" درب سعادة " هو طريق ضيق خلف مديرية أمن القاهرة بباب الخلق يتفرع من شارع الأزهر وينتهى عند تحت الربع ، وقد وضعت المحليات لافتات خاطئة على أجزاء من الدرب باسم " درب السعادة " وينسب درب سعادة إلى " سعادة بن حيان "غلام الخليفة الفاطمى المعز لدين الله وحامل مظلته ، أرسله المعز إلى القاهرة عام 360ه تعزيزاً للقائد جوهر الصقلى فى حربه ضد القرامطة . وخرج جوهر لاستقباله استقبالاً حافلاً من أحد أبواب القاهرة من ناحية شارع الخليج المصرى ومن وقتها عرف الباب بباب سعادة وقد خرج سعادة بن حيان لحرب القرامطة فى الشام وهزم وعاد لمصر حيث توفى بها سنة 362 ه ودفن بتربه وموضعها حالياً بالجزء الجنوبى من مديرية أمن القاهرة بباب الخلق . حارة الوزيرية وتكشف " محيط " عن نابغة فى الآثار الإسلامية الباحث الهاوى " أبو العلا خليل " الذى جاب كل آثار مصر الإسلامية بالقاهرة التاريخية وسجلها بالصورة والمعلومة الموثقة وله باب باسم الفنون الإسلامية بمجلة "دنيا الطيران " التى توزعها الشركة للمسافرين وباب "كان زمان "بمجلة " الشرطة " وكاتب فى الآثار الإسلامية بمجلة " أخبار السياحة" وله مقالات عديدة بجريدة الوفد . ويذكر على مبارك فى الخطط التوفيقية "وشارع درب سعادة هو الذى سماه المقريزى بحارة الوزيرية نسبة الى الوزير يعقوب بن كلس لأن داره كانت بها وهى أول دار كانت للوزارة بالقاهرة". ويوضح أبو العلا خليل ل "محيط " حكاية دار الوزارة حيث بنى يعقوب بن كلس داراً كبيرة بدرب سعادة سميت دار الوزارة والحارة التى فيها عرفت بالوزيرية أيام الخليفه الفاطمى العزيز بالله وكان يعقوب بن كلس يهودياً من أهل العراق ولد ببغداد عام 318ه . وقدم الى مصر فى عهد كافور الإخشيدى عام 331ه فأعجب به كافور لما يتمتع به من فطنة وذكاء وأسلم وتعلم شرائع الإسلام ولكن سخط عليه كافور لطموحه الجامح فهرب إبن كلس من مصر وظهر فى المغرب حيث التحق بخدمة المعز لدين الله الفاطمى ، وبدأ يشجعه على الزحف إلى مصر ليسقط دولة الإخشيد فأرسل المعز جيشاً إلى مصر بقيادة جوهر الصقلى . وفى عام 362ه عاد إبن كلس إلى مصر مع موكب المعز لدين الله فولاه المعز الخراج وجميع وجوه المال وبعد وفاة المعز لدين الله وتولى ابنه وخليفته من بعده العزيز بالله زادت منزلة يعقوب إبن كلس وصارت إليه أمور الدولة والرعية وهو أول وزير للفاطميين ونصب فى داره الدواوين وجعل فيها خزائن الكتب والمال والدفاتر وألف كتباً عديدة فى القراءات والأديان وآداب الرسول . المعز يشتهى القراصيا ويروى أبو العلا خليل قصة إخلاص يعقوب بن كلس وزير الخليفة الفاطمى العزيز بالله أنه دخل عليه ذات مرة فرأه مهموماً فلما سأله عن السبب قال العزيزإنى أشتهى القراصيا وهذا موسمها فى دمشق ، فخرج إبن كلس وأرسل رسالة بالحمام الزاجل إلى الوالى هناك يطلب منه إرسال القراصيا على أجنحة الحمام الزاجل فجعل فى جناح كل حمامة حبة من القراصيا وكان الحمام بالمئات فلم تمضى ثلاثة أيام على حديث العزيز حتى وصل الحمام فجمع الوزير القراصيا فى طبق من ذهب وقدمه إلى الخليفة العزيز فسر بذلك ، وقال له مثلك من يخدم الملوك وفى عام 380ه توفى إبن كلس ، وكانت آخر كلماته فى حشرجة الموت "لايغلب الله غالب "وكفنه العزيز فى خمسين ثوباً منها ثلاثون مسرجة بالذهب وألحده بنفسه وأقام المأتم على قبره ثلاثين يوماً يقرأ فيها القرآن وكان عليه ستة عشر ألف دينار سددها عنه العزيز للدائنين على قبره . دار الوزارة ظلت دار الوزير يعقوب بن كلس بدرب سعادة سكناً للوزراء الفاطميين إلى أن جاء بدر الجمالى وزير الخليفه الفاطمى المستنصر بالله فهجرها ونزل بدار برجوان الخادم بحارة برجوان المطلة على شارع المعز لدين الله فاستغلت بعد ذلك دار الوزارة بدرب سعادة لنسج الحرير والديباج الذى كان يعمل لقصور الخلفاء الفاطميين ، وعرفت بدار الديباج وعرف الخط كله بخط الديباج بعد أن كان يعرف بالوزيرية ، ويذكر المقريزى فى الخطط "وبقى معروفا بخط الديباج إلى أن سكن هناك الوزير الصاحب صفى الدين عبد الله بن على بن شكر فى أيام العادل أبى بكر بن أيوب أخو صلاح الدين فصار يعرف بخط الصاحب " . المدرسة الفخرية و تجولت " محيط " فى درب سعادة بمرافقة الباحث أبو العلا خليل من جهة شارع الأزهر أثر رقم 180 لنشاهد الواجهة الرائعة للمدرسة الفخرية نسبة إلى منشئها الأمير فخر الدين أبو الفتح عثمان بن قزل البارومى استادار (وهو المتصرف فى أمر البيوت السلطانية من طعام وشراب) الملك الكامل محمد بن العادل الأيوبى سنة 622ه ، وبقيت المدرسة الفخرية عامرة مقامة الشعائر إلى أن بدأ الوهن يتطرق إليها ، وكادت أن تصبح أثراً بعد عين إلى أن سقطت منارة المسجد عام 849ه ، وصارت كوماً كبيراً من الرديم ومات على أثرها تحت الرديم فوق مائة نفس زمن السلطان الظاهر جقمق وقيض الله لهذه المدرسة الأمير الجمالى يوسف فعمرها عمارة حسنة لقربها من بيته وكتب عليها اسم السلطان الظاهر جقمق تقرباً اليه ومن ثم عرفت المدرسة الفخريه بمدرسة السلطان الظاهر جقمق . حارة الست بيرم تقع حارة الست بيرم أمام المدرسة الفخرية وعن هذه الحارة يذكر حسن قاسم فى المزارات الإسلامية وبنهاية حارة الست بيرم توجد بقايا من زاوية معروفة بوقف الست بيرم وتاريخ إنشائها يقع بأسكفة بابها وورد فيه أنها أنشئت سنة 1169ه ، وعن هذه الحارة يحدثنا أيضا على مبارك فى الخطط التوفيقية عطفة الست بيرم ليست نافذة وعرفت بذلك لأن بآخرها زاوية تعرف بزاوية الست بيرم بنيت فى محل المدرسة الصاحبية وفى سنة 758ه جددها القاضى علم الدين إبراهيم وجعل بها منبراً وخطبة ثم تخربت وبقى منها قبة فيها قبر منشئها ، ويوجد إلى الآن قبر الصاحب بن شكر خلف الزاوية وله شباك مشرف على الشارع وتوفى الصاحب بن شكر سنة 622ه وبنيت المدرسة الصاحبية محل دار الوزير يعقوب بن كلس وبها كان قبر يعقون بن كلس ذاته . مدرسة الأمير أسنبغا بن بكتمر ومن حارة الست بيرم واصلنا السير بدرب سعادة مع أبو العلا خليل إلى مدرسة الأمير أسنبغا بن بكتمر البوبكرى والمؤرخة بعام 772ه 1370م على عهد السلطان المملوكى شعبان بن حسين ووقفها على الفقهاء الحنفية وبنى بجانبها حوض ماء للسبيل وسقاية ومكتبة للأيتام وفى عام815ه جدد بهذه المدرسة منبرا للخطبة ، وصارت تقام فيها صلاة الجمعة وبذلك أصبحت مسجداً جامعاً . وفى عام 1271ه قامت والدة حسين بك بن العزيز محمد على بتجديد المسجد بعد ما آل إليه الخراب وبنى الأمير أسنبغا سبيل وحوض لشرب الدواب وكتاب لتعليم أيتام المسلمين والسبيل مكانه الآن حانوت ومازال يحتفظ بسقفه الخشبى الجميل المزخرف برسوم زيتية ويجاور السبيل حوض لشرب الدواب يتقدمه سياج خشبى مزخرف بطريقة الخرط ويعلوه لوحة كتب عليها بالخط الثلث النص التالى (جدد هذا الحوض المبارك فى عصر الخديوى الأفخم عباس حلمى الثانى ) ، ويعلو الحوض الكتاب وهو عبارة عن مشربية تبرز عن سمت حائط الكتاب وهى من أجمل المشربيات والمشربية محمولة على خمسة كوابيل من الخشب ولها نوافذ من الحشوات المجمعة غاية فى الرقة والجمال وتنتهى المشربية بمظلة من الخشب تعرف بالرفرف لحماية الكتاب من شمس الصيف ومطر الشتاء . سبيل وكتاب عبد الباقى الطوبجى وتستمر رحلتنا بدرب سعادة مع أبو العلا خليل إلى مسجد الأمير بيبرس بن عبد الله السيفى الخياط والمؤرخ بعام 921ه 1515م وكان بيبرس من أقارب السلطان الغورى وكان يعمل خياطاً له ومن ثم عرف بيبرس الخياط .وفى عام 922ه خرج بيبرس الخياط مع السلطان الغورى لملاقاة السلطان العثمانى سليم الأول فى مرج دابق بالشام وفيها قتل السلطان الغورى وقريبه الأمير بيبرس الخياط . وعلى ناصية حارة المنجلة بدرب سعادة أقام الأمير عبد الباقى خير الدين الطوبجى عام 1088ه 1677م سبيلاً للعطشى من المارة الذين لايستطيعون شراء الماء من السقاة الذين يبيعونه فى الشوارع وجعل بأعلاه كتاباً لتعليم أبناء يتامى المسلمين "اثر رقم194" والطوبجى كلمة تركية وتعنى المدفعجى "طوب" بمعنى مدفع و "جى" أداة النسب فى التركية والطوبجية هى جزء من الجهاز العسكرى فى مصر ومهمتها الإشراف على مدافع القلعة وصيانتها . قبة حسام الدين طرنطاى وفى درب سعادة تقع قبة الأمير حسام الدين طرنطاى وقد بنى مدرسة وقبة ضريحية ليدفن بها وتهدمت المدرسة وبقيت القبه الضريحية "أثر رقم 590" وكان الأمير طرنطاى مملوكا للسلطان المنصور قلاوون ، كما بنى الأمير فيروز بن عبد الله الرومى الجركسى مسجدا عام 830ه 1426م "أثر رقم192" وكان فيروز ساقياً للسلطان الأشرف برسباى والساقى هو من يتولى سقى الشراب قبل السلطان خشية أن يكون مسموما ، وتوفى فيروز الساقى عام 848ه ودفن بمسجده بحارة المنجلة بدرب سعادة ليأنس بالأحياء ودعائهم بدلا من الدفن وسط الأموات . وفى درب سعادة أقام الأمير شمس الدين آق سنقر الفرقانى مسجده بجوار داره عام 676ه 1277م "أثر رقم 193 " وعن ذلك يذكر المقريزى فى الخطط ( وفى رابع جمادى الآخرة عام 676ه ، فتحت المدرسة التى أنشأها الأمير آق سنقر الفرقانى وقرر بها درس للطائفة الشافعية ودرس للطائفة الحنفية وفى عام 1080ه 1669م كان المسجد قد تهدم فأعاد بنائه من جديد على ما هو عليه مسجداً عثمانى الطراز والتخطيط الأمير محمد أغا الحبشلى أحد كبار العسكريين على عهد الوالى العثمانى على باشا قراقاس ومن ثم عرف بجامع محمد أغا .