قال الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ان مصر غرقت في الظلامية الدينية و السياسية خلال الفترة القصيرة التي تولى فيها الإخوان المسلمون الحكم. جاء ذلك في كلمة الدكتور بطرس غالي أمام الندوة التي استضافتها اليوم الاربعاء اليونسكو بباريس و نظمتها جامعة الاممالأممالمتحدة تحت عنوان "التعبئة من أجل التراث في العراق و سوريا و دول أخرى تشهد صراعات"، بمشاركة نخبة من المثقفين و علماء الأثار و الكتاب و الشعراء المعنيين بهذه القضية. وحذر الدكتور بطرس غالي من بعض الأفكار التي تَروج لها الجماعات المتطرفة ومنها الزعم بأن حماية التراث تعد قضية غربية أو استعمارية، و نبه الى ان الاصوليين يعتقدون ان اثار ما قبل الاسلام مرتبطة بالاستعمار نظرا لان اعمال التنقيب الاولى قامت بها بعثات أتت من دول "صليبية" و ان بناء متاحف القاهرة و بيروت و بغداد تم على يد الغربيين. و أكد ان الهدف من عرض هذه الأفكار هو تضليل الرأي العام او تقسيم العالم الاسلامي و فرض رؤية أحادية اللون و فقيرة و مغلوطة عن الإسلام. ولفت الى ان الاصوليين أينما كان مكانهم أو الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم - من طالبان أفغانستان و اخوان مسلمين في مصر وبوكو حرام في نيجيريا والقاعدة في اليمن وتنظيم الدولة الاسلامية في العراقوسوريا- يسعون قبل كل شىء لاستخدام القوم لمحو كل ما يتعارض مع رؤيتهم الدينية مثل أثار ما قبل الاسلام و كذلك بعض الاثار الاسلامية التي تم استهدافها في مالي و بعض مناطق العالم العربي، بالاضافة الى الكنائس و المعابد. واشار الى ان الجنون التدميري لهذه الجماعات الجهادية طال ايضا الاقليات التي هجرت ديارها هربا من تلك التنظيمات. كما حذّر من الأصولية الإسلامية التي أينما استقرت تستنسخ نفس النمط، و تسعى لنفس الهدف و هو تدمير الاعمال الإبداعية. وأكد ان مصر على مدى قرون كانت نموذجا للانفتاح والتسامح،و يتعايش المسلمون والمسيحيون فيها في وئام، الا انها شهدت في السنوات الأخيرة فترات صعبة وكانت المتاحف فيها هدفا للارهابيين مثل متحف الفن الاسلامي بالقاهرة الذي تضرر بشدة في يناير 2014 اثر هجوم على مبنى مجاور تابع للأمن المصري. وأشار بطرس غالي الى عمليات السلب و النهب التي تعرض لها متحف ملوي من قبل متطرفين يتاجرون في الاثار المسروقة لتمويل الارهاب. و دعا الى محاربة آفة الاتجار في الممتلكات الثقافية في مصر و العديد من البلدان. وطالب الحكومات والمؤسسات الدولية الى المشاركة في حماية التراث العالمي و بتوعية المجتمعات المحلية بأهمية حماية و احترام التراث الثقافي. وأعرب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة عن تأييده لطلب المديرة العامة لمنظمة اليونسكو بإدراج حماية الإرث الثقافي ضمن مهام قوات حفظ السلام الأممية،انطلاقا من المسؤولية المشتركة في الحفاظ على الاعمال الفنية التي أبدع الانسان في صنعها على مر القرون. واعتبر انه يمكن الاستفادة من تجربة مالي حيث تعمل اليونسكو بالتعاون مع قوات الأممالمتحدة على اعادة بناء الأضرحة التي دمرها المتطرفون. واكد ان من يقدمون على هدم المعالم التاريخية والتماثيل التي تعود الى آلاف السنين يعلمون جيدا ان تدمير الثقافة هو تدمير للسلام، مؤيدا ما قالته المديرة العامة لليونسكو حين وصفت هذه الهجمات بأنها ليست فقط مأساة ثقافية بل ايضا قضية أمنية نظرا لما تثيره من طائفية و تطرف عنيف و نزاعات. وأشار الى انه بدون وجود سلام من أجل الثقافة، سيكون من العبث التطلع لبناء ثقافة من أجل السلام، لافتا الى انه خلال فترة عمله كأمين عام للأمم المتحدة حرص على ادراج الثقافة في أجندته للسلام و في رؤيته للدبلوماسية الوقائية. و قال ان حماية وتعزيز التراث يساهمان في تحقيق اللحمة الوطنية وتفادي الازمات و اعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي يتأثر بالحروب. وشدد على ضرورة حشد كافة القوى التي تعارض هذا التدمير وتشجيع النساء والرجال اصحاب النوايا الحسنة الذين انتفضوا لإنقاذ ما تبقى من اثار ومخطوطات ويساعدون و في ترميم،المعالم التاريخية التي تعرضت للتدمير في المواقع المختلفة و منها اضرحة "تمبكتو". كما دعا الدكتور بطرس غالي في كلمته الى دعم جهود المؤسسات الدولية الكبرى و من بينها اليونسكو لاعتبار اعمال التدمير الهجمية للآثار "جرائم حرب" و ادانتها من قبل المحكمة الجنائية الدولية.