مجلس جامعة الوادي الجديد يعتمد تعديل بعض اللوائح ويدرس الاستعداد لامتحانات الكليات    التموين: منح مزارعي البنجر علاوة 300 جنيه بأثر رجعي    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    تحذير من كارثة صحية وبيئية في غزة مع تفاقم أزمة النفايات والمياه والصرف الصحي    غياب هالاند، جوارديولا يعلن تشكيل مانشستر سيتي أمام برايتون في الدوري الإنجليزي    المشدد 10 سنوات لمتهم باغتصاب طفلة في مكان مهجور بالمرج    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    إليسا تناشد القضاء اللبناني لاسترداد قناتها على يوتيوب    في الذكرى ال42 لتحريرها.. مينا عطا يطرح فيديو كليب «سيناء»    بفستان أبيض في أسود.. منى زكي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور لها    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    هل الشمام يهيج القولون؟    الجيش الأردني ينفذ 6 إنزالات لمساعدات على شمال غزة    الكرملين حول الإمداد السري للصواريخ الأمريكية لكييف: تأكيد على تورط واشنطن في الصراع    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    تنظيم العمل الصحفى للجنائز.. كيف؟    سبب غياب بيلينجهام عن قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد في لاليجا    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    نائب محافظ البحيرة تبحث مع الصيادين وتجار السمك دراسة إدارة تشغيل ميناء الصيد برشيد    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    "أنا مشجع كبير".. تشافي يكشف أسباب استمراره مع برشلونة    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تشيلي تستضيف الألعاب العالمية الصيفية 2027 السابعة عشر للأولمبياد الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    "ميناء العريش": رصيف "تحيا مصر" طوله 1000 متر وجاهز لاستقبال السفن بحمولة 50 طن    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالتى نجيبة.. والدار!!
نشر في محيط يوم 25 - 04 - 2015

من الحاجة نجيبة للست ليلى صالح يا قلبي لا تفرح كثيرا.. ولا تمشى فى الأرض مرحاً، ولا تظن أنه قد تم أخيرا بلوغ المراد، وتصفيق العباد،
وأنه خلاص لم يعد لدينا عجوز تهان، ولا أخرى يبلغ بها العوز لتنام فوق الرصيف، ولا غلبانة تستجدى المولي وولي الأمر تخوفاً من أن يقع سقف بيتها فوق دماغها هى وعيالها، وذلك بعدما أفردت جميع الصحف هذا الأسبوع في مانشيتات صفحاتها الأولي ما نالته كل من المواطنتين المبختتين، نجيبة بسقفها الواقع، وليلي ساكنة الرصيف، من فوز عظيم، وتكريم جليل، واهتمام بالغ من صناع القرار، وحظوة رئاسية لم تنل مثلها ملايين الأخريات من ساكنات الأرصفة أو المهددات بالدفن تحت الأنقاض.
