4 جوانب مشتركة من شأنها أن تطرح وضعية مقارنة بين ما تعيشه الكونغو الديمقراطية، حاليا، من احتجاجات، وبين الوضع نفسه الذي شهدته بوركينا فاسو، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي اتّسم بحراك شعبي سرعان ما تحوّل إلى انتفاضة أطاحت بالرئيس البوركيني "بليز كمباوري"، لتدخل البلاد الطور الانتقالي. تقارب على مستوى إحداثيات المشهد العام بن البلدين، غير أنّه لا يشرّع لفرضية استنساخ التجربة البوركينية، نظرا لتميّز السياق الكونغولي بخصوصية مختلفة ترتكز بدورها على 4 نقاط. وفيما يلي نقاط التشابه: 1)- رئيس متشبّث بالحكم رغم انتهاء فترته الرئاسية الدستورية: مشروع القانون الانتخابي والذي قد يتسبّب –في صورة اعتماده- في تأخير انتخابات 2016، إلى "سنوات عديدة"، بحسب المعارضة، يصبّ في صالح الرئيس الحالي "جوزيف كابيلا"، والذي يستنفذ، العام المقبل، آخر فتراته الرئاسية. وفي الوقت الذي تحتجّ فيه المعارضة، تتبنى الحكومة الكونغولية موقفا ترى من خلاله أنّ مشروع القانون الانتخابي القاضي بإجراء تعداد سكاني عام في البلاد قبل تنظيم الانتخابات، سيضمن، خلافا لما تروّج له المعارضة، انتخابات "حرّة وشاملة وشفافة". محاولة تمديد فترة بقاء الرئيس "كابيلا" في الحكم بطريقة غير مباشرة وقانونية، قابلها تمشيّ توخّاه الرئيس البوركيني حين أراد تعديل المادة الدستورية التي تقف عقبة أمام ترشّحه لولاية ثالثة. فلقد أراد "كمباوري" أن يتوخّى طريقة مباشرة ودستورية فيما يتعلّق بمسألة ترشّحه للانتخابات التالية. 2)- التوسّع الجغرافي للاحتجاجات: موجة الاحتجاجات التي اندلعت في العاصمة الكونغولية كنشاسا، في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، سرعان ما توسّعت لتشمل المناطق الشرقية للبلاد، وخصوصا مدينة "غوما" عاصمة مقاطعة شمال كيفو (شمال شرق)، إضافة إلى "بوكافو" (جنوب كيفو/ شمال شرق). توسّع سريع شبيه بسريان الاحتجاجات في مختلف المناطق البوركينية، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، منطلقة من العاصمة واغادوغو، مركز اندلاع الشرارة الأولى للمظاهرات. 3)- التوسّع النوعي للمظاهرات: التوسّع تجاوز بعده الجغرافي إلى النوعي، حيث شمل النخبة الجامعية والدينية. فالكنيسة الكاثوليكية كانت دعت، الأربعاء الماضي، كنشاسا إلى "وقف تقتيل شعبها"، لتتجدّد، في اليوم نفسه، الاحتجاجات بجامعة كنشاسا. النخمب ذاتها، أي الطلبة ورجال الدين، انتفضوا ضدّ نظام "كمباوري" في بوركينا فاسو عقب أزمة أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. 4)- إدانة دولية للعنف: في الوقت الذي أعربت فيه البعثة الأممية في الكونغو الديمقراطية عن خشيتها من "ارتفاع الخسائر في الأرواح البشرية"، تواترت الدعوات إلى "ضبط النفس" من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وهي الجهات ذاتها التي تبنّت نفس المواقف خلال الانتفاضة البوركينية. ورغم مواطن التشابه بين المشهدين البوركيني والكونغولي، إلاّ أنّ الخصوصية التي تميّز الوضع في البلد الأخير من شأنها أن تحول دون استنساخ السيناريو البوركيني. 1)- النظام الكونغولي فريسة للتمرّد: الملابسات التي تحفّ بالكونغو الديمقراطية، خلافا لبوركينا فاسو، والتي تشمل بالخصوص وقوعها، منذ سنوات، تحت وطأة أعمال العنف التي تقودها المجموعات المسلّحة مثل "تحالف القوى الديمقراطية" أو المتمرّدون الأوغنديون، وغيرها، في مقاطعة شمال كيفو، تحدّ أو تقلّص من ميل سكان هذه المنطقة إلى الانخراط في احتجاجات من شأنها أن تمنح المجال لتفاقم انتهاكات المجموعات المسلّحة. ورغم أنّ الاحتجاجات بلغت مدينة "غوما"، إلاّ أنّ شبح انعدام الأمن في صلة بالمجموعات المسلّحة من شأنه أن يعزّز موقف النظام. وحتى في صورة تبنيّ فرضية ترتكز على عجز الحكومة الكونغولية عن توفير الحماية لسكانها، وخصوصا في المناطق المذكورة، إلاّ أنّ تجربة انعدام الأمن التي رافقت جميع ثورات الربيع العربي بشكل خاص، قد تمتصّ وتدحر النفس الاحتجاجي لسكان شمال كيفو. 2)- تآكل السلطة: هذا العامل لعب بوضوح ضدّ "كمباوري" صاحب ال 64 عاما، في أحداث أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي تولّى الحكم في بوركينا فاسو منذ 1987. 27 عاما لم تكن كافية لرئيس لازال –حينها- يطمح للترشّح لولاية رئاسية ثالثة. عناصر لا تتوفر في الرئيس الكونغولي الحالي، والذي وإن أمسك بالحكم في 2001، فإنّه لا يزال يعكس صورة الرئيس الشاب والمتحمّس (43 عاما). 3)- المرجعية الشعبية: وإلى جانب ميزة السنّ، فإنّ للرئيس الكونغولي الحالي نجل الرئيس السابق "لوران ديزيريه كابيلا" (1997- 2001) تركة تاريخية تدعمه بشدّة. فوالده الذي تم اغتياله إثر 3 سنوات من توليه الحكم، لايزال يمثّل بالنسبة للذاكرة الجماعية لعدد من الكونغوليين زعيما وطنيا، حيث تحوّل قصره الذي أقام واغتيل فيه، إلى متحف يزروه الآلاف من السكان في البلاد. وضع مختلف تماما عن "كمباوري"، والذي وصل إلى الحكم عن طريق انقلاب أودى بحياة رمز وطني (الرئيس البوركيني الأسبق توماس سانكارا). 4)- ثنائية النظام البرلماني في الكونغو الديمقراطية: فهذه النقطة تسمح للرئيس الكونغولي، بهامش مناورة يمكّنه من السيطرة على انفجار الوضع الأمني في البلاد. فإن كانت الاحتجاجات في بوركينا فاسو اندلعت في اليوم المخصّص للنظر في اعتماد التعديل الدستوري من قبل الغرفة الوحيدة للبرلمان، فإنّ المراوحة بين غرفتي البرلمان الكونغولي (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) من شأنه أن يزرع بذور الشك حيال اعتماد مشروع القانون الانتخابي من عدمه، ويخلق نوعا من التشويق بل ويطيل في أمده، وهذا يمضي، بديهة لصالح كنشاسا.