بقلم / صلاح بديوي "أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم "،هكذا بدأ رسولنا الحبيب العظيم محمد ابن عبد الله- صلى الله عليه وسلم - خطبة الوداع أمام عشرات الالاف من المسلمين في حجة الوداع.
ففي الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة،أعلن الرسول الحبيب محمد ابن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - عن عزمه زيارة بيت الله الحرام حاجاً، فخرج معه حوالي مائة ألف من المسلمين من الرجال والنساء، وقد استعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري،وأحرم للحج ثم لبّى قائلاً: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك، والملك، لاشريك لك "(صحيح بخاري، كتاب الحج، باب التلبية.). وبقي رسولنا الحبيب محمد - صلوات الله عليه وسلامه - ملبياً حتى دخل مكةالمكرمة، وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط، واستلم الحجر الأسود ،وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم، وشرب من ماء زمزم، ثم سعى بين الصفا والمروة، وفي اليوم الثامن، من ذي الحجة ،توجه حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى منى فبات فيها، وفي اليوم التاسع ،توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر، ثم خطب خطبته الشريفة التي سميت فيما بعد خُطبة الوداع. ومن هنا فالحبيب الرسول محمد صلى - الله عليه وسلم - بدأ خطبته بتحريم دم المسلم على المسلم ،ومال المسلم على المسلم ،وحذرنا من سؤال ربنا إن خالفنا وصيته ، ثم تطرق رسولنا العظيم بعد ذلك الى ضرورة أداء الأمانات إلى اهلها فقال رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم "فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون". وبذلك يكون - صلى الله عليه وسلم - قد حدد للمسلمين ضوابط أداء الأمانات.ومضى رسولنا العظيم يبين للمسلمين مخاطر عادات الجاهلية وضرورة التخلص منها نهائيا ،بعد أن أهدى الله نور الاسلام لأمتنا ،ولذلك قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :"أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا". وتطرق رسولنا في خُطبة الوداع التي ألقاها قبيل الف وربعمائة عام من هذا الزمان الذي نعيش فيه،إلى حقوق النساء، ونظرة الاسلام للمرأة، ليؤكد لمن كانوا وقتها يعيشون في الكهوف باوروبا كلها،ويتعاملون بحيوانية ودونية مع النساء،ويؤكد للبشرية جمعاء، حتى تقوم الساعة ،يؤكد لهم أن الاسلام وضع دستورا عظيما لحقوق المرأة وأعزها وأكرمها. فقال الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم - :"فإن لكم على نسائكم حقا،ولهن عليكم حقا،لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ,وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن ،فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا،وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ،واستحللتم فروجهن بكلمات الله ،فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه". ولكننا الان نعيش في إطار مجتمع دولي وحضارة اوربية وامريكية،تستغل تخلف الشعوب الاسلامية والعربية،بفعل الاستعمار الذي تعرضت له ،على أيدي من شيدوا تلك الحضارة الغربية ،حيث لم تكتفي تلك الحضارة باستعمارنا ونهب ثرواتنا ،بل تريد الحضارة الاوربية والامريكية أن تخرب عقيدتنا السماوية ،تريدنا أن نعترف للمرأة بحقوقها في أن تتزوج امرأة مثلها،أو أن تعيش حرة مع الرجل الذي تهوي خارج اطار الزوجية ،أو أن تتعرى وتمشي مجردة من أغلب الثياب التي تستر جسدها ،ويسمون ذلك تحضر ومدنية ،وإن اصرت المرأة على أن تتزوج وتحصن نفسها ،وتتحجب وترفض كافة اشكال الشذوذ،يسمون ذلك نوعا من مصادرة حقوقها ويقولون إن الاسلام يظلم المرأة،كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا ،قاتلهم الله ان يؤفكون. وفي المجالات الاقتصادية نجد الفوائد الربوية،هي عماد الاقتصاد الاوروبي الامريكي،وربما لأن اقتصاديات العالم باتت مرتبطة ببعضها بشكل او بأخر،ففي ظل تواجد نظم لاتعترف بدور الاسلام في امور الحكم،ظهرت تلك البنوك الربوية بمجتمعاتنا وطغت،ووجد بيننا مشايخ افك حللوا الربا الذي تبيحه تلك البنوك وتروج له،ووجدوا له مخارج مختلفة،زعموا انها في صلب الشريعة ،مخالفين وصية رسولنا الحبيب صلي الله عليه وسلم والذي لاينطق عن الهوي،بتحريم الربا. اننا نسوق ما سبق ونتحدث عنه ،مع حلول عيد التضحية والفداء وايامه المباركة،التي تهل على امتنا العربية والاسلامية، لتشهد تفجر ثورات الربيع العربي،وتشهد ايضا دماء المسلمين تراق من اجل دنيا،تراق من قبل حكام ينتسبون للاسلام ،مخالفين بذلك وصية حبيبنا العظيم محمد - صلي الله عليه وسلم- ،ونجد قادة باوروبا وامريكا،يحظرون على النساء المسلمات ارتداء الحجاب وتغطية شعورهن،في وقت يخرج علينا فصيلة مفتي مصر ليقول،من حق تلك الدول أن تصادر حرية المسلمات في ارتداء ملابسهن ،والمسلمة التي لا تعترف بذلك ، تبتعد عن تلك الدول ، ولا تعيش فيها ، متجاهلا فضيلته أن ثمة مسلمات من مواطني تلك الدول ،فكيف يتركن بلدانهن ،وإلى أين يذهبن؟ ،ولانعرف اي اسلام الذي يروج له فضيلة المفتي ؟. كما اننا في مصر نحتفل بعيد التضحية والفداء بعد أن حررتنا ثورة 25يناير المجيدة ،من براثن الديكتاتورية والطغيان والفساد ،وبعد أن وقفت العناية الالهية إلى جوار اهل مصر الذين ظلموا على امتداد العقود الثلاثة الماضية ،تلك العناية التي خلصت ابناء شعبنا،من حاكم استخف به وأهان كرامته،وقضي على دور هذا الشعب الريادي في المنطقة ،وفي العالم ،ومن هنا صدقت الدعوة التي اطلقها ناشطون مصريون ،عندما ناشدوا الحجاج المصريون، أن يدعو لمصر، اثناء وقوفعهم فوق جبل عرفات،أن يدعو لها بالاستقرار واتمام مسيرة الثورة والحرية. إن الاماكن المقدسة بالمملكة العربية السعودية العزيزة إلى قلوبنا ، يحتشد فيها الان ما يقرب من ثلاثة ونصف مليون مسلم ،من مختلف ارجاء العالم ،ويشكلون اكبر مؤتمر للمسلمين ،بل اكبر مؤتمر من نوعه تشهده البشرية كل عام ،نناشدهم جميعا أن يدعو الله أن يمكن لدينه ولشريعته لتسود في الارض ،وإن سادت ستسود البشرية جمعاء العدالة والمحبة والسلام والرخاء ,وكل عام وانتم بخير وأمتنا في اطيب حال .