ليلة كاشفة جمعت الأديب الأردني إبراهيم نصر الله بقرائه ، وقد عرف صاحب "الملهاة الفلسطينية" كيف يكون عبء جمع شهادات الضحايا والسعي لتحريرها من سطوة الفهم العام للحكاية الفلسطينية . يرى نصر الله أن مشكلة الروائيين الفلسطينيين أن الموضوعات الكبرى دائما مؤجلة، فكثير من الكتّاب يمتنعون عن الكتابة عن فلسطين بحجة الانتظار إلى نضج القضية الفلسطينية على الرغم من مرور أكثر من ستين عاما على بدء معاناة شعب فلسطين. وواصل حديثه ضمن محور الشهادات بملتقى القاهرة السادس للرواية العربية، مؤكدا بأن كثرة البحث في التاريخ الفلسطينى قد بينت زيف بعض المسلمات التي يعتقدها الشعب الفلسطينى، مثل "فوزى القاوقجى" أحد قادة ثورة 1936 الفلسطينية، "اكتشفت من خلال البحث أن القاوقجى هو إحدى الشخصيات المتآمرة على فلسطين! يعتبر الروائي أن الأدب هو "الكتاب المقدس الثالث للفلسطنيين"، فهو تاريخهم وحاضرهم، والمعبر الأول عن آلامهم. ورفض الطرح الذي قدمه الروائي اللبناني رشيد الضعيف بأن تأثير الرواية على الشعوب "غير ملموس" قائلا أن "رجال في الشمس" لا تزال نبراسا يستلهم الفلسطينيون منه معاني قضيتهم، والأدب بشكل عام بلور هوية الفلسطينيين وخلق الوعي وهو العنصر الأهم لتحرير الأرض. فإذا ما انتزعت الرواية والشعر والمسرح من فلسطين فسوف يتحول الجميع لبالونات هواء لا معنى لها . ويستعيد كتابته للملهاة بقوله : بدأت مشروع الملهاة الفلسطينية عام 1984، أي بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، وأتذكر حينها أني بالصدفة قرأت جملة القائد الصهويني بن غوريون عن الفلسطينين (سيموت كبارهم وينسى صغارهم)، هذه الجملة جعلتني اتلفت حولي، وبالفعل رأيت كثيرًا من كبار السن يرحلون ومعهم ذاكرة فلسطين، لذلك قمت بجمع شهادات من كبار السن، بعدها راودني طموح أن أكتب رواية واحدة، كنت شخصيًا احتاجها لأني كنت أبحث عنها ولا أجدها، فكتبت "طيور الحذر". كتابتي لهذه الرواية ضاعف احساسي بالمسؤولية لأني لم أعش هذا الزمن التي تدور فيه أحداث الرواية، فقد ولدت بعد 6 سنوات من النكبة الفلسطينية، وفي اعتقادي أنه كان يمكن أن يكتب هذه الرواية أحد أدبائنا الفلسطينيين كغسان كنفاني لأن مساره الروائي ورؤيته تسعى وتعمل في هذا الاتجاه، لكن لم يحدث. عند الشروع في كتابة الرواية الثانية "زمن الخيول البيضاء" كان معي ذاكرة جاهزة، وهي الشهادات التي جمعتها من كبار السن، لكنها كانت ذاكرة واحدة مشتركة، حينها قررت كتابة رواية أفاجأ بها من يظن أنه يعرف فلسطين بأنه لا يعرفها، وعملت عليها طويلًا سوا بالتحضير المباشر أو المتاني بكتابة الملاحظات، وكان الأمر بالنسبة لي شديد الصعوبة لأن حين تكتب عن فلسطين فأنت تكتب عن تاريخ تم تزويره تمامًا. وتوالت كتابة روايات السلسلة حتى وصلت إلى "قناديل ملك الجليل"، وتناولت فيها أحداث القرن السابع عشر، والدور البطولي الذي لعبة القائد الفلسطيني "ظاهر العمر الزيداني"، الذي ثار على الحكم التركي وسعيه لإقامة أول كيان سياسي وطني قومي حديث في فلسطين، وأول كيان قومي في الشرق العربي، هذا القائد الفريد الذي امتدت حدود دولته من فلسطين إلى كثير من المناطق خارجها، وبذلك انتهيت من سلسلة الملهاة. وردا على تساؤل أحد الحضور ، قال "نصر الله" أن الروائي يكون حساسا حينما يستخدم اللغة في روايته، ففي "براري الحمى" وهي إحدى أشهر رواياته استخدم لغة عالية لأن الحدث يدور بداخل الشخصيات وليس خارجها، والبيئة صحراوية وعادة نقول أن الغابات والصحاري تولد الأسطورة.