طرح تحذير الرئيس الإيراني حسن روحاني، الثلاثاء 13 يناير 2015، والذي قال فيه "إن الدول التي تقف وراء انخفاض أسعار النفط العالمية ستندم على قرارها"، العديد من التساؤلات حول ما إذا كان انخفاض أسعار النفط بالفعل تقف وراءه دول بعينها أم لا؟، وكذلك المخاطر التي يمكن أن تعود بالسلب على الدول المنتجة له، وبخاصة الدول الخليجية التى يمثل البترول المصدر الأول للدخل فيها. وذكر روحاني في كلمة بثها التليفزيون الإيراني، أن الدول المنتجة للنفط مثل السعودية والكويت ستعاني مثل إيران بفعل هبوط السعر، لافتا إلى أن بلاده يمكنها تخطي الأزمة بخلاف الدول المنتجة التي يعتمد اقتصادها فقط على العائدات النفطية. ووفقا لخبراء اقتصاديين فإن حديث "روحاني"، يؤكد ما أدلى به السيناتور الأمريكي جون ماكين في السابق، من أن السعودية مسؤولة عن انهيار الاقتصاد الروسي أكثر من مسؤولية سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لسماحها بهبوط سعر برميل النفط لدرجة تؤثّر بصورة كبيرة على اقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بداية الأزمة وبدأ تراجع أسعار النفط الحالي في شهر يونيو الماضي، حيث انخفض سعر خام مزيج برنت بنحو 30 دولارا للبرميل بعدما قاربت 115 دولارا للبرميل، وظلت أسعارها مستمرة فى الانخفاض لتصل إلى 45 دولارا مطلع الشهر الجاري. وتمثّل عائدات النفط والغاز نحو50% من إيرادات الحكومة الروسية، وقد أدى انخفاض الأسعار إلى هبوط حاد في قيمة العملة الروسية (الروبل)، حيث فقدت 60 بالمائة من قيمتها منذ مطلع العام الماضي، كما تراجعت البورصة الروسية بنسبة 40 بالمائة منذ منتصف يوليو الماضي. وتقدر خسائر الخزانة الروسية إلى حوالي 7.4 مليون دولار يوميًا، لترتفع الخسارة إلى 2.7 مليار دولار في الشهر، وبعدما هوت أسعار النفط بنحو 42 دولارًا منذ يونيو الماضي، تصل الخسارة إلى نحو 113.4 مليار دولار في السنة. تشكيك روسي وايراني وتعتقد روسيا أن "مؤامرة سعودية أمريكية" هدفها تضييق الخناق عليها من خلال تخفيض الأسعار، بسبب ضمها لجزيرة القرم ودعم انفصال شرق أوكرانيا. أما إيران فتعتقد نفس الشيء، لدعمها بشار الأسد في سوريا وحزب الله وحركة المقاومة الاسلامية حماس في فلسطين، وقد تدهورت العملة الإيرانية لأكثر من 80 في المائة من قيمتها. تخفيض الإنتاج وكان وزير النفط السعودي علي النعيمي قد أعلن أواخر ديسمبر الماضي أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لن تخفض إنتاجها حتى لو تراجعت أسعار النفط إلى عشرين دولارا للبرميل. ونفى أن تكون هناك مؤامرة تدعمها بلاده لأهداف سياسية باستخدام البترول وأسعاره، وأكد أن الحديث عن مؤامرات مزعومة هو قول لا أساس له من الصحة إطلاقاً ويدل على سوء فهم أو مقاصد مغرضة أو تخيلات مشوشة في عقول قائليها. وهو الأمر ذاته الذى أكد عليه وزير الطاقة الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي أمس الثلاثاء، أن منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" لن تخفض إنتاج النفط لدعم الأسعار، لكنها تتوقع أن يتخذ المنتجون ذوو التكلفة المرتفعة هذه الخطوة في وقت اقتربت فيه أسعار النفط من أقل مستوى في ستة أعوام. وأثناء حديث المزروعي نزل سعر مزيج برنت الخام أربعة بالمائة عن 46 دولارا للبرميل بعد أن تهاوى خمسة بالمائة الاثنين الماضي، مواصلا موجة الهبوط التي نزلت به لأقل من النصف في الأشهر الستة الأخيرة. ولم يبد المزروعي أي إشارة لتراجع أوبك عن موقفها بضرورة خفض منتجين آخرين للإنتاج لاسيما منتجو النفط الصخري الأمريكي. وقال الوزير أمام مؤتمر للطاقة في أبوظبي "الاستراتيجية لن تتغير"، مضيفا أن عدم تغيير الإنتاج "يبعث برسالة إلى السوق والمنتجين الآخرين بأن يتحلوا بالعقلانية والاقتداء ب "أوبك" في التطلع إلى تنمية سوق النفط العالمية وأن تتواءم زيادة الإنتاج مع ذلك النمو. أم الأمير السعودي الوليد بن طلال فأكد في مقابلة مع صحيفة "USA Today"، أن سعر برميل النفط لن يصل ل 100 دولار مرة أخرى، منوها أنه قال من قبل عام أن سعر النفط فوق 100 دولار يعد سعرا مصطنعا وغير واقعي. وتعليقا على التصريحات حول نظرية التواطؤ لخفض أسعار النفط بين الرياض وواشنطن للإضرار بموسكو، قال الوليد بن طلال إن هذا الكلام لا أساس له من الصحة لما يحمله انخفاض أسعار النفط من ضرر على اقتصاد المملكة العربية السعودية وكذلك روسيا، مشيرا إلى أنه في حال كانت السعودية قامت بهذا الأمر فهي كمن قام بإطلاق النار على قدميه. الأسباب والتبعات هناك ثلاثة أسباب أساسية أدت إلى انخفاض أسعار النفط هي: ضعف الطلب العالمي بسبب الأزمة الاقتصادية، وزيادة الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري إلى حوالي خمسة ملايين برميل يوميا ويقدر لها أن ترتفع إلى عشرة عام 2020، وأخيرا رفض السعودية خفض الإنتاج من اجل زيادة الأسعار. وتنتج دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، 17 مليون برميل من النفط يومياً، يتم تصدير ما بين 12 و13 مليون برميل، وتحصل هذه الدول على 90 في المائة من إيراداتها العامة من عائدات النفط. وتنتج السعودية والإمارات والكويت وقطر مجتمعة حوالي 16 مليون برميل يومياً، أي أكثر من نصف إنتاج دول "أوبك" الذي يصل إلى 30.5 مليون برميل في اليوم. وتصل خسائر دول الخليج وحدها من انخفاض أسعار النفط إلى 45 دولارا أكثر من 300 مليار دولار سنويا. ووفقا لأحدث عدد من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الذي يصدره البنك الدولي فانخفاض أسعار النفط جاء نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل منها ارتفاع المعروض النفطي وانخفاض الطلب سنوات عديدة، وتراجع المخاطر الجيوسياسية في بعض مناطق العالم، والتغير الكبير في أهداف سياسة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إضافة إلى ارتفاع سعر الدولار، ولعبت العوامل المرتبطة بالمعروض دورا أساسيا في ذلك الانخفاض. ومن المتوقع أن تستمر أسعار النفط في انخفاضها خلال عام 2015 يصاحبها تحول حقيقي ملموس في الدخل من البلدان المصدرة إلى البلدان المستوردة للنفط، فانخفاض الأسعار يعني لكثير من البلدان المستوردة زيادة معدل النمو وضعف الضغوط على معدل التضخم والميزان الخارجي والمالية العامة، بيد أن هبوط أسعار النفط يمثل تحديات ضخمة للبلدان المصدرة الرئيسية، حيث أنه سيؤثر سلبا على توقعات النمو وعلى مراكزها المالية والخارجية، وإذا استمر هذا الانخفاض في الأسعار، فقد يقوض ذلك الاستثمار في عمليات التنقيب الجديدة أو في تنمية الحقول القائمة، وسيخلق ذلك على الأخص مخاطر للاستثمارات في بعض البلدان المنخفضة الدخل أو في المصادر غير التقليدية مثل زيت الطفل أو الرمال الزيتية أو حقول النفط في المياه العميقة. دول الخليج لن تتأثر الخبير الاقتصادي السعودي عبد الله الكويز قال في تصريحات سابقة لوسائل الاعلام، إن دول مجلس التعاون الخليجي لن تتأثر بانخفاض الأسعار على المدى القصير، والتأثير سيكون أكبر على دول أوبك من خارج مجلس التعاون الخليجي. وأضاف أن غالبية دول مجلس التعاون كونت احتياطات مالية صلبة تسمح لها بالتعامل مع التداعيات، وارتفعت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي لاسيما النفطية منها، من 366 بليون دولار في 2009، إلى 729 بليون دولار العام الماضي، وفق إحصائيات صندوق النقد الدولي ومجموعة "كامكو" الاستثمارية الكويتية. ووفقا لمعهد "المالية الكويتية"، جمعت دول الخليج احتياطات مالية تقدر ب 2450 بليون دولار تراكمت خلال السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع أسعار الخام. المحلل الكويتي موسى معرفي، قال إن دول الخليج في موقع صلب للصمود بضع سنوات، إذا ما اندلعت أية خلافات خلاف حول مستويات الإنتاج. وأوضح أن السعودية وغالبية دول مجلس التعاون قادرة على مواجهة الضغوطات التي تمارس من أجل خفض الإنتاج وبالتالي خسارتها حصة من السوق. أما صندوق النقد الدولي وفي تقرير أصدره مؤخراً، فقد قرر أن "دول الخليج قادرة على الاستمرار في برامجها الإنفاقية على المدى القصير. وفي مؤشر على تصميم دول الخليج على الحفاظ على حصتها من السوق، خفّضت السعودية ودول خليجية أخرى سعر الخام الذي تسمله إلى الأسواق الآسيوية، وتجاهلت الدعوات إلى خفض الإنتاج أو إلى عقد اجتماع طارئ ل "اوبك".