مصرنا الغالية تتعرض لمجموعة من الهجمات والمحاولات تريد النيل منها ومن أبنائها ومن استقرارها، خاصة مع اقترابها لاستكمال خارطة الطريق، فكلما اقتربنا من النهاية أصبح الهجوم أشد ضراوة، وأصبح عدونا لا يتورع عن استخدام كافة السبل غير المشروعة لهدم مشروعنا وبنياننا، وهذا يضعنا أمام مسئولية دعم الوطن والوقوف خلفه صفًّا واحدًا فيما يواجهه من أخطار وتحديات كبيرة، لأنه لا يوجد خطر أشد على الأمم من الفرقة والاختلاف في وقت ينبغي فيه أن نجابه عدونَا صفًّا واحدًا مصداقًا لقول الله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا». وهذا يضعنا أمام مهمة غاية في الأهمية وهي ضرورة تماسك الجبهة الداخلة وتوحدها ضد الأخطار التي تحدق بالمجتمع، لأنه في أوقات الأزمات والصراعات والمحن لا ينبغي إهدار الجهد في الخلافات التي لا طائل من ورائها، بل يتحتم على أبناء الأمة التوحد ونبذ الفرقة، وتقديم مصلحة الأمة على ما سواها، وتقوية روابط الاتحاد بينها؛ إذ إن مآلَ التنازع والفرقة هو الضعفُ والهوانُ وجلبُ الشرور قال تعالى: «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»؛ ولعلنا فيما نواجهه اليوم من استشراء داء عضال في جسد الأمة- وهو هذا الإرهاب الأسود- أحوج ما نكون إلى تلك الوحدة، لدرء هذا الخطر عن الأمة والقضاء عليه بكل طريقة حتى لا يصل أذاه إلى باقي أجزاء الجسد. والإسلام لم يكتف بإلزام الأفراد بمسئولياتهم تجاه أسرهم ومجتمعاتهم بل أكد إلزامه المجتمع أيضًا بمسئوليته تجاه أفراده؛ حيث إنه لا انفصال ولا انفصام بين هاتين المسئوليتين، وغياب أو انعدام المسئولية من الطرفين يؤدِّى إلى اختلال التوازن فى الحياة، بسبب ضمور أو انحسار التفاعل بين طرفى المسئولية وهما الفرد والمجتمع؛ مما يعكس انحرافات في السلوكيات يترتب عليها القيام بأعمال غير مسئولة، بل على الجميع أن يسعى لتحقيق قول الله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». فلا يجوز للمسلم أن يتسبب فى إضرار نفسه أو إلحاق الضرر بالآخرين أو بالبيئة أو بالمجتمع، في سبيل تحقيق أهدافه الضيقة وهذا هو لب ما نذهب إليه في ضرورة توحدنا لحماية وطننا. التماسك بين أبناء الوطن الواحد أمر مهم لا يقل معه في الأهمية الضرب على يد المفسدين لمنعهم من تخريب الوطن وإسقاطه، وليس بعيدًا عن البعض حديث السفينة، الذى يرويه النُّعمان بن بشيرٍ رضى الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا». فهذا الحديث قد جمع بين ثناياه أهم معاني المسئولية المشتركة التي ينبغي أن نكون عليها، تلك المسئولية التي تحرص على المصلحة العامة أشد الحرص، تلك المسئولية التي تنظم العلاقة بين البشر على اختلاف درجاتهم بميزان العدل الذي لا يحيف على حق أحد. ولعلنا نخلص من هذا الحديث الشريف بالدروس والعبر المستفادة كي نستلهم من هذا الهدي النبوي الشريف المعاني والعبر التي تتمثل في تركيز الإسلام على المسئولية الجماعية وضرورة التماسك في وجه الأخطار التي تهدد المجتمعات، فلقد دعا الإسلام إلى العمل الإيجابي ورفضه لأي عمل سلبي. والتشبيه بالسفينة يضعنا أمام حقيقة قد تغيب عنا أحيانًا وهي أننا جميعًا في مركب واحد، وهذا المركب هو الوطن، الأمر الذي يقتضي تحديد المصالح العامة والقيم الضامنة والمسئوليات الشاملة. الوطن يحتاج منا العمل والبناء لأن المهمة التي خلق الإنسان لأجلها هي إعمار الأرض، فقد تواترت الآيات والأحاديث على ذلك ودلت على أن الإنسان لا بد أن يكون مفتاحًا لكل خير، مغلاقًا لكل شر، مما يستوجب التعاون والتراحم مع كل الناس مسلمين وغيرهم، ومع المسلمين بعضهم ببعض، يقول الله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا». وإذا كانت الدولة قد دخلت في صراع مع هؤلاء الذين يفسدون في الأرض بالقتل والإرهاب، فنحن كعلماء لا بد أن نكون على خط المواجهة، ومحاربة أفكار هؤلاء المفسدين بالحجج وبيان فكرهم السقيم لعموم الأمة، حتى لا يقع المزيد من أبنائنا في براثن هؤلاء الذين آثروا الصدام مع المجتمع على أن يشاركوا في البناء، وهذا هو جوهر فكرهم الذي يعبر عن انحراف فكري لديهم، والذي بدوره يسبب لهم حالة نفور وصدام مع المجتمع ورفض التعايش السلمي، وعلينا التأكيد على حرمة الصدام وضرورة استبداله بالتعاون الذي يضمن سلامة الأمة وعمارة الأرض يقول تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». نقلا عن " الاهرام" المصرية