تمر اليوم الذكرى الرابعة والعشرين على رحيل موسيقار الأجيال الفنان محمد عبد الوهاب، الذي توفى في 4 مايو عام 1991، تاركا خلفه أجيال وأجيال من الفنانين مازالوا يتعلمون من ميراثه الفني. محمد عبد الوهاب (1902 – 1991)، واحدا من أعلام الموسيقى العربية القليدية، اختلف حول تاريخ ميلاده الموثقين؛ حيث ذكر عبد الوهاب في معظم أحاديثه الصحفية أنه من مواليد عام 1910، لكن المؤرخ الموسيقي عبد العزيز محمود العناني ذكر أن عبد الوهاب من مواليد 1902م، كما ذكُرت الفنانة منيرة المهدية أن عبد الوهاب كان عمره 25 عاماً عندما مثل أمامها عام 1927 م، ورأى أيضا الناقد كمال النجمي أنه ولد عام 1897، في حين رأت الكاتبة الراحلة رتيبة الحفني أن عبد الوهاب ولد عام 1902 م على الأرجح. ومثلما حدث جدل في تاريخ ميلاده، كان حظ عبد الوهاب أنه توفي في نفس يوم ميلاد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، فتعرض عبد الوهاب لتغيير تاريخ وفاته حتى لا يتعارض مع الرئيس الأسبق!!. النشأة نشأ "موسيقار الأجيال" في حارة "برجوان" بحي باب الشعرية بالقاهرة، وتعود أصوله لمحافظة الشرقية. فهو عمل كملحّن ومؤلف موسيقى وممثل سينمائي. بدأ حياته الفنية مطرباً بفرقة "فوزي الجزايرلي" عام 1917 م. وفي عام 1920 م قام بدراسة العود في معهد الموسيقى العربية. وبدأ العمل في الإذاعة عام 1934 م وفي السينما عام 1933. ارتبط بأمير الشعراء أحمد شوقي ولحن أغان عديدة له، غنى معظمها بصوته؛ حيث لحن "كليوباترا" و"الجندول" من شعر علي محمود طه وغيرها. كما لحن للعديد من المغنيين في مصر والبلاد العربية منهم أم كلثوم، ليلى مراد، عبد الحليم حافظ، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، وردة الجزائرية، فيروز، صباح، وطلال مداح، وأسمهان, إلى جانب أنه كان أول مكتشف للفنان إيهاب توفيق في أواخر الثمانينات. طفولته أُلتحق محمد عبد الوهاب بكتّاب جامع "سيدي الشعراني" بناءاً على رغبة والده الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه بعد ذلك في وظيفته، وحفظ عدة أجزاء من القرآن قبل أن يهمل تعليمه ويتعلق بالغناء والطرب؛ حيث شغف بالاستماع إلى شيوخ الغناء في ذلك العصر مثل الشيخ سلامة حجازي وعبد الحي حلمي وصالح عبد الحي، وكان يذهب إلى الموالد والأفراح التي يغني فيها هؤلاء الشيوخ للاستماع لغنائهم وحفظ أغانيهم، ولم ترض الأسرة عن هذه الأفعال فكانت تعاقبه على ذلك. بعدها قابل محمد عبد الوهاب الأستاذ فوزي الجزايرلي صاحب فرقة مسرحية بالحسين الذي وافق على عمله كمطرب يغني بين فصول المسرحيات التي تقدمها فرقته مقابل خمسة قروش كل ليلة، وغنى محمد عبد الوهاب أغاني الشيخ سلامة حجازي متخفياً تحت اسم "محمد البغدادي" حتى لا تعثر عليه أسرته، إلا أن أسرته نجحت في العثور عليه وازدادت إصراراً على عودته لدراسته فما كان منه إلا أن هرب مع سيرك إلى دمنهور حتى يستطيع الغناء، وطُرد من السيرك بعد ذلك ببضعة أيام لرفضه القيام بأي عمل سوى الغناء فعاد إلى أسرته بعد توسط الأصدقاء، والتي وافقت أخيراً على غناءه مع أحد الفرق وهي فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي (المحامي) على مسرح "برنتانيا" مقابل 3 جنيهات في الشهر، وكان يغنى نفس الأغاني للشيخ سلامة حجازي، وحدث أن حضر أحمد شوقي أحد عروض الفرقة وبمجرد سماعه لعبد الوهاب قام متوجهاً إلى حكمدار القاهرة الإنجليزي آنذاك ليطالبه بمنع محمد عبد الوهاب من الغناء بسبب صغر سنه، ونظراً لعدم وجود قانون يمنع الغناء أًخذ تعهد على الفرقة بعدم عمل عبد الوهاب معهم. مرحلة الشباب التحق عبد الوهاب بعد ذلك بنادي الموسيقى الشرقي "معهد الموسيقى العربية حالياً"؛ حيث تعلم العزف على العود على يد محمد القصبجي، وتعلم فن الموشحات، وعمل في نفس الوقت كمدرس للأناشيد بمدرسة الخازندار، ثم ترك كل ذلك للعمل بفرقة علي الكسار كمُنشد في الكورال، وبعدها فرقة الريحاني عام 1921، قام معها بجولة في بلاد الشام وسرعان ما تركها ليكمل دراسة الموسيقى ويشارك في الحفلات الغنائية، وأثناء ذلك قابل سيد درويش الذي أُعجب بصوته وعرض عليه العمل مقابل 15 جنيه في الشهر في فرقته الغنائية، وعمل في روايتي "البروكة" و"شهرزاد"، وبالرغم من فشل فرقة سيد درويش إلا أن عبد الوهاب لم يفارق سيد درويش بل ظل ملازماً له يستمع لغنائه ويردد ألحانه حتى وفاة سيد درويش. أعماله قدم عبد الوهاب أغاني جميلة بصوته، لكن أغلب ألحانه كانت لغيره من المطربين، ومن أشهر وأجمل ما لحن لغيره: "ذكريات"، "يا حبايب بالسلامة"، "المركبة عدت"، و"طاير على جناح الحمام"، فضلا عن الأناشيد التي اشترك عبد الحليم حافظ في غناءها مع مجموعة الفنانين مثل "الوطن الأكبر"؛ حيث ارتبط اسم "موسيقار الأجيال" بالأناشيد الوطنية. لحن لليلى مراد "حيران في دنيا الخيال"، "ياللي غيابك حيرني"، "ياللي سكونك حنان" وكلها من فيلم "الماضي المجهول"، "أروح لمين" فيلم "شاطئ الغرام"، "جواب حبيبي"، "الشهيد" وكلاهما من فيلم "الحياة الحب"، "أرق النسيم"، "يا قلبي مالك" وكلاهما من فيلم "يحيا الحب"، إضافة إلى أغاني فيلمي "عنبر"، و"غزل البنات". كما لحن لفايزة أحمد "حمال الأسية"، "بريئة"، "ست الحبايب" وهي من أشهر وأجمل أغانيها، "تهجرني بحكاية"، "خاف الله"، "تراهني"، "ياغالي عليا"، "بصراحة"، "راجع لي من تاني"، "وقدرت تهجر". ولنجاة الصّغيرة "دلوقت أو بعدين"، "أما غريبة"، "آه بحبه"، "شكل تاني"، "القريب منك بعيد"، "ع اليادي"، "آه لو تعرف"، "إلا إنت"، "مرسال الهوى"، "دبنا يا حبايبنا"، "ماذا أقول له"، "متى ستعرف"، "أيظن"، "ساكن قصادي"، "لا تكذبي"، "اسألك الرحيلا". في حين لحن لوردة الجزائرية "خد عنيه"، "اسأل دموع عنيه"، "لولا الملامة"، "في يوم وليلة"، "أنده عليك"، "بعمري كله حبيتك"، "لبنان الحب"، "مصر الحبيبة". أما صباح فلحن لها عدة أغاني منها "ع الضيعة"، وأغاني فيلم "إغراء". ولحن لأسمهان "محلاها عيشة الفلاح"، واشترك معها في غناء "مجنون ليلى". ولشادية "أحبك"، و"بسبوسة"، وفيروز "سهار بعد سهار"، "سكن الليل"، "مر بي يا واعدا". كما لحن لوديع الصافي "عندك بحرية يا ريس". وطلال مداح "ماذا أقول"، "منك ياهاجر دائي". ولحن لعبدالحليم حافظ "أهواك"، "فاتت جنبنا"، "نبتدي منين الحكاية"، "يا قلبي يا خالي"، "توبة،" "من غير ليه" بصوتهما معاً وغيرها. أفلامه شارك عبد الوهاب بالتمثيل في سبعة أفلام هم: "الوردة البيضاء" 1933، "دموع الحب 1935، "يحيا الحب " 1937، "يوم سعيد" 1939، "ممنوع الحب" 1942، "رصاصة في القلب" 1944، "لست ملاكا" 1946، "غزل البنات" 1949. الحب والزواج أحب عبد الوهاب المرة الأولى في حياته وكان يبلغ من العمر وقتها ثماني سنوات؛ حيث أحب جارته التي قاربت على سن الأربعين وقتها، وكانت إحدى المعجبات بموهبته الفنية وكثيرًا ما كان يشدو لها في منزلها بدعوة مُسبقة منها، لكنه اكتشف أنها تحب شخص آخر ورآها من ثقب الباب وهي في أحضان رجل آخر فقرر على الفور قطع علاقته بها. ثم حب فتاة أخرى في مثل عمره. وتزوج عبد الوهاب المرة الأولى سريًا عام 1931 من أرملة ثرية تكبره بما يقرب من 20 عامًا، يقال أنها أسهمت في إنتاج أول فيلم له هو "الوردة البيضاء" ولكنه طلّقها بعد أكثر من 10 سنوات بسبب غيرتها الشديدة. ثم تزوج للمرة الثانية عام 1944م من السيدة "إقبال" التي أنجبت له خمسة أبناء هم: "أحمد ومحمد وعصمت وعفت وعائشة"، وقد استمر زواجهم سبعة عشر عاماً إلا أنه انتهي بالانفصال عام 1957م. وتزوج للمرة الثالثة والأخيرة من السيدة "نهلة القدسي". الأب كان أباً حنوناً ورقيقاً كما قالت عنه ابنته عفت، كما كان شرقياً جداً في تعاملاته مع أبنائه. لم يلجأ يوماً لأسلوب الضرب أو القسوة في التعامل مع أبنائه، وكانت النظرة الحادة أقصى حد يصل إليه في غضبه من أبناءه. وأراد عبد الوهاب أن يبعد أبناءه عن الوسط الفني، ورفض أن يدخل أحد أبناءه عالم الفن، وخصوصا ابنته عفت التي كانت تهوى العزف على البيانو لكنه رفض استمرارها في هذا المجال. وكان حريصاً على عدم اصطحاب أبنائه معه أمام الإعلام، إلا في حالة المناسبات الكبيرة، وكانت أسرته تجتمع كل يوم جمعة. الطباع لازم محمد عبد الوهاب الوساوس، وكان يرفض مصافحة أبناءه حين علم أنهم تناولوا "طبق سلطة" خارج المنزل؛ حيث كان له طقوس خاصة بغسل الخضراوات، ويطلع بنفسه على طرق غسله وشم الأكل، ولو علم أن هناك شخصاً عنده زكام يرفض دخوله لحجرته، كما أكدت ابنته. وكان يفضل عبد الوهاب تناول الفراخ المسلوقة بالخضار مع ربع رغيف يومياً. ويتناول من الحلو مهلبية أو فواكه، وفي العشاء يأكل فول بالزيت وجبنه، وكان لا يحب الحلويات مطلقاً. الجوائز نال موسيقار الأجيال جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1971، وحصل على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975. كما منح رتبة اللواء الشرفية من الجيش، ونيشان النيل من الطبقة الخامسة، الميدالية الذهبية من مهرجان موسكو، الميدالية الذهبية في العيد الذهبي للإذاعة، الميدالية الفضية في العيد الفضي للتليفزيون. كما حصل على جائزة الجدارة، وسام الاستقلال عام 1970، وسام الاستحقاق السوري عام 1974، القلادة الأولى من الأردن، قلادة الكوكب الأردنية 1970، الوشاح الأول من الرئيس بورقيبة، الوسام الأكبر العماني، وسام الكفاءة المغربي، وسام الاستقلال الليبي، ميدالية طلعت حرب، الميدالية الذهبية للرواد الأوائل في السينما المصرية، وسام الاستحقاق من الرئيس جمال عبد الناصر، وسام الأرز اللبناني من مرتبة "كوماندوز"، دبلوم وميدالية ذهبية من معرض تولوز الفنى بفرنسا 1962، الإسطوانة البلاتينية 2 فبراير 1978. ولقب بموسيقار الأجيال، وفنان الشعب، فنان عالمي من جمعية المؤلفين والملحنين في باريس عام 1983. تم تكريمه بإنشاء متحف يحتوي على معظم مقتنياته الخاصة يقع بجوار معهد الموسيقى في القاهرة. وأنشئ تمثال له في ميدان باب الشعرية لتخليد ذكراه، وتمثال آخر في دار الأوبرا المصرية. وفاته وتوفى عبد الوهاب في مساء يوم 4 مايو عام 1991 إثر جلطة بالمخ نتيجة سقوطه الحاد على أرضية منزله بعد انزلاقه المفاجئ من سجاد الأرضية، وشُيعت جنازته في يوم 5 مايو بشكلٍ عسكري بناءً على قرار الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.