ستحيي كل من بريطانياوفرنسا - بعد أقل من عامين من اليوم - الذكرى المئوية الأولى لتقسيم الوطن العربي - الذي ظل موحدا تحت مظلة الدولة العثمانية - بناء على استشارة قدمها الدبلوماسيان جورج بيكو الفرنسي ومارك سايس الانجليزي في نوفمبر 2015 والتي أفضت الى اتفاقية التقسيم بين باريس ولندن عرفت باتفاقية ( سايكس – بيكو ) في ماي 1916 الهدف منها انشاء ثلاث مناطق نفوذ للدولتين المتحالفتين ضد الألمان في الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) . مناطق النفوذ الثلاث التي كرست التجزئة بين السكان العرب مهدت الطريق لشخص يسمى ( جيمس بلفور ) كي يعد اليهود بموطن لهم داخل الرقعة المقسمة هو نفسه ( فلسطين الشريف ) الذي تحول خلال قرن من الزمن الى قضية محورية ولكنها زادت في تقسيم الرأي الرسمي العربي أكثر خلال قرن من الزمن يوشك أن ينتهي على تقسيمات أخرى خاصة وأن مشهد تقسيم السودان بات واقعا بعد أن كان مستبعدا إبان سبعينات القرن الماضي ، فهل نحن مقبلون على فصل جديد من فصول ( اتفاقية سايكس بيكو ) العام 2016 ؟ إشارات تتجدد كل عشر سنوات ما شهدته منطقة شمال افريقيا خلال قرن ويشهده الآن الاقليم الليبي ، وما تشهده حاليا افريقيا العربية من أحداث الى جانب الحراك الذي أعقب سقوط الاتحاد السوفيتي في كل من العراقوفلسطين وما يجري حاليا على أرض الشام الخصيب ينذر بتقسيم جديد بصيغة هي أقرب لاتفاقية سايكس بيكو نستطيع أن نسميها ( سايس بيكو 2 ) . حقيقة ، تختلف احداثيات المشهد بين 1916 و 2016 أي بين هدف هزم روسيا في الحرب و إسقاط الدولة العثمانية لاعادة توطين اليهود حوالي القدس من جهة وهدف ( محاربة الارهاب ) وحماية الأقليات المذهبية من جهة ثانية ، وتختلف الاحداثيات أيضا بين اتفاقية في السر و خطط في العلن ، إلا أن تقسيم السودان بتلك السرعة والتخطيط يعطينا إشارات قوية في المستقبل الى أن اتجاهات العالم تتجدد كل عشر سنوات و بشكل راديكالي كل مائة عام . تواريخ لها معنى نرى النوع الأول من الاتجاهات حاضرا في الذاكرة العربية بكل وضوح بين عامين مهمين هما 1916 تاريخ اعلان الشريف حسين ( أمير مكة ) الثورة العربية ضد الاتحاديين الأتراك ما مهد الطريق لتحقيق اتفاقية تقسيم الوطن العربي ( سايس- بيكو ) و 2006 تاريخ عرض مشروع قانون ( الحكم الذاتي ) الخاص بالمحافظات العراقية . وبين التاريخين تواريخ أخرى لا تقل أهمية حدث فيها تشكيل جديد للاتجاهات العامة في الوطن العربي مثل العام 1936 الذي شهد اندلاع ثورة فلسطين ( 1936- 1938 ) حيث ثار أهالي الأراضي المحتلة على تقاعس العرب في تحرير أرض المقدس ، ثم العام 1956 الذي أرخ للعدوان الثلاثي ( بريطانيا – فرنسا – الكيان الصهيوني ) على جمهورية مصر ، 1965 الذي أرخ لاصدار الاحتلال قانون الاستيلاء على الأوقاف الفلسطينية ، 1975 الذي أرخ لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية والتي زادت من تفاقم الأثر الديني الطائفي في تقسيم الشارع العربي ، 1986 الذي أرخ لاندلاع الحرب الأهلية جنوبي اليمن السعيد بين أنصار الرئيس عبد الفتاح اسماعيل ورئيس الحكومة علي ناصر محمد . عود على بدء إذا صحت المقاربة وأن العالم العربي لايزال ساحة اختبار نجاعة السياسات الدولية في تشكيل خارطة المشرق فإن التاريخ سيعد فصلا آخرا من فصول التقسيم آفاق العام 2016 إذا لم يجسد واضعو السياسات في وطننا العربي حس اليقظة الاستراتيجية وينقلوه للجيل الجديد الناشئ في عالم المعلومات والاتصال . لقد قسم السودان وهو مخزون افريقيا من الغذاء ، وقسم المشرق العربي وهو خزان العالم من الطاقة ، وجرى تقسيم العراق لأنه خزان الشرق من المعرفة ، ويجري تقسيم الشام لأنه خزان العرب من الماء ، فعلى أي بلد عربي الدور القادم يا ترى ؟ [email protected]