صدر في القاهرة كتاب جديد للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" ، بعنوان "الفكر في مسار التجديد"، عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة. يعالج الكتاب الذي صدر في235 صفحة، قضايا فكرية وثقافية وحضارية، وموضوعات سياسية دولية، وشؤون اللغة والإعلام والتعليم، تحت العناوين التالية : نحو تجديد الفكر الإسلامي، وحركة التقريب بين المذاهب الإسلامية : مراجعات وتأملات، ونظرات تأصيلية في مفهومي الدولة وحقوق الإنسان في الفكر الإسلامي، والتعليم العالي والبحث العلمي في ظل المتغيرات الجارية، وأوروبا والعالم الإسلامي : العلاقة المرتبكة، والعالم الإسلامي والتحديات المعاصرة، ودور الإيسيسكو في تنمية الأمة، وحوار الثقافات وبناء نظام عالمي جديد، وتأملات معاصرة في سيرة مالك بن أنس إمام دار الهجرة، ورسالة الإعلام وصناعة المستقبل، وحاضر اللغة العربية . وفي مشاكل اللغة العربية: عرض للغة العربية في عصر العولمة، و صناعة الإسلاموفوبيا، وقراءة في الخريطة الفكرية للعالم، والثقافة في معترك العلاقات الدولية، وربيع الفكر الإسلامي، وتنميط الثقافة وقولبة الفكر، وصناعة المستقبل، ولماذا لا يفهم الغربُ العالمَ الإسلامي؟، وتحديث العالم الإسلامي، ورسالة الفكر الإنساني في عالم اليوم، ودورة حضارية إنسانية جديدة، والإسلام وأوروبا : تعزيز للتحالف الحضاري والتفاهم الديني. وخصص المؤلف المقدمة لتحليل الأوضاع الدولية من منظور حضاري واسع الأفق، فقال إن هذا الكتاب يصدر والعالم الإسلامي يضطرب ويضجّ بأحداث كأنها قطع الليل، ويجتاز مرحلة لم يسبق أن مرّ بها حتى في أحلك الظروف، حينما كانت غالبية البلدان الإسلامية تواجه الاستعمار الأوروبي الذي جثم على صدرها زمنًا طال في بعض منها، وقصر في بعض آخر، ولكنه في الجملة كان استعمارًا غاشمًا استنزف موارد العالم الإسلامي، وأذلّ شعوبه، وعاث فسادًا في مجتمعاته. ولكن على الرغم من قسوة تلك الظروف وشراسة الضربات التي كانت توجهها القوى الاستعمارية ضد الأمة، فإن جذوة الأمل والعزيمة والثقة في القدرات الذاتية للتحرر، ظلت متأججة ً متوهجة ً لم ينطفئ لها أوار. بحيث استطاعت دول العالم الإسلامي أن تقاوم، وأن تصمد، وأن تثبت في مواقعها، وأن تحافظ على تماسكها وعلى صلابة كيانها الداخلي ونسيجها الوطني، وأن تنتصر على القوى الاستعمارية الباغية ، وهذا ما نعبر عنه بروح الأمة التي بقيت حية نابضة بالحياة مقاومة ً للتحدي الاستعماري الذي كان يسعى إلى إضعاف هذه الروح وتعطيل مفعولها في شحذ الهمم، وحشد الطاقات، وتعبئة الشعوب لخوض معارك التحرير والاستقلال. وكتب يقول : "إن الخطر الداهم الذي يواجه العالم الإسلامي خلال هذه المرحلة، هو الضعف الذي أصاب روح الأمة، والوهن الذي لحق بالعزيمة، والضباب الذي غشي البصيرة، والاختلاف الذي أورث الفرقة والتناحر، مما كان له أقوى الأثر في الهزيمة النفسية التي هي أشدّ فتكًا بالروح من الهزيمة المادية، وأقوى بطشًا بإرادة الحياة والأمل والثقة بالمستقبل. إن هذا الوصف يعبر عن واقع الحال. ويكشف عن حقائق الأمور التي من مسؤولية المفكرين والكتاب والمشتغلين بالشأن العام والمهمومين بقضايا الأمة، أن يبادروا إلى الكشف عنها، وتبيانها للرأي العام، ولأولي الأمر على جميع مستويات المسئولية التي يتحملونها، حتى يكونوا على بينة من أمرها، ويأخذوا حذرهم منها، فلا يبالغون في الثقة فيما يقدم لهم من وعود، وفيما يقترح عليهم من حلول. وفيما يرسم لهم من مخططات يُدفعون دفعًا إلى الأخذ بها والعمل على تنفيذها". وأشار إلى أن العالم الإسلامي في هذه المرحلة يتعرض لحملات ضارية للنيل من قدراته، ولإفشال مخططاته واستراتيجياته الإنمائية في المجالات كافة، ولكسر شوكته، ولإضعاف مقوماته، ولإشغاله بالنزاعات المفتعلة، وبالصراعات المدبرة، وبالأزمات التي تفرض على شعوبه، وبالمشاكل العويصة التي يجد نفسه أمامها فاقدَ القدرة على معالجتها، حتى يظل خارج دوائر صنع القرارات التي تحدّد مصيره، ويفقد استقلالية قراره، ويتراجع إلى الوراء بينما أمم وشعوب أخرى تتقدم إلى الأمام في عالم لا يحترم إلا الأقوياء ذوي القدرات العالية على البناء والنماء وصنع التقدم والرخاء. وقال أيضًا : "لئن كان العالم الإسلامي غارقًا في مثل هذه الأزمات، مشتتَ الجهود، ممزقَ الصفوف، مضعضعَ الكيان، فإن الأمل في إصلاح الأوضاع، وتذليل الصعوبات، والتغلب على الأزمات، لا يزال متوهجًا مشعًا يملأ النفوس، ويفيض على القلوب، وينير العقول، ويقوّي العزائم. فلا تزال أمام الأمة الإسلامية مسالك ممهدة وطرق معبدة وآفاق مفتوحة، للانطلاق إلى رحاب التقدم والنهوض في الميادين كافة، إذا هي حزمت أمرها، ووحدت صفها، وحشدت قواها، وسعت سعيًا حثيثًا إلى أن تَتَضَافَرَ جهودها، وترتفع فوق النزعات العنصرية، وتتجاوز الخلافات الطائفية، وتنجو من غوائل الصراعات السياسية التي تقصم الظهر، وتمزق الكيان الإسلامي الكبير، وتستنزف القدرات، فتؤدي إلى ضياع الفرص لكسب رهان التنمية الشاملة المستدامة التي هي المشروع الحضاري الذي تجتمع حوله دول العالم الإسلامي". وأوضح أن هذه الصورة غير الواضحة المعالم للأمة الإسلامية، بكل ما تنطوي عليه من إيحاءات، وبما لها من انعكاسات على الحاضر والمستقبل، هي التي يستحضرها المفكرون الغيارى على دينهم وأمتهم، الحريصون على بناء المستقبل الآمن المستقر المزدهر، والساعون، كلّ من موقعه وفي المجال الذي يعمل فيه وبالوسيلة التي يتخذها، للخروج من ضيق المرحلة الحالية، إلى سعة المراحل المقبلة التي يريدون لها أن تكون أوفر نصيبًا من الاستقرار، وأوفَى حظًا من القدرة على العمل الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض، ومن القوة التي تبني ولا تهدم، وتجمع ولا تفرق، وتصنع التقدم في ميادين الحياة جميعًا. فهم، وكما يقدرون في قرارة أنفسهم، أمناء فكريون على حاضر الأمة وعلى مستقبلها، ووكلاء ثقافيون عنها، يذودون بأقلامهم عن مصالحها، ويردون عنها، بأفكارهم وبمواقفهم وباجتهاداتهم، ما يستهدفها من مخاطر، هي في عمقها وجوهرها نابعةٌ من أفكار منحرفة معتلة، ومن مواقف زائغة مختلة، ومن خطط سياسية بُنيت على توجّهات فكرية وثقافية ذات خلفيات عنصرية استعمارية، تصدر عن مركبات نقص تجاه الحضارة الإسلامية ذات النزعة الإنسانية والبعد الكوني. ومضى قائلا ً : "من خلال هذا المنظور الشمولي والرؤية النافذة إلى بواطن الأمور من زواياها المتعددة، انظر إلى أوضاع العالم الإسلامي، للوقوف على الحقائق، ورصد المتغيرات. وهو النهج الذي آليت على نفسي أن أسير عليه في جميع مؤلفاتي ودراساتي وأبحاثي، وأعتمد عليه في مواقفي الفكرية التي أتخذها، وفي آرائي السياسية التي أعبر عنها، بقدرٍ أحاول أن يكون متسماً بالموضوعية وبالتقدير المنصف للأمور على جميع مستوياتها. ومن موقعي الوظيفي، في العمل الميداني، وفي إطار اختصاصات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو-، لترجمة الأفكار والمشاريع والخطط والاستراتيجيات التي تعبر عن الإرادة الجماعية للعالم الإسلامي، إلى واقع معيش يساهم في تجديد البناء الحضاري للعالم الإسلامي، بالمفهوم الشامل للبناء على قواعد صحيحة، وبالمضمون العميق للحضارة التي تزدهر في ظلالها الحياة الإنسانية". وختم المؤلف الباحث الدكتور عبد العزيز التويجري المقدمة بقوله : "إذا كان هذا الكتاب يضم فصولا ً متعددة المواضيع التي تتناولها، متنوعة القضايا التي تبحثها، فإن القاسم المشترك الجامع بينها، هو فكرة تجديد البناء الحضاري للأمة الإسلامية. والتجديد له مجالات كثيرة، وله مستويات عديدة، فالتجديد لا يقتصر على مجال دون آخر، ولكنه ذو مفهوم بالغ العمق واسع الامتداد. ولهذا جاءت هذه الفصول معبرة عن مفهوم التنوّع المترابط. ولقد حرصت على أن يضم هذا الكتاب بحوثًا ودراسات ونصوص محاضرات كتبتها خلال الفترة الأخيرة في مناسبات متعددة، تدور حول قضايا تشغل النخب الفكرية والعلمية والثقافية في العالم الإسلامي، بل بعضها يهمّ المجتمع الدولي برمته، وهي قضايا بالغة الأهمية، تتصل جميعُها دون استثناء بحاضر العالم الإسلامي وبمستقبله، على مستويات عديدة ومن وجوه مختلفة، أقدمها للقارئ، في هذا الكتاب أداءاً لأمانة الفكر ولمسؤولية القلم، مؤملا ً أن تنهض أمتنا من كبوتها، ويلتئم شملها، ولتنطلق نحو آفاق الحرية والكرامة والقوة والقدرة على العطاء، للإسهام في تجديد الحضارة الإنسانية وترشيد مسيرتها".