أنا فضل، أنا خيال الظل أم خيال المآتة؟! أنا من قام بالتشخيص خلف شاشة بيضاء في دور الفارس المغوار، وحينما خفتت الإضاءة حتى تلاشت ، عدت بطل ورقى؟!! أم أنا من الأساس لست ببطل ...مجرد قش يطرد العصافير؟؟! هل أنا صاحب فضل أم أنا ( فضلة قماش) يصنعون بها ممسحة لأوساخهم؟؟! كنت أردد دائم:"نحن مجتمع قبلى . قد يتاح الانقلاب ، لكن الثورة مستحيلة" "افتقد حرية المنفى" ، كنت الأمير، وفى المنفى ترقيت و صرت سلطان (زماني)، فلما لا افتقد باريس و (شانتال) الحنونة المثقفة وأيامنا الممتلئة محبة و دفء؟! الحب عندها وعندي دون ألفاظ ، