آخر تحديث.. أسعار العملات مقابل الجنيه اليوم الأحد 5-5-2024    «الإسكان»: تخصيص الأراضي بالمدن الجديدة تنمية شاملة وفرصة للاستثمار    مصدر: مدير الاستخبارات الأمريكية توجه إلى قطر لبحث مفاوضات الهدنة في غزة    أحد الناجين من الهولوكوست: أنا والكثير من اليهود ندعم قضية الشعب الفلسطيني    صور| ملحمة جماهيرية لدعم محمد صلاح.. ولد ليكون أسطورة ليفربول    3 ظواهر تضرب البلاد خلال ساعات.. «الأرصاد» تحذر من نزول البحر    عمرو أديب: «مفيش جزء خامس من مسلسل المداح والسبب الزمالك» (فيديو)    أمين الفتوى: الله شرف مصر أن تكون سكنا وضريحا للسيدة زينب    نافس عمالقة ووصل بالأغنية السعودية للقمة.. تعرف على رحلة «فنان العرب» محمد عبده    قصواء الخلالي: مصر لا تحصل على منح مقابل استقبال اللاجئين    نقابة البيطريين تحذر من تناول رأس وأحشاء الأسماك المملحة لهذا السبب    لدعم صحة القلب والتخلص من الحر.. 5 عصائر منعشة بمكونات متوفرة في مطبخك    إصابة 3 أشخاص في تصادم 4 سيارات أعلى محور 30 يونيو    وزير السياحة يشارك كمتحدث رئيسي بالمؤتمر السنوي ال21 للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    وكالات الاستخبارات الأوروبية: روسيا تخطط لأعمال تخريبية في أنحاء القارة    الفيضان الأكثر دمارا بالبرازيل .. شاهد    وزيرة الهجرة: نستهدف تحقيق 5 مليارات دولار قيمة أوامر الدفع بمبادرة المصريين في الخارج    منافسة بين آمال وأنغام وشيرين على أغنية نجاة.. ونبيل الحلفاوي يتدخل (فيديو)    حزب الله: استهدفنا مستوطنة مرغليوت الإسرائيلية بالأسلحة الصاروخية    نجل الطبلاوي: والدي مدرسة فريدة فى تلاوة القرآن الكريم    الهلال يحقق بطولة الوسطى للمصارعة بفئتيها الرومانية والحرة    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية ميت غمر |صور    فحص 482 حالة خلال قافلة طبية مجانية في الوادي الجديد    أعراضه تصل للوفاة.. الصحة تحذر المواطنين من الأسماك المملحة خاصة الفسيخ| شاهد    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    .تنسيق الأدوار القذرة .. قوات عباس تقتل المقاوم المطارد أحمد أبو الفول والصهاينة يقتحمون طولكرم وييغتالون 4 مقاومين    «ظلم سموحة».. أحمد الشناوي يقيّم حكم مباراة الزمالك اليوم (خاص)    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    لوائح صارمة.. عقوبة الغش لطلاب الجامعات    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    تامر حبيب يعلن عن تعاون جديد مع منة شلبي    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    عودة المهجرين لشمال غزة .. مصدر رفيع المستوى يكشف تفاصيل جديدة عن المفاوضات    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جَميل يحب الجَمَالَ
نشر في محيط يوم 03 - 01 - 2015

الله جميل يحب الجمال يصف الوجوه قائلا: «ولقاهم نضرة وسرورا» و«وجوه يومئذ ناضرة» وكان محمد يحب الجمال ويصفه ويتحدث عنه حتى أنه غيّر اسم «عاصية» بقوله «جميلة»،
وغيَّرَ اسم زوجته «بريرة» إلى «جويرية» وكانت حسناء تخطف القلوب بمجرد النظر إليها كما وصفتها السيدة عائشة رضى الله عنها التي كانت ترمق النبى وهو جالس يخصف نعله والعَرق يتصبب مِن وجهه الشريف كالدُر المنثور فتقول له وقد تصاعد بها جماله وجلاله: لكأنك المعنى بقول الشاعر يا رسول الله، فيسألها عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: وماذا قال الشاعر يا عائش فتجيبه:
إذا نظرت إلى اسرّه «جبين» وجهه..
