صحوة غير مسبوقة وبخطى واسعة، تعلنها الدولة فى كل اتجاه وفى كل مكان، وخطاب قوى فى الداخل والخارج يحمل دعوة جادة وصادقة نحو بناء مصر الحديثة قوية وقادرة، على حماية أبنائها ورعاية حقوقهم وتحقيق طموحاتهم، وتأكيد قدرتها على حماية أمنها.. وبناء اقتصادها، لكن ذلك كله لن يتحقق بالشعارات ولا بالكلام ولا يكفى له حسن النيات.. وإنما يلزمه رؤية واضحة وعمل جماعى وجاد وعزيمة صادقة لا تلين، لا تقبل وهناً أو ضعفاً أو اختراقاً.وتسير الحكومة فى ذات الاتجاه وزيادة، فتدعو كل يوم صباح مساء، وبجدية بالغة إلى زيادة الاستثمار وفتح آفاق التنمية، وتستبشر خيراً بالمؤتمر الاقتصادى فى مارس القادم بشرم الشيخ، يحضره معظم الدول الكبرى وكبار الشركات والمستثمرين للحضور والمشاركة، وعزمها على اصدار قانون جديد لضمانات وحوافز الاستثمار، يعمل على إزالة المعوقات وتشجيع مناخ الاستثمار، وهى فى سبيل ذلك تصدر التشريعات وتشكل اللجان لتسوية المنازعات واحترام العقود، لكن أرجو الانتباه، فعلى الحكومة أن تدرك أن هناك كثيراً من المعوقات والبيروقراطية والخوف مازالت قائمة لدى مسئولين كبار من بينهم الوزراء ونوابهم ومن دونهم، يقفون فى حالة سكون مصحوبة بالخوف.. وكأنهم يسيرون فى اتجاه معاكس، هؤلاء وغيرهم كثيرون ، من شأنهم أن يقفوا فى الطريق عقبة فى تحقيق تلك الأهداف. فالتشريعات وحدها لا تحل المشاكل، وتشكيل اللجان أو كثرتها لا تفض المنازعات، بل الأهم من هذا وذاك ، أولئك الذين يقفون مكتوفى الأيدى خوفاً أو فزعاً من تحمل المسئولية، وهم فى ذات الوقت مسئولون كبار عن حل المنازعات وإيجاد طرق للتسيير، والتعامل بحسن نية، واتخاذ القرار بعيداً عن التردد والخوف.. مهما يكن مصدره أو سببه حتى ولو كان جلداً إعلامياً مقصوداً أو جائراً!! فمن يصدق أن الدولة عن بكرة أبيها، تدعو كل يوم وبجدية بالغة، إلى زيادة الاستثمار وفتح الآفاق والتنمية وإزالة العقبات والمعوقات كل ذلك لمصلحة البلاد، وتستبشر بنتائج المؤتمر الأقتصادى الدولى فى مارس القادم لبناء مصر الحديثة ، وأكد الرئيس فى مؤتمر أبو ظبى يوم الأحد الماضى 18 يناير بتسوية جميع المنازعات بالطرق الودية وأمام المستثمرين وإزالة المعوقات والبيروقراطية، والتزام الدولة بتعهداتها. والدولة فى سبيل ذلك تؤكد فض منازعات المستثمرين القائمة أو المستقبلة.. وعدلت التشريعات لمواجهة آثار الماضى.. وحاولت احياء النصوص القديمة التى وجدت منذ صدور قانون ضمانات وحوافز الاستثمار عام 1997 لتبعث فيها الحياة، وشكلت لجان التسويات منازعات المستثمرين وأضافت المواد 7 مكرر.. و66 مكرر منذ عام 2013، وأصبح لدينا لجان تسوية المنازعات بهيئة الاستثمار.. والمجموعة الوزارية لفض المنازعات برئاسة وزير العدل.. ولجنة لتسوية عقود المستثمرين برئاسة رئيس الوزراء. لكن المفاجأة المذهلة التى قد تكون غائبة عن الحكومة ذاتها، أن كل هذه اللجان الوزارية المشكلة لفض منازعات المستثمرين، تنتظر نتائج ورأى اللجان الإدارية المنعقدة بالهيئات أو المصالح والمحافظات والوزارات المعنية ذات الشأن فى المنازعات، هذه اللجان الحكومية بموظيفها الكبار يقسمون بالإيمان المغلظة، أنهم لن يوقعوا ورقة ولن يصدروا قراراً.. ولن يبدوا رأياً.. حتى ولو كان يرأسها الوزير، بل حتى لو كان ذلك الموقف يخالف قرار مجلس الوزراء مجتمعاً وكأنهم يسيرون عكس الإتجاه، وهذه اللجان المشكلة من الموظفين الكبار بالوزارات والهيئات، يحتجون بالماضى القريب من تحقيقات وتهديدات وخوف وبطش وسابقة صدور قرارات المنع من السفر والمنع من التصرف ضدهم، ويرون فى ذلك كله أنها كانت إجراءات أتهامية عقابية أخذاً بسوء النية والغش والتواطؤ.. لهذا فهم يؤثرون السلامة ويصرون على السير وراء من «خاف سلم».. ومن لا يعمل لا يخطئ ، وتظل أعمالهم ساكنة.. لا تُنهى خلافا ولا تبدى رأياً. ويمضى الزمن.. وتستمر التصريحات والتأكيدات على أن عهداً جديداً قد بدأ فى البلاد بالقضاء على الروتين وتسوية المنازعات.. وتحفيز الاستثمار من أجل التنمية فى البلاد، خاصة ما تردد فى بعض المؤتمرات أن مصر تحتل المرتبة رقم 135 فى حماية المستثمر، والمرتبة رقم 152فى مصداقية العقود ، وكلتاهما مرتبة متأخرة فى التنمية وتشجيع الاستثمار، وهذا الخوف والتردد وعدم اتخاذ القرار فى منازعات الاستثمار قد امتد من المنازعات الداخلية إلى المنازعات التى اتجهت إلى هيئات التحكيم فى الخارج، فكثير من المستثمرين ممن لجأوا إلى التحكيمات فى الخارج، يطالبون فيها بتعويضات ضخمة ضد الحكومة، ويعلنون الآن عن نيتهم فى التصالح والتنازل.. ويرحب خبراء ومستشارو التحكيمات من رجال القضاء بأن التسوية المعروضة فى مصلحة مصر .. لكن المشكلة تعود بنا مرة أخرى إلى من يأخذ مبادرة الموافقة أو الاتفاق أو القرار أو حتى لو فى نطاق إبداء الرأى، ويظل عرض التصالح كلام فى الهواء، وتظل اللجان بدءاً من تسوية المنازعات أو المجموعة الوزارية أو تسوية عقود الاستثمار برئاسة رئيس الوزراء.. فى حالة سكون فى انتظار آراء اللجان الحكومية التى تصر على أنها لن توقع على ورقة أو تبدى رأياً فى أى نزاع!! ولن تُنهى حالة الجمود هذه التشريعات القائمة أو المزمع صدورها أو تشكيل اللجان، وتظل الدعوة لبناء الدولة.. وأقامة أقتصاد قوى وتسوية منازعات الإستثمار ، وكل ما يطلق من تصريحات جادة ، كل ذلك يظل معلقاً على إزالة تلك المعوقات والإطاحة بالروتين ونزع الخوف من المسئولين وتضميد جراح الماضى ولو بضخ دماء جديدة قادرة على تحمل المسئولية خالية من أمراض الخوف والتردد والسلبية، كل ذلك يتطلب حلاً عاجلاً .. وناجزاً .. وعلى حضرة الحكومة الانتباه واتخاذ المبادرة لتحمل المسئولية والانطلاق .. قبل فوات الأوان !! نقلا عن " الاهرام" المصرية