسين .. وانتم عملتم على مساعدته " . هل أخذ ثوار 25 يناير حق أخيك ؟ لقد فجر موت سيد بلال ومن هم مثله هذه الثورة المباركة، ويوم الدفن رأيت أخي يرتدي ثوبا أبيض وعلى رأسه تاجا من الفضة، فاسترحت أنه في الجنة ينعم عند مليك مقتدر .. ولن أستريح حقا إلا بمحاكمة زبانية التعذيب، حتى لا يتكرر هذا المشهد مرة أخرى ، وقد بدأت محاكمة من عذبوه فعلا واتضحت الحقائق ، والامر بيد القضاء الآن .