برقت كبرق العارض المتهلل
فيبتسم الرسول العظيم لذكائها معلقاً: «لافض فوك يا عائشة» و..أيضاً لافض فوه شاعرنا المجيد أحمد شوقى عندما وصف جمال المصطفى فى قوله المتفرد بعدما ولد الهدى:
وإذا أخذت العهد أو أعطيته
فجميع عهدك ذمة ووفاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب..
هذان فى الدنيا هُما الرحماء
وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما..
جاء الخصوم من السماء قضاء
وقد كان خاتم المرسلين يهتم بالوجوه الحسنة ويقدمها سفراء له فى خارج الديار، فكان سفيره دحيّة بن خليفة الثعلبى صاحب أجمل الوجوه حتى إن جبريل كان يأتى للرسول ليأتنس بجمال وجه دحيّة، وكان النبى يستحب أن يكون الرسول إليه حسن الوجه حسن الاسم، وفى هذا قوله: «إذا أبردتم إلى بريدًا فليكن حسن الوجه له فى اسمه وقع حسن»، ويذكر عن عائشة رضى الله عنها أن الرسول كان ينتظر نفرًا من أصحابه على الباب، فجعل ينظر فى الماء ويسوى شعره ولحيته، ثم خرج إليهم فقالت له: «يا رسول الله، وأنت تفعل هذا؟!» قال: «نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهىء من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال».. وليس أجمل من تعبيرات الرسول المتسامية فى وصف جمال المرأة عندما قال لأنجشة الذى كان يغنى للإبل فتسارع فى سيرها مما يرتج له هودج النساء بعنف بالغ: «ويحك يا أنجشة رفقاً بالقوارير» ويا له من وصف بليغ للمرأة عندما يحث به الرجل على وجوب العناية بها والرقة فى معاملتها، هذا وقد أعاد الرسول الكريم معنى تلك الوصية على مسامع المسلمين فى خطبة الوداع بقوله: «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله.. اللهم هل بلغت» وعلى الدوام كان نبي الرحمة منصفاً للنساء، فكان أول ما حرم وأد البنات، ثم وضع حدًا لتعدد الزوجات فجعل العدد الأقصى منهن أربعاً، ومن أحاديثه «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، وبفضل تشريعاته الحكيمة أصبحت البنت البالغ تستشار قبل زواجها، وأصبح المهر لا يعطى للأب بل للعروس نفسها، ومنحَ الرسول أيضاً المرأة حقاً فى الميراث نصف حق الذكر، وذلك لأنها لا تدفع مهرًا كالرجل وليست مكلفة بحاجات البيت، لتظل معاملة المرأة باللين تبعاً لوصية الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله ومن دعا ربه بعد الصلاة لنبيه لا يرد له دعاء.. وكان النبى يدعو الناس إلى جمال الباطن بجمال الظاهر كما قال جرير بن عبدالله: قال لى رسول الله: «أنت امرؤ حسّن الله خَلقَك فأحسِن خُلقك»..
وإذا ما كان المصطفى قد عرف الفارق بين غضب عائشة ورضاها عن طريق ندائها عليه، فتقول إذا ما غضبَت «يا محمد»، وإذا رضيَت عنه تناديه: «يا رسول الله» أو «يا نبى الله» فقال لها: «إن لى عشرة أسماء عند ربى، أنا محمد وأحمد والفاتح والخاتم وأبوالقاسم والحاشر والعاقب والماحى، ويس وطه، وفى البخارى أن اسم «طه» معناه يا رجل بلغة الخطاب، وجاء بما معناه يا طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وتكابد العٌتاة وتحاور الطغاة وتأسف على كفرهم وتتحسر على عدم إيمانهم.. وفى «يس» خطاب للرسول معناه يا إنسان إنك لمن المرسلين وهى الشهادة من الله لنبيه بالرسالة، ولم يقسم الله لأحد من أنبيائه على الرسالة فى كتابه إلا له، فالله يشير بقوله «يس» إلى صراط مستقيم إلى سيادة النبى عليه السلام وفيها بيان أنه ما بلغ أحد من المرسلين رتبته فى السيادة.
