كشف الباحث الآثرى مصطفى أحمد عبد الفتاح مدير عام ترميم منطقة سقارة ودهشور واللشت والمشرف على أعمال الترميم بالهرم المدرج لموقع "محيط" أن خبايا وأسرار أعمال الترميم التى تجرى حالياً بهرم سقارة وقد ألقى محاضرة عن هرم زوسر بالملتقى العلمى الأول لترميم وصيانة الآثار " الآثار الحجرية بين التلف والصيانة " الذى انعقد مؤخرا بمدرسة ترميم الآثار بمدينة نصر بحضور الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار. وتعتبر سقارة جزءاً رئيسياً من جبانة منف والتى تمتد حوالى 80 كم من أبو رواش شمالا وحتى ميدوم جنوبا ولقد اشتقت اسمها من المعبود سوكر "معبود الجبانة"، ولقد أسس القدماء المصريين مقابرهم بهذه الجبانة حتى قبل بناء هرم زوسر مؤسس الأسرة الثالثة و لقد ذكرت المصادر التاريخية أن مقابر خمسة ملوك من الأسرة الثانية على الأقل قد أسسوا مقابرهم بالقرب من الهرم المدرج، ولقد خضعت سقارة منذ منتصف القرن التاسع عشر للكثير من عمليات الكشف الأثرى من خلال البعثات الأثرية من مختلف الدول باحثين عن مقابرملوك المصريين القدماء والذين ركزوا اهتماماتهم على المنطقة الواقعة شرق وجنوب وشمال الهرم المدرج. هرم زوسر يؤكد مصطفى عبد الفتاح أن الهرم المدرج هو العنصر الرئيسى فى المجموعة، وقد بناه المهندس ايمحتب للملك نثرخت والذى عرف فى الدولة الوسطى باسم زوسر والهرم عبارة عن بناء؛ يتكون من جزأين الأول يعلو سطح الأرض وهو عبارة عن بناء مصمت من الحجر الجيرى ويتكون من ست مصاطب يعلو بعضها البعض وتتناقص كلما ارتفعنا وله قاعدة مستطيلة 125م من الشرق إلى الغرب 109م من الشمال إلى الجنوب على خلاف كافة الأهرامات المصرية التى شيدت على قواعد مربعة وبارتفاع يصل إلى 62م وتميل كل حوائطه للداخل لزيادة الاتزان الإنشائى للهرم، وتم بناء الهرم. وقد أكد المهندس الفرنسى جان فيليب لوير ما أكده الباحثيين المصريين المرافقين لعملية الترميم أن الهرم أسس على عدة مراحل ولم يقصد منه بناء مصطبة تعلو الأخرى بل الصحيح هو أن كل المصاطب تبدأ من الأرض "المستوى صفر"، وليس من المصطبة التى تعلوها حيث تم تنفيذ العناصر التحت سطحية أولاً بدءاً من البئر الرئيسى واستمراراً بالممرات. وتم إنزال التابوت مجمعاً بالأخشاب على قواعد حجرية ليتمكن من نزع الأخشاب، وبدأ التنفيذ بالمرحلة الأولى وهى حفر البئر الرئيسى وحفر الممرات التى تلتقى مع البئر حتى الوصول لقاع البئر وحفر المستوى الثالث من الممرات، ثم المرحلة الثانية التى إما تمت متوازية مع الأولى أو بعدها وهى حفر 11 بئر بالناحية الشرقية تصل إلى الممرات الرابع والخامس. وكانت المرحلة الثالثة بناء مصطبة مربعة الشكل طول الضلع 63م بارتفاع 8م والتى زيدت فى المرحلة الرابعة من كل الجهات بحوالى 3م لتصبح مصطبة مربعة طول الضلع 69م، ثم فى المرحلة الخامسة زيدت من الناحية الشرقية بحوالى 9م لتصبح المصطبة مستطيلة حوالى 78م من الشرق إلى الغرب 69م من الشمال إلى الجنوب، ولعله كان الهدف من ذلك تغطية الآبار الإحدى عشر الخاصة بعائلة زوسر والتى كشف بها عن توابيت مرمرية وخشبية وأكثر من 40000 إناء من الأحجار مختلفة الأشكال والأحجام والمواد والتى يحمل بعضها أسماء بعض الملوك السابقين على زوسر. المرحلة السادسة يشير مصطفى عبد الفتاح إلى عدم العثور على اسم زوسر على الآنية المكتشفة والكثير منها كان محطما وهى آنية فخارية كان يحفظ بها الماء لتبريده وشربه، وفى المرحلة السادسة تمت زيادة هذه المصطبة من كافة الجهات 3م ورفعها لتصبح هرما رباعى الدرجات بقاعدة مستطيلة 84م من الشرق للغرب و 75م من الشمال للجنوب، وفى المرحلة السابعة تم زيادة الهرم المدرج رباعى الدرجات من الناحية الشمالية بمقدار 41م من الشرق للغرب و حوالى 34م من الشمال للجنوب ليصبح هرم سداسى الدرجات على قاعدة مستطيلة 125م طول ، 109م عرض بارتفاع 62م. ولعل التدرج في التنفيذ كان سببه قلق المهندس من وفاة الملك قبل إتمام العمل كما خطط له لذلك تم تنفيذه على مراحل بحيث يصلح عند كل مرحلة لاستقبال جسد الملك دون تشويه للشكل فبدأ بالمصطبة التقليدية الكبرى ومع طول عمر الملك وتوافر المواد الخام، انتقل إلى المرحلة الثانية وهكذا حتى انتهاء العمل أو قلق المهندس من عدم توافر المواد الخام او الاقتصاديات اللازمة للتنفيذ مما جعله ينفذ العمل على مراحل. بعثات الحفائر يلقى الباحث الآثارى مصطفى عبد الفتاح الضوء على بداية الاهتمام بالهرم المدرج الذى ظل مهملاً حتى بداية اهتمام الرحالة الغربيين بالآثار المصرية، وارتبط كغيره من الآثار بالحملة الفرنسية 1821 حيث دخل هنريخ كارل مينو الهرم المدرج من فتحة فى الممر الشمالى إلى أسفل الهرم المدرج، كما اكتشف برنج 1837 الصالة السفلية ووجد بها 30 مومياء من العصر المتأخر وبعد ذلك قام لبسيوس بتنظيم بعثة ألمانية إلا أن الأبحاث والكشف المنظم للهرم المدرج لم يبدأ إلا فى العشرينيات من القرن الماضى والتى بدأها العالم الإنجليزي سيسيل فيرث (1878- 1931) و انضم إليه المهندس الفرنسى جان فيليب لوير والذى ينسب إليه الفضل الكبير فى كافة المعلومات المتوافرة حول الهرم المدرج ونظرية بناءه، وهو أول من قام بعمليات حفائر يصحبها عمليات الترميم والاستكمال وإعادة البناء وهو الرجل الذى قضى حياته كلها فى الهرم المدرج. إنقاذ الهرم يشير مصطفى عبد الفتاح لهرم زوسر فى العصر الصاوى حيث أجريت أول أعمال ترميم للهرم عن طريق ملوك الأسرة السادسة والعشرين، والذى يعرف بالعصر الصاوى وشملت تدعيم البئر من الداخل للحفاظ عليه من الانهيار الداخلى وذلك بكتل الأخشاب وقد عثر على بقاياه عام 1985 تلتها حديثاً أعمال جان فيليب لوير الذى قدم دراسة عن الهرم المدرج من كافة النواحى الهندسية دارساً أسباب الإنهيار داخل و خارج الهرم، وقدم كراسة للبنود التى يحتاجها الهرم المدرج والتى عرضت بعد ذلك للمناقصة المحدودة وفاز بتنفيذ هذه المناقصة شركة مصرية وبدأ العمل وتنفيذ الإنقاذ 2006 وكان يتم تحديث دراسة ترميم الهرم مع العمل فى صورة عقود وعقود تكميلية. فريق العمل يوضح الباحث مصطفى عبد الفتاح أن الدكتور حسن فهمى وفريقه والعاملين بالمجلس الأعلى للآثار ركزوا مجهوداتهم فى البداية على فكرة التدعيم والترميم من عمليات التدعيم الأساسية، ومع بدء المشروع بدأت تظهر الكثير من الرؤى والأفكار الجديدة وكان أولها هى الحاجة للترميم والتدعيم بهدف افتتاح الهرم المدرج من الداخل للزوار والوصول للترميم النموذجى الكامل لكافة العناصر الداخلية، وكذلك العمليات اللازمة لتأمين الزائر أثناء زيارته للهرم من الداخل. وكان بالهرم من الداخل عديد من الانهيارات التى منعت الفريق من تحديد الكم بدقة وكانت أعمال الترميم الخارجية غير ممكنة مع استخدام السقالات البسيطة وذلك لارتفاع الهرم المتدرج حتى 62م وبالتالى كان من الضرورى توفير سقالة قوية متماسكة تستطيع تحمل العاملين ومستلزمات الترميم من أحجار ومونات وعاملين، ومع محاولة كشف مناطق الرديم لتركيب أرجل السقالات تبين أن الرديم مملوء بالكثير من قطع الأحجار مختلفة الحجم والمتساقطة من المصاطب العليا وتم بالفعل إزالة 4500 م3 من الرديم وهناك حاجة للكتل المتساقطة لاستخدامها فى عمليات التدعيم. طبيعة العمل كان الرديم يحتوى على نسبة عالية من المعادن الطينية الخطرة والتى تنتمى لعائلة السمكتيت وأخطرها المونتموريللينيت والأليت والكلوريت، وهى معادن انتفاشية تحتفظ بالماء مما يساهم فى إلحاق الضرر المباشر بالأحجار التى تعلوها مباشرة وكذلك تؤثر على أحجار الأرضية والتى تنتشر إلى الأحجار أسفلها والتى تمثل أعلى المصطبة التى تقع تحتها، وكانت هناك حاجة لحركة العاملين على المصاطب لعمل واستكمال أعمال الترميم وهنا كان من الداع إنشاء هذه السقالة والتى تم دراستها للواجهات الأربع وذلك بعمل نموذج فعلى بطول حوالى 20م بارتفاع 10م لمعرفة كمية الأخشاب اللازمة. مشروع الترميم والتدعيم أكد الباحث مصطفى عبد الفتاح لموقع "محيط" أن مشروع ترميم وتدعيم الهرم المدرج أخذ طريقين متوازيين تمثلا فى التعامل مع البناء السطحى والوحدات السطحية للهرم المدرج مع ترميم وتدعيم العناصر التحت سطحية من ممرات وآبار لتحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول إيقاف النزيف الحادث بأحجار الهرم والمونات والثانى تدعيم الأجزاء ذات الاتزان الإنشائى الحرج، ومن هنا تمثلت البنود التى تم العمل فيها فى عمليات ملو الفراغات بين كتل الأحجار المستخدمة فى البناء والممثلة لأحجار الهرم وذلك باستخدام المونات الطبيعية التى تتناسب طبيعة البناء، وكانت من الجير والرمال وأحيانا يضاف إليها بعض المكونات بهدف زيادة المرونة وتحملها لقوة الانضغاط مثل كسر الأحجار والكاولينيت النقى. وتم ذلك بالطرق اليدوية وعلى مراحل مع استخدام كتل الأحجار الصغيرة والتى تسمى الترابيس والتلابيس فى حالة الفجوات الكبيرة، وبالفعل تم تنفيذ 4665 م2 كما تم تثبيت الأحجار المقلقلة وهى التى فقدت ثباتها الإنشائى، ألا إنها ما زالت بمكانها حيث تم تثبيتها وإعادتها إلى وظيفتها الإنشائية والذى تم تنفيذه حوالى 500م2 الاتزان الإنشائى ويتابع مصطفى عبد الفتاح لموقع "محيط" بأن الصورة الثالثة اللازمة لتحقيق الاتزان الانشائى تمثلت فى ملئ الفجوات بالأحجار المناسبة من الأحجار المتساقطة بعد تسجيلها وتوثيقها وبيان الصالح منها لإعادة الاستخدام وتم بالفعل فرز وتصنيف 725 م3 من الأحجار المتساقطة من جميع الواجهات وحوالى 119 م3 من الممرات والآبار، وقد تم استخدام الأحجار المذكورة فى أعمال الترميم وتدعيم الفجوات بناءاً على الدراسات فى هذا الشأن. حيث تم استخدام حوالى 2274 م3 من الأحجار الجديدة التى تم اختيارها بناءاً على الخواص الفيزيائية والميكانيكية للأحجار الأثرية، كما كان يتم العمل بحماية نوعين من الأحجار وهى الأحجار شديدة التدهور والأحجار التى كشف عنها حديثاً حماية لها من الصدمة البيئية، وتم تنفيذ حوالى 3000م2 إضافة إلى حقن الهبوط المتواجد بالواجهة الجنوبية والذى تم الكشف عنه بعد التعامل الأثرى مع الرديم والدفنة حيث تم حقنه بحوالى 2000كجم. وتوازى العمل فى العناصر التحت سطحية حيث تم معالجة الضعف وعدم الاتزان الإنشائى بالممرات والتى تصل إلى خمسة مستويات تم تسميتها بالمستوى الأول، ويشمل المدخل الشمالى والجنوبى وهكذا حتى الخامس الذى يقع على عمق 40م من سطح الأرض، حيث تم اعتماد عمليات العلاج بحقن الإيبوكسى ذى السيولة المنخفضة عبر الشقوق والشروخ والانفصالات السطحية بكافة الأسقف، وذلك من خلال تقفيل الشروخ والشقوق والانفصالات بالمونات الطبيعية مع تزريع الخراطيم التى يحقن من خلالها. حيث تم الحقن بحوالي 6750كجم من الإيبوكسى مع تنفيذ التدعيم المؤقت بالجاكات المعدنية والهياكل المعدنية أو حتى بعمليات البناء وكل أسلوب حسب الظروف البيئية المحيطة ولتنفيذ الأعمال السابقة كان من الضرورى تنظيف الممرات والآبار، حيث تم تنظيف الممرات من الرديم وكتل الأحجار المنهارة والذى قدر بحوالى 725م3 شملت حوالى 119م3 من الأحجار الصالحة للاستخدام. ترميم البئر بخصوص ترميم البئر كما وضح مصطفى عبد الفتاح لموقع "محيط" فقد تم رفع الرديم منه والذى قدر ب 370م3 من الأتربة والمونات والأحجار وتم رفع الأخشاب المتهالكة ليظهر بالكامل التابوت الجرانيتى المكون من 32 كتلة من الجرانيت المنظمة فى شكل تابوت من أربعة مداميك 5,50م × 3,50× 5,50م والمحمول على 18 عمود بارتفاع متر مكون من عدة كتل من الحجر الجيرى، مع وجود بعض كتل الأخشاب وبالطبع كان يتم تدعيم التابوت أولا بأول مع كل إزالة للرديم، وتم الحقن أسفل التابوت بالمونات بعد ملو الفراغ باستخدام الرمال النقية المعبأة فى أكياس قماشية صغيرة وتقدر المونات المحقونة بحوالى 2000كجم. وكانت هناك كثير من الأراء والمقترحات المقدمة حول السقالة تم المناقشة حولها واختيار السقالة المعدنية المؤقتة وقد تم دراسة الأرضية قبل البدء فى تنفيذها والتأكد من عدم وجود أية فراغات وذلك باستخدام الفحص الرادارى وعليه تم تجهيز قواعد للسقالة لتستقر عليها، وعليه تم تركيب السقالة المعدنية فى ظروف صعبة من التشغيل والتى كانت مهددة لحياة العاملين نظراً لوجود أحجار تتساقط من السقف الغير متزن إنشائياً، وتم عمل ثلاث دمسات خشبية الأولى فوق التابوت لحمايته، والثانية فى مستوى المدخل الجنوبى والثالثة على بعد 2م من جوانب القبة الصخرية. وتم علاج القبة الصخرية بهدف إكسابها القوة التى تمكنها من تحمل ثقل الهرم المدرج أعلاها وذلك من خلال خطوات ثلاثة بناءاً على الرأى الهندسى والدراسات المرافقة وهى عمليات ملو العراميس بين كتل الأحجار لأعمق نقطة، والتى وصلت إلى 50سم باستخدام الجير المعالج، بناءاً على دراسة تجريبة بين المونات الجيرية التقليدية والجير المعالج عمليات تركيب الأنكورز وبناءاً على الدراسة تم الاتفاق على استخدام الأنكورز الصلب الموجود داخل جراب مطاطى وذلك بتجهيز فراغ دائرى بقطر 5سم وطول 350 سم وذلك لتركيب أنكورز بطول 350سم بقطر 2سم مع حقن الجراب بالجراوت باستخدام آلة الحقن بقوة 2بار. وكان عدد البارات التى تم تنفيذها حتى الآن 270 أنكورز والمرحلة الثالثة هى الحقن بالمونات الطبيعية حتى عمق 150سم من خلال الخراطيم المزروعة بهدف تكوين قبة صخرية طبيعية من الأحجار والمونات والأنكورز، وتم تنفيذ المقترح بتفاصيله شركة سنتيك الإنجليزية من خلال شركة الشوربجى المصرية.