والقارئ المتابع للصحف سوف يتوقف بلاشك أمام جهبذة التنويعات البلاغية المداهنة في تناول الخبرين الرئاسيين.. فبالنسبة للحاجة نجيبة جاء في عنوان إحدى الصحف:
«من الحاجة نجيبة للسيسى: «البيت حيقع علي دماغى»
من السيسى لمحافظ المنيا: «جدد لها البيت فورا»
وفي مانشيت صحيفة أخرى:
حلم نجيبة يتحقق علي يد (السيسى) بعد تجاهل (مبارك ومرسى)
وفي صحيفة ثالثة:
«الرئيس يأمر بترميم منزل نجيبة الآيل للسقوط»
ومحافظ المنيا: «صندوق الخدمات يتحمل التكلفة»
والحق يُقال بأن جميع الصحف المتابعة لأخبار نجمتى المجتمع «نجيبة وليلى» قد قامت باستيفاء جميع نواحى النشر الإيجابى والاستجابى للموضوعين الرئاسيين المهمين بإرسال مندوبيها ومصوريها لالتقاط الصور الشخصية والتسجيلية للموقع، مع إجراء الحوار الصحفي الشامل الذى حرص صاحب القلم الإنسانى في مقدمته بإحدى الصحف أن يكون من أرض الواقع المرير قائلا: «لم تكن تتخيل الحاجة نجيبة أحمد خلف التى تبلغ من العمر 75 عاما المقيمة بشرق المحطة بمركز سمالوط بالمنيا أن يستجيب الرئيس السيسى لمناشدتها لترميم منزلها الآيل للسقوط والذى تبلغ مساحته 35 مترا وشيّدته من الطوب اللبن لتعيش فيه مع ابنتها شادية زكى (40سنة) وأبنائها الثلاثة بعدما تركها زوجها منذ سنوات دون تطليقها.. وجاء في متن الحوار قول الحاجة نجيبة: «مالناش مورد رزق سوى معاش السادات 315 جنيها نأكل ونشرب ونعيش ونشترى الدواء منه وعندما تصدع البيت حاولنا ترميمه لكن الموضوع خرج من إيدنا فالمطلوب مبالغ لا حول لنا بها ولا قوة».. وأبدًا لم يتغير شىء في صياغة الخبر عما عهدناه مسبقاً علي مر العقود في كتابة أخبار الحوادث عندما كانت الديباجة الدسمة لا تخلو من ذكر انتقال السادة العمداء والضباط والأمناء ووكلاء النيابة ومساعديهم ومعاونيهم كل باسمه ورتبته.. الخ.. لمعاينة مكان الحادث كصياغة أخبار الحوادث لزميلنا الراحل حسين غانم وقد جاء في خبر الحاجة نجيبة أنه بعدما أذاع المكتب الإعلامى لرئيس الجمهورية أن الرئيس قد كلف الأجهزة التنفيذية بمحافظة المنيا بتولي مسئولية الأمر، والبدء في ترميم المنزل، ونقل أسرة الحاجة نجيبة إلي منزل آخر لحين الانتهاء من أعمال الترميم وكأنه ترميم لتصدعات قصر فرساى التي ستستغرق شهورا للاستعانة بالخبراء الأجانب لضبط منسوب وزوايا كرانيش ومقرنصات الواجهة، ونحت تماثيل البوابة الرخامية من جديد لتبدو مطابقة للأصل في عصر لويس السادس عشر فقد شكل اللواء صلاح الدين زيادة محافظ المنيا كسلو بلدنا لجنة مكونة من رئيس مركز سمالوط، وأعضاء من الإدارة الهندسية والمشروعات لإعداد دراسة ترميم منزل الحاجة نجيبة على نفقة الدولة بعد الانتقال للموقع للمعاينة والفحص وتحديد سبل التعامل مع الجدران المتهالكة والطوب اللبن والسقف المنهار.. هذا ولم يعدم الخبر نهايته الروتينية من أن الحاجة نجيبة قد طلبت لقاء الرئيس لتوجيه الشكر له، مؤكدة أنها تدعو له بالصحة والعافية والنصرة.. وتأتى المفاجأة التى لا تحمل أية طرافة من أن «منار» ابنة السادسة عشرة الطالبة بالصف الأول الفني وحفيدة الحاجة نجيبة قد أكدت أنه رغم صدور توجيهات الرئيس بإعادة بناء المنزل، ونشر صورة جدتها، فإنه لم تصل لهم أى لجان أو مسئولين بعد قائلة: «ننتظر تنفيذ القرار بإعادة بناء بيتنا لأنه وحياة المصطفي والمصحف الشريف لم يعد صالحا للترميم»!!
وكعادتنا نعمل من الحبّة قبّة وننفخ فى النملة لنجعلها فيلا، ونجد فى الأمر الطبيعى واللازم والواجب والضرورى والحتمى والمفروض والوجوبي والإلزامى فرصة لمسح الجوخ والتنطيط والطبل والزمر وشوبش ويا رايح قول للجاى ما تم نشره في مانشيت بالصفحة الأولى في جميع الصحف الصادرة يوم الثلاثاء 21 ابريل الذى يقول: «السيسى يأمر بإيداع ليلي دار رعاية» مع صورة للست ليلى بملابسها الرثة، أما ما جاء في السطور فهو تكليف سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى السيد هانى المسيرى محافظ الإسكندرية الجديد بالاستجابة لمطلب السيدة المُسِنة ليلى صالح التى بلا مأوى وتعيش علي أرض الطريق بجوار مستشفي الجامعة الأميرى وإيداعها بإحدى دور رعاية المسنين التابعة لمديرية التضامن الاجتماعى، وقد أذاع المكتب الإعلامى لرئاسة الجمهورية في بيانه: «إنه بناء علي توجيهات الرئيس للجهات المسئولة بالاستجابة السريعة لمطالب المواطنين أمر محافظ الإسكندرية الشئون الاجتماعية بإيداع ليلي بدار الهداية لرعاية السيدات المسنات التابعة لمديرية التضامن الاجتماعى بالمحافظة، علي أن تتكفل الشئون الاجتماعية بكامل تكاليف إقامتها وعلاجها ومأكلها وملبسها».. وواخدين بالكم معانا من حكاية «ملبسها» تلك وكأنه مطلوب للست ليلى ليس فقط ثوباً يسترها، وإنما كذا طاقم لحضور حفلات الإفطار الصباحية، غير الملابس الرياضية لمزاولة رياضة التنس والهوكى والسباحة والكروكيه، إلي جانب ملابس السهرة، مع الوضع في الاعتبار لأطقم اللانجيرى لزوم الذهاب للفراش عندما يأتى المساء علي ساكنات دار الرعاية الاجتماعية، وقد يكون الاهتمام بمثل تلك الجزئية حول ملبس سيدة الرصيف بعدما نما إلي العلم بأن ليلى كانت تزاول عملها كخياطة للطبقة الراقية في أكبر أتيلييه لفساتين الزفاف والسهرة بالإسكندرية، وكانت أكثر طاقم العمل براعة في تطريز أبليكات طرحة العروس وتصميم تاج رأسها، وذلك قبل ما تقوم المحافظة بتشريدها كما تدعى عندما أمرت بهدم بيتها الذى ورثته عن والدها في عام 2011 في توسعات المحافظة وكان يأويها مع والدتها، وتركتهما فى العراء لتموت الأم من البرد وتستجدى من بعدها المارة فوق الرصيف.
ونظرا لتكرار مثل تلك النوعية من الأخبار المنتفخة في الفترة الأخيرة، فإننى ومعذرة أجدها لا تضيف للرئيس السيسى، بل إنها لتفجر تعليقات سلبية في دوائر الانتظار المتربص علي المحك بمثل: ولماذا لا يضم القرار الرئاسى النظر في كافة أوضاع سكان الأرصفة وليس ليلي صالح وحدها لانتشالهم من حضيض البؤس وتسكينهم جميعا في مبان لائقة إنسانيا؟!.. وهل تعجز الدولة عن توفير مسكن جديد للحاجة نجيبة بدلا من أرجحتها هى وعيالها للمبيت في مسكن آخر الذى لن يكون قطعيا شقة مفروشة أو جناح في أوتيل أو حجرة في بنسيون لحين الانتهاء من ترميم شروخ الطوب اللبن وانهيارات أسقف جريد النخيل في دارها المتواضعة؟!!
ومن هنا فلابد من تحديث الجهاز الإعلامى للرئاسة علي فرض وجوده ليتسم ببساطة أكثر، وعصرية أسرع، وشمولية أوسع، ونظرة أنفذ وأثقب، وفهم أعمق لطبيعة المصريين الذين يصدقون السيسى إذا ما قال لهم مباشرة «أنتم نور عينى» و«يمين الله نفسي أجيب لكم القمر بإيدى» و«لا يمكن أن أقرر أمرا مصيريا دون موافقتكم عليه».. فذلك أكثر جدوى ومصداقية من طنطنات الأسقف والأرصفة في الصفحات الأولى، والبيانات الرئاسية في غير منزلتها الرفيعة!
100 سنة على عشق «زينب»
عينى عليك يا زينب!.. «زينب» الدكتور محمد حسين هيكل التى تعد من روائع تاريخ السينما المصرية والعالمية.. زينب التي برغم مضى مائة عام علي عرضها علي الشاشة نسهر إلي جوارها على شوق ننفعل بأحداثها نتابع بالشغف مشاهدها، بل ومازالت دموعنا تجرى تأثرا بآلامها، ولا نمل من مقارنة جودة قصتها وحبكة سردها وسمو مناظرها وأصالة واقعها بأفلام البلطجة والشماريخ والمطاوى الآن، التى ما أن تهبط الأسماء على مقدماتها إلا ويفز يقوم ينتفض يهرول كل عاقل من الأسرة بعيدا لا يلوى علي شيء.. وفي الأسبوع الماضى وبالذات مساء الأحد المنصرم تعمدت الانشغال التام في غسل الهباب العالق بفرن البوتاجاز حتى أدميت كفي من الغيظ طوال عرض مسلسل «سجن النساء» للمرة المائة والألف والذى كان حواره الفاضح يأتينى عبر باب المطبخ فاستنشق الهباب على الجبهتين.. زينب هيكل الخالدة تلك لم تسلم في زمان بداية عرضها من سياط النقد ككل ما هو صالح ننبرى للنيل منه إلى حد المطالبة بأن تتبرأ مصر من فيلمها المشين، والنداء بألا يجوز عرضه بحال من الأحوال خارج البلاد حتى لا يسيء إلى كرامتنا التليدة وحضارتنا العريقة وأبناء شعبنا الكرام..
في ابريل من مائة عام بعد عرض فيلم زينب ظهر المقال النقدى التالى في مجلة «اللطائف المصورة» لصاحبها اسكندر مكاريوس، وكانت في مقدمة الصحف المصرية، ومن بين كتابها عباس العقاد ود. طه حسين وأحمد حسنين باشا والشيخ يونس القاضى وأحمد تيمور باشا والد الأديب محمود تيمور.. المقال النقدى الوطنى كما يقول العنوان وقعه صاحبه بلقب «مصرى».. والملاحظ أن غالبية كتّاب الصحف في ذاك الزمان كانوا علي درجة كبيرة من التواضع وإنكار الذات إلي درجة الاكتفاء بالتوقيع باسم مستعار بحروف أصغر كثيرا من حروف المقال، وليس كما يحدث الآن الذى يطل عليك فيه اسم الكاتب متصدرا وارماً متجعلصاً انبثق من أجله آخر ما وصلت إليه اختراعات أبناط الحروف من غلظة، وليس مهماً ما جاء في طى السطور من سقط متاع الكلام.. قال المصرى في فيلم زينب «السينما توغرافى» تحت عنوان «لا يجوز من أجل مصر»:
(الدكتور هيكل كاتب يسير فى الطليعة، وناقد ترتعد منه الفرائص، وصحفي يشرف علي رئاسة تحرير جريدة تنطق بلسان حزب مصرى، وله أسلوب اجتماعى يقره عليه الكثيرون، وهو واضع قصة زينب التي أُخِذ عنها فيلم زينب الذى عُرض في سينما متروبول، وكان لى نصيب في مشاهدته والادلاء برأيى كمصرى يغار على سمعة بلاده ويدرى من دخيلة نفسيات أهلها ما لم يعرفه واضع القصة ولا مخرجها ولا ممثلوها ولا أبطالها النجمة الصاعدة راقية إبراهيم وزميلها الفتى الوسيم الصاعد يحيى شاهين، ولقد شاء القدر أن يأتى الدور على الدكتور هيكل فأدخله عصَّارة النقد، فأخرج موضوعه «كمُصَاص القصب» الذى تخرجه فابريقة سكر الحوامدية حيث لا يصلح إلا للوقود.
خُيِّل إلىّ عند ذهابي إلي سينما متروبول ورؤيتى صورة الدكتور هيكل أنى سأرى رأيا كبيرا لمجدد في العادات والأخلاق والأساليب الكتابية، فرأيتنى دخلت دخول الشيخ حمزة فتح الله في زمانه علي تلميذ ابتدائى لا يدرى عدد موانع الصرف وقد أعد نفسه للتدريس في مدرسة ثانوية.. عفوا سيدى الدكتور فلقد زججت بنفسك في هذا المضيق ولولا شخصيتك ما عنيت بهذه القصة ولا ذلك الفيلم، ودليلي علي هذا أن عزيزة أمير أخرجت فيلمها فلم أعبأ به لأن واضعه أجنبى عن مصر. أما أنت فلأنك مصرى ولك مكانتك لدىّ فقد عنيت بقصتك. ولا تؤاخذنى إن قلت لك إن معمل التحليل الاجتماعى سيضطرنى إلى إظهار العناصر المزيفة التي دخلت علي القصة فأفسدت عاداتنا وقوميتنا، وبدل أن تكون مأساة تنطوى على عظة مفيدة أصبحت قطعة مضحكة يسخر المصري منك ويخطئك فيها، كما يسخر الأجنبي منا عند مشاهدته إياها.
وهذا لا يمنعنى من الاعتراف بأنك حسن النية فيما كتبت، لأن غايتك أن تقول للفتاة لا تكونى سلعة يبيعك أبوك أو يتحكم في مستقبلك وسعادتك، وأمام هذه الفكرة يا دكتور ضحيت بكرامة مصر وسمعة أهلها، فأظهرتنا فى مظاهر مخجلة، وحوادث بعيدة عن الحقيقة ولا يسيغها الذوق.
قبل أن أنقد القصة فنيا، أقول بصوت أسمعه العالم أجمع: إن مصر تبرأ إلى الله من تلك التبعات التي ألصقت بها رغم إرادتها، وما كنت أدرى أن مصريا كواضع القصة ومصريين كممثليها يرضون بإظهار هذا الفيلم وما به من عيوب وعادات غير حقيقية في الآونة التي نهضت فيها مصر لتسترد مكانتها السامية بين الأمم المتمدينة. وفي الوقت الذى ترفع فيه رأسها يرغمونها على النكوص وطأطأة الرأس وهذا فيه ما فيه من ذل وهوان!! بل أقول أكثر من هذا. أقول كيف سمحت الحكومة بتمثيل هذا الفيلم وعرضه على الجمهور؟!.. لا عجب فالحكومة لا تعلم من أمره شيئا لأن مراقبة الفيلم فى يد فتاة إنجليزية، وقد تجد في إظهار المصرى في ذلك المظهر بعض التفكه والتسلية، وماذا يهمها إن علمت أن به دعاية ضد مصر، وهو شرر لو تطاير لما أبقى علي سمعة مصر ولا كرامة أهلها! سيقول الناس وما هذا. زينب اسم عربي ومصرى. وكيف لا يكون الفيلم مصريا. وجوابي على هذا أن واضع القصة قضى شطرًا من حياته خارج مصر، وبعد عن منازلة الطبقة التى وضع قصته في وسطها وكذلك قراءاته وأبحاثه وميوله وعاداته أفرنجية، بل سكنه الآن فى حى أفرنجى، ولا يلومنى القارئ إذا قلت إن الدكتور هيكل بعيد عن العادات المصرية ولا يقع نظره فيها إلا علي عمال مطبعة السياسة ليلا، وهؤلاء لا يجالسهم، بل يسره أن يجالس كتابا لفيلسوف أفرنجى يذكر عادات قومه. وهو من هذه الناحية أقوي حجة من غيره. وكتاباته تشهد بذلك فهو مصرى في نشأته أجنبى في عاداته وتعاليمه وميوله. والرقيبة فتاة إنجليزية في وزارة الداخلية وهى لا تدرى من عادات المصريين وخلقهم شيئا. لهذا كان الفيلم غير حقيقى من وجوه سنبيّنها فيما يلى:
زينب فتاة ريفية ذهبت لتجمع قطنا مع غيرها من بنات القرية، وسرعان ما أحبت إبراهيم، وإبراهيم أحبها وتقابلا بين الحقول والمزارع وأباحا بحبهما، وأطلع كلاهما على ما يكنه ضمير الآخر، فترامت بين أحضانه وأخذ فى تقبيلها وبث لواعج شوقه وغرامه، وأصبحت الفتاة مغرمة بإبراهيم الشاب الورع التقى الذى يؤدى فرض الصلاة وكأنه يتمثل بقول الشاعر:
ولك عندى جانب لا أضيعه..
وللحظ عندي والخلاعة جانب
إلا أن أبا حسن وهو في حفلة عرس يفاتحه صديق له في زواج ابنه من زينب فيروق له الاختيار ليعمل على اتمام هذه الغاية، وبعد أخذ رأى زوجته يذهب مع وفد ويطلب القرب من أبي زينب ويوافق الوالد ويزوج ابنته من حسن، والبنت تكون في تلك الآونة مع حبيبها، وأمها لا تدرى من أمرها شيئآ مع أنها تتصل به إلي ساعة متأخرة من الليل.. ثم يعقد العقد وتزف إلي زوجها ثم نراها متحلية بأجمل حُلّة وتقوم بخدمة البيت وتذهب إلي زوجها في غيطه وهو وراء محراثه، فترينا مثال الزوجة المطيعة الوفيّة المُستَعبَدة، ثم تذهب إلى السوق فتقابل إبراهيم فيعلمها بأنه ذاهب إلي خدمة بلاده في الجيش فتبكى وتعده بأن توافيه غدا، فيتقابلان خلسة مقابلة الوداع وتكون في نظر المصرى كاتب النقد زوجة خانت زوجها مع أنها ريفية قروية وعرضها هو كل شىء تحيا من أجله.
يتأهب إبراهيم للسفر ويخرج بحقيبته فيودعه بعضهم، ويشجعه بذكر الجيش والجندية والشهامة، فنرى ما تخيله من عظمة الجيش المصرى، ويتأهب زوج زينب لوداع إبراهيم الذى يركب القطار ويسافر وبعد سفره تمرض زينب بداء السل كما مرضت غادة الكاميليا وأهلها يظنون أنها تسعل من برد لحقها فتقوم النساء بإطلاق البخور، وأخيرا يذهب زوجها للعمدة ويشكو له مرض زوجته فيرسل العمدة في طلب الطبيب الذى يقرر عجز الطب عن مكافحة الداء فتموت، وقد استخلص واضع القصة من هذا أن سبب موتها هو زواجها من حسن ضد رغبتها، وأن أباها هو الذى أوقعها بين مخالب هذا الداء الفتاك.
وقد شاء واضع القصة أن يجعل سبب مرضها تحكم أبيها في مستقبلها، فلِمَ لَم يجعلها تمرض قبل زفافها، وهلا إذا زُوجت من إبراهيم كان الزواج مانعاً له من الدخول في العسكرية، والواقع أن سفره سبب مرضها لا زواجها. وهل يرضى الدكتور هيكل بأن تكون للفتاة القروية وهو بلا شك قروى حرية الخروج ليلا لتتلاقى مع حبيبها وتعود إلى الدار في الوقت الذى كان أبوها يتحدث إلي أمها وأخيها الصغير ولا يسأل عن ابنته وهى عرضه وشرفه، بل هى في نظره عنوان فخاره.
وهل ينكر الدكتور هيكل أن الدين الإسلامى أباح للخطيب رؤية خطيبته، وأن دعاية السفوريين من عهد قاسم أمين إلي اليوم قامت على أن الوجه ليس بعورة، والدين لهذا جعل للفتاة كل الحرية في اختيار الزوج، ولها أن ترفض وجعل للرضا علامات وللرفض علامات، وهل ينكر الدكتور هيكل أنه يكتب القصة عن عادات بلد إسلامى ليس لنسائه حرية اختيار العشق والدنو منه، بل لقد ظهرت تلك الزوجة بمظهر من فهمت قيمة الزوجية وقنعت بنهاية مستقبلها لولا لقائها المخجل بإبراهيم الذى قلب حياتها رأسا على عقب وعجل بنهايتها..
وهنا يجدر بوزارة الداخلية التي لها حق القوامة على الأخلاق والآداب وأمور الدين والتقويم ألا تبيح إرسال الفيلم إلى خارج القطر، وأن تنظر في توقيف عرضه لأن في عرض هذا الفيلم خاصة في الخارج مدعاة للسخرية من العادات التى لصقها الواضع بالمصريين، ومن يريد أن يضع مؤلفا عن مصر وعاداتها فلا يكون بمثل ما رأينا، بل يجب أن يدعو إلي تفهم أخلاق المصري وعاداته بما يتناسب مع روح العصر الحاضر وبما يكون مشرِّفا له في نظر من يشاهد الرواية من الأجانب.
وحسب مصر من التشهير بها ما ينشر في الصحف المصورة من مناظر مؤذية.. وقد قمنا ونقوم بما يجب علينا في تنبيه الحكومة إلي واجبها لتعمل علي أن تخمد نار التشهير التي تعمل في سمعة المصريين ما تعمله النار في الهشيم.. علي حكومتنا الرشيدة التي نواجهها بحقيقة الالتزام بأن تكون يقظة تدفع عن مصر أحط صنوف الدعاية بمنعها هذا الفيلم أو تصديره إلي الخارج، لأنه يُظهر المصريين علي غير حقيقتهم في أخلاقهم وآدابهم ويُلصق بهم من التهم ومن الخروج عن التقاليد القويمة المحترمة ما لا يشرف مكانتهم في نظر من يشاهد الرواية ولا يعرفهم».
وهكذا سيداتى سادتى كان فيلم «زينب» إثما لا غفران له، وكاتبه الدكتور محمد حسين هيكل خواجة لا يقرأ إلا فلسفات الخواجات، والزوجة المفضلة هى المستعبدة، وعلى وزارة الداخلية إصدار صكوك خنق الإبداع وإيقاف مصيره.. وحمدا لله أن بقيت زينب لنا، وأن كتب طه حسين أيامه رغم حياته مع الفرنسية، وأن قدم لنا عبدالرحمن الشرقاوى رائعته «الأرض» وهو نزيل الحجرة رقم 51 فى الهيلتون الذى لم تؤثر أجواء نعيمه ولا مياهه الساخنة والباردة في البانيو ولا رطن لغات ضيوفه الأجانب علي واقعية الأحداث فى طين بلدنا!!.. وأن الدكتور يوسف إدريس كتب «الحرام» عن شقاء عمال التراحيل من نافذة شقته على النيل.. وأن الراحلة فتحية العسال كتبت عن بلاء «سجن النساء» وهى في الهواء الطلق لتذهب هى وتتركنا نحن نتجرع بلاء المسلسل من رمضان اللى فات لرمضان اللى جاى علي الأبواب!!
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.