وأبدًا لم يبعث الله نبياً إلا جميل الصورة، حَسن الوجه، كريم الحسب، وكان محمد بن عبدالله أجمل خلق الله وأحسنهم وجهاً، وكان أزهر اللون، ناصع البياض، الذى لا تشوبه صفرة ولا حُمرة، وكان عرقه مثل اللؤلؤ أطيب فى رائحته من المسك، رَجِلَ الشعر حَسَنه، ليس بالسبط الناعم جدًا ولا الجعد القطط أى شديد التجعيد وكان إذا مشطه بالمشط كأنه حُبك الرمال أى حروفها فإذا مكثَ لم يسرحه أخذ بعضه بعضاً وتحلق حتى يكون كالخواتم، وكان فى أول الأمر قد أرخى وأرسل ناصيته بين عينيه، ثم جاءه جبريل بالفرق ففرق، وكان شعره فوق حاجبيه، ويصل إلى كتفيه، وأحياناً إلى شحمة أذنيه، وكان أحسن الناس وجهاً، وأنورهم لونًا، ولم يصفه واصف إلا شبه وجهه بالقمر ليلة البدر، وكان إذا رضى أو سُرّ فكان وجهه المرآة، وإذا غضب تلوَّن وجهه واحمرت عيناه.. وتضيف عائشة إلى جَمال المصطفى قولها: «كان أجْلَى الجبين، إذا تجلى جبينه من بين الشعر كأنه فلق الصبح، وعندما يُقبل ظلام الليل كأنه ضوء السراج، وكان النبى ناصع الجبهة، أزج الحاجبين قوس الحاجبين وفير الشعر فيهما وكان أبلج ما بين الحاجبين وكأن بينهما الفضة الخالصة، بينهما عرق يُظهره الغضب، وكانت عيناه نجلاوين أدعجهما شدة سواد الحدقة وكان أهدب الأشفار «الرموش» حتى تكاد تلتبس من كثرتها، طويل الأنف من أوله إلى آخره مع الاستواء والشمم، منفرج الأسنان أبيضها فى استواء، وكان يبتسم عن مثل البرد المنحدر من متون الغمام، فإذا ضحك ظهرت أسنانه مثل سنا البرق إذا تلألأ، وكان إذا أغلق شفتيه ففى ذلك ختم القمر، سهل الخدين سلسهما، ليس بطويل الوجه لكنه كالقمر، كث اللحية، وكانت عنفته الشعر الذى بين الشفة السفلى والذقن بارزة، أما عنقه فلا يُنسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة مشرب ذهبًا، وكان عريض الصدر، كأنه المرايا فى شدتها واستوائها، وكان عظيم المنكبين أشعرهما، ضخم الكراديس رءوس العظام واسع الظهر، بين كتفيه خاتم النبوة القريب من كتفه الأيمن، وفيه شامة سوداء تضرب إلى صفرة حولها شعرات متواليات كأنهن من عرف فرس.. طويل الذراعين، ممتد اليدين والساقين فى استواء دون نتوءات، كفاه تميلان إلى الغلظ بلا قصر، واسع راحة اليد كأن أصابعه قضبان فضة، كفه ألين من الحرير كأنها كف عطّار مُست بالطيب، إذا مشى كأنما يتقلع فى صخر وينحدر أو يتصبب فى صَبب، ويمشى الهوينى بغير تبختر، يسبق القوم إذا سارع إلى خير، ويسوقهم أى يتأخر عنهم قليلا إذا لم يسارع إلى أمر.. وكان إذا أشار إلى شيء أشار إليه بجمع يده لا بإصبع أو إصبعين، وإذا عجب لشيء حمد الله وأدار كفه إلى السماء، وهز رأسه، وإذا أراد تأكيد شىء قاله ضرب بإبهام يده اليمنى على يده اليسرى المبسوطة، فإذا غضب احمر وجهه ومر بيده على لحيته ووجهه وتنفس الصعداء طويلا ثم يقول: «توكلت على الله خير وكيل».. وكانت المعانى تتدفق غزيرة من ألفاظه المحكمة الموجزة، التى تعبر عن مراده خير تعبير.. أما سحر بيانه فكان شيئاً إلهياً، يغزو القلب ويأسر اللب، ويقتلع الرفض، ولا يقوى أحد على مقاومته.. وكان الرسول لا يغرق أبدا فى الضحك، فإذا ما اشتد به المرح حجب وجهه بيده.
وكان كما قالت السيدة عائشة رضوان الله عليها «كان خُلقه القرآن» فكان حليم الطبع، لا تكبر ولا خشونة، لا يدعوه أحد إلا ولبى فى الحال.. يحب الأطفال ويلاعبهم ويضمهم إلى صدره الكريم، وقد رئى مراراً يصفّ أولاد عمه العباس ليتسابقوا واعدًا الفائز بجائزة، فيتنافسون فى اللحاق بأحضانه والجلوس فى حِجره.. وكان يرعى شئون الجميع، الأشراف والعبيد، وروى أن الناس أغفلوا مرة إخباره بموت خادم فقيرة فى المسجد فغضب بشدة، وسأل عن مكان دفنها حتى وجده فجلس يصلى عليها ويستغفر لها مولاها ويدعو لها بثواب الآخرة.. وكان إذا رفع سائل شفتيه ليكلمه سرًا، يميل برأسه ناحيته ويصبر عليه حتى ينتهى من حديثه، وإذا صافح زائرًا لا يسحب يده حتى يردها الرجل إليه.. وأبدًا لم يرفع يده على امرأة أو على عبد، وكان على الدوام يؤكد أن الجنة تحت أقدام الأمهات، وكان إذا سمع بكاء طفل، وهو فى صلاة الجماعة، يسرع فى صلاته من أجل السماح للأم للإسراع بإسكات طفلها.. ولم تكن فطنته البالغة، ومعرفته بخبايا النفوس وجواهر الأشياء لتمنعاه من مشاورة أصحابه فى كل الشئون، ويُذكر عن عائشة فى هذا الشأن أنها لم تر إنسانا قط يحب المشاورة كما يحبها محمد.. وقد بَلَغَ من حبه للصلاة أن تورمت قدماه من طول الوقوف، لكنه كان يعتبر الإكثار من الصلاة من خصوصياته كرسول لا يسمح لأحد بأن يتبعه فى ذلك. بشر يضحك ويبكي، ويأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويستشير الناس لكي لا يخطئ وينزل عند رأى الغالبية، ويغضب ويرضى، ويرفض أن يقبِّل يده أحد، إنه بشر لا يفجرّ الماء ولا يضيء الظلمات.. بشر من لحم ودم وأعصاب لا يحب أن يُقال له سيدنا، فإنه ليغضب من الكملة وينهى عنها.
وكان رسول البشرية يحب الطيب، ويتطيب بالمسك، ويحرق فى بيته الصندل والكافور والمسك، ويقص لحيته وشاربه بمقص، ويمشطهما بمشط من العاج أو من قشر السلحفاة، ويتكحل، لأن الكحل يقوى البصر، ويستاك كثيرًا بالمسواك من شجرة الأراك يمضع طرفه فيصبح كفرشاة الأسنان، أما كساؤه فكان عادة يتألف من قميص من القطن، ومن بردة من نسج عمان طولها أربع أذرع وعرضها اثنتان، وكان له أيضاً بردة يمانية طولها ست أذرع وعرضها ثلاث، كان يرتديها أيام الجمع والأعياد، وكانت له بردة ثالثة خضراء توارثها الخلفاء من بعده، وعمامة سُميت بالسحاب آلت إلى صهره على بن أبى طالب.. وكان يعنى بنفسه فى نمط من التأنق على غاية من الجمال والبساطة، وكان ينظر إلي نفسه فى المرآة أو فى الماء الرائق ليتمشط أو ليُسوى طيات عمامته التى كان يترك طرفاً منها يتدلى بين كتفيه، وكان يقول لعائشة: «إنى لأبغض المرأة التى أراها سلتاء مرهاء» والسلتاء التى لا تختضب، والمرهاء التى لا تكتحل، وعندما قالت له هند بنت عتبة: بايعنى يا نبى الله.. قال لها: «لا أبايعك حتى تغيرى كفيك، فكأنهما كفا سبع»، ويطلب منها أن تخضب كفيها حتى لا تكونا ككفوف الرجال أو الحيوان.. وكان لدى نبى الله شُكّة يتطيب منها (أى زجاجة عطر خاصة)، وعن عائشة عن النبى قوله: «إن جبريل أتانى وأنا آكل متكئاً، فقال: أيسرك أن تكون ملكاً، فهالنى قوله فلا آكل وأنا متكئ».. وقولها: «كان إذا أُتى بطعام لرسول الله أكل مما يليه، وإذا أُتى بالتمر جالت يده»، وتقول رضى الله عنها: «ما رَفَع رسول الله قط غداءً لعشاء، ولا عشاء قط لغداء، ولا اتخذ من شيء زوجين، ولا قميصين، ولاردائين، ولا إزارين، ولا من النعال، ولا رئى قط فارغاً فى بيته، إمّا يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوباً لأرملة».. وتروى بما يعنى أن رسول الله كان حُرًا لا تستعبده الأشياء فتقول: «شرب رسول الله قائماً وقاعدًا، ومشى حافيًا وناعلا، وانصرف عن يمينه وعن شماله ولا يبالى أى ذلك كان».. وتخبر عائشة أن رسول الله كان يحمل من ماء زمزم فى الأوانى والقِرب، وكان يصبّ على المرضى ويسقيهم.. وكان إذا قام ليلا أجرى السواك على فمه، ومازال يذكر السواك حتى خشينا أن ينزل فيه قرآن.. وكان يمسح أذنيه، ظاهرهما وباطنهما، إذا توضأ.. وعن عائشة قولها: «ربما قبلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى ولا يتوضأ».. وكان نبى الله لا يجلس فى بيت مُظلم إلا أن يسرج فيه سراج.. وكان يعجبه أن يدعو ثلاثا، ويستغفر ثلاثا.. وكان إذا أخذ مضجعه نفث فى يديه، وقرأ المعوذتين ومسح بهما وجهه.. وكان دعاؤه إذا سلّم من الصلاة: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام».. وكان إذا سها قبل التمام يسجد سجدتى السهو قبل أن يسلم، وإذا سها بعد التمام سجد سجدتى السهو بعد أن يسلم.. وكان النبى فى السفر يُقصر فى الصلاة ويتم، ويفطر ويصوم.. ويقول لعائشة: «الركعتان قبل الفجر أحب إليّ من الدنيا وما فيها».. وكان نبى الله يقول لها: يا عائشة، إذا دخل عليك صبى جارك فضعى فى يده شيئاً، فإن ذلك يجر مودة..
محمد الزوج الرفيق الحبيب عاش في أوج الصراع المنزلي.. عائشة تضيق بجويرية، وزينب تكيّدُ لعائشة، وحفصة تحرض عليه الأخريات وتتهمه بأنه يفضل عليهن زينب بنت جحش، وإنه ليحرم علي نفسه طعاما، كانت تتفنن زينب في صنعه إرضاءً لبقية الزوجات، ولكنهن لا يرضين.. فعائشة تغار من حفصة.. وحفصة تغضبه لأنه يفضل عائشة، وكلهن يشكون شظف العيش، ويبكين لأنه لا يمنحهن خزَّ الشام، ولا كتان مصر، ولا حلل اليمن.. وعيناه هو علي اليهود الذين يتهيأون في خيبر لتهديد مدينته.. ويستنجد بأم سلمة، فتتهمه الأخريات بأنه يؤثر عليهن أم سلمة، لأنه يحس فيها ريح زوجته الراحلة خديجة.. وتنفجر غيرتهن جميعاً من ذكر خديجة.. ويصارحهن «إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا».. ولا ينفع التهديد بالطلاق.. ويطلق حفصة، ويهجر عائشة وزينب ويهددها بالطلاق، ثم يعتزلهن جميعا، وعيناه علي ما يحدث في خيبر.. ويعتذرن ويعفو.. ويهود خيبر يستعدون للانقضاض، ويعلن اليهود الاستسلام إن ضمنوا حياتهم، ويتم الاتفاق علي أن يخرج الرجال كل في ثوب يغطى جسده، علي أن يتركوا السلاح والأموال والدار.. وجلا رجال اليهود إلي التيه... وينتشر في الأرض السلام.. الإسلام.. الجمال.. الرحمة.. «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»..
الإسلام يعشق كل جميل وجنة الله فيها كل جميل، قال عنها تعالى فى كتابه الكريم: «وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين فى سدر مخضود، وطِلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب، وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة»، وقال تعالى عن أهل الجنة: «يُحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضرًا من سندس واستبرق متكئين فيها على الآرائك».. وقال عنها المولى عزّ وجل فى حديثه القدسي: «أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».. ويقول عنها سيد المرسلين: «هى نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيّد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة ناضجة، وزوجة حسناء، وحلل كثيرة فى دار عالية بهية».. ويسأل النبى عن بناء الجنة فيقول: «لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، بلاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من دخلها ينعم لا ييأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم».. وتحت قدمى المؤمن فى الجنة تسير الجداول والأنهار: «مثل الجنة التى وُعد المتقون فيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهارا من عسل مصفى»، ويستظل الفائز بفردوس الله بشجرة ضخمة يصفها الصادق الأمين بقوله: «إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام وهى شجرة الخلد».. ويقول المصطفى «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدى؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدى؟ فيقولون: حمدك واسترجع، وقال إن الله قد استرد وديعته، فيقول الله ابنوا لعبدى بيتاً فى الجنة، وسموه بيت الحمد».. ويروى أنس بن مالك قول سيد المرسلين «إن فى الجنة لغُرفاً ليس لها مغاليق من فوقها ولا عماد من تحتها»، قيل يا رسول الله وكيف يدخلها أهلها؟ قال: «يدخلونها أشباه الطير»، قيل: هى لمن يا رسول الله؟ قال: «إنها لأهل الأسقام والأوجاع والآلام والبلوى»..
ومن بعد الماء والخضرة فى جنة المأوى ودار الخلد ودار السلام التى عرضها السماوات والأرض معدة للمتقين تجيء الحور العين لاستكمال مثلث الجمال فى جنة الخُلد، حيث يروى الترمذى: إن فى الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق مثلها يقلن: (نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نيبس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له).. ولكن أم المؤمنين عائشة تدافع عن نساء الأرض بقولها: «إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابتهن المؤمنات من نساء الدنيا: نحن المصليات وما صليتين، ونحن الصائمات وما صُمتن، ونحن المتوضآت وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن.. قالت عائشة رضى الله عنها: فغلبنهن».. ويسأل رسول الله ما الكوثر فى جنة الخلد؟ فقال: ذاك نهر أعطانيه الله «إنا أعطيناك الكوثر» أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل».. وندعو الله قائلين اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة من كوثره لا ظمأ بعدها.. ويروى أبوهريرة عن النبى الكريم قوله: «ينادى مناد فى الجنة أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وأن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وأن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدًا، وفى ذلك قوله عزّ وجلّ: «ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون».. ورغم هذه النفحات الربانية الجمالية لأهل الجنة فإن ثمة نعيما وعطاء وفردوسا لم يحصلوا عليه، يقول النبى: «إذا دخل أهل الجنة إلى نعيمها قال الله تبارك وتعالي: أتريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيض وجوهنا، ألم تُدخلنا الجنة وتُنجنا من عذاب النار، فيُكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) فإذا تجلى المولى لعباده ورُفعت الحُجب.. تدفقت الأنهار.. واصطفت الأشجار.. وتجاوبت القلوب.. وغردت الطيور.. وأشرقت الحور العين.. وتجولت فى الآفاق الربانية أبخرة المسك والكافور.. وسبحت ملائكة الرحمن فلا يعادل رؤية وجهه الكريم أى من نعيم الكوثر والفردوس بمراتبه ودرجاته وجنات عدن أجمعين.. ذلك هو الفوز العظيم»..
يا محمد.. يا خير خلق الله.. يا أول المسلمين المتمم لمكارم الأخلاق.. يا حبيب الله.. يا من قال لك المولى عزّ وجلّ أنت فى عيوننا يا محمد.. يا من قال لك سبحانه: وإنك لعلى خلق عظيم.. يا شفيع أمة المسلمين يوم الدين.. يا من كان عذابه من أجل خلاص بنى جنسه.. يا من قاومت التأليه، وكرهت التعالى والكهانة، وكذّبت نسبة المعجزات إليك بقولك الدائم: «إنما أنا بشر مثلكم» رغم أنك حقا أسمى وأرفع البشر.. يا كبير القلوب الذى يدرك أن ليس كالعفو شيء يفتح القلوب المغلقة، وكم عفوت عن ألد الأعداء فدخل الإسلام قلوبهم على الفور، يوم (أحد) حزنت لمصرع عمك حمزة، وتوعدت أن تقتل فى مقابله ثلاثين رجلا على رأسهم (وحشي) الذى قتله، غير أنك بعد الفتح حين جاءك وحشى نادماً عفوت عنه، فلاقى عفوك بالاستبسال فى قتال أعداء دعوتك.. ويوم جاءتك هند، التى حرضت على قتل حمزة وبقرت بطنه وأكلت كبده ومثلت به، نادمة، نسيت الإساءة الأليمة وعفوت... وواجهت زعماء قريش فى الكعبة فصاروا جميعا فى قبضة يدك، وما منهم رجل يجرؤ أن يسيء إليك أنت الذى قلت لهم: «يا معشر قريش، ما ترون أنى صانع بكم؟» قالوا: «خيرًا.. أخ كريم وابن أخ كريم»، قلت: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».. وجاءك رجل يسعى كان قد بالغ فى إيذائك وأنت لم تزل فى فجر دعوتك بمكة، ولاحظت أن الرجل يخشاك ويهابك حتى ترتعد فرائصه أمامك، فابتسمت له وقلت: «هوِّن عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش، كانت تأكل القديد فى مكة»!
محمد.. الإنسان.. أنت تكره قتل النفس التى حَرَّمَ الله قتلها.. إلا بالحق.. لم تلجأ إلى القتال إلا مضطرًا، ولكن الحرب شيء، والاغتيال شيء آخر.. كم عانيت من أبى سفيان وجماعته حتى تمنيت قتله، وكم أرسل لك أبوسفيان القتلة المحترفين، ولكن حين أوفد بعض أصدقائك من يغتال أبا سفيان، أرسلت إلى الرجل من يعيده، ولما عاد الرجل أخذت تعنفه، وتعنف الذين أرسلوه... فما كان الاغتيال أبدًا سبيلا لمحمد.. إنه صاحب الاقتتال الشجاع وجهاً لوجه.. فلما جاءك أبوسفيان قبل فتح مكة نسيت كل شيء، وأقبلت لتقنعه بدعوتك، فلما دخل الدين جعلت بيته بعد الفتح آمناً لكل من يلوذ به.. محمد.. أنت القائل: رأس الحكمة مخافة الله.. و..لا يُلدغ مؤمن من جحر مرتين.. و..لا يجنى على المرء إلا يده.. و..ليس الخبر كالمعاينة.. و..الشديد من غلب نفسه.. و..المسلم مرآة المسلم.. و..المرء كثير بأخيه.. والندم توبة... يا محمد.. يا نبى الجمال والطهر الذى تقف سُننه وطهارته فى وجه الذين ملأوا الدنيا ظلاماً وكآبة وقُبحاً ثم قالوا زورًا: هذا هو الإسلام!!! وكذبوا.. ولو أحسنوا فهم الإسلام لأحسنوا فهم قيم الجمال والحب التى نثرها المصطفى حبيب الله فى وجه الزمان..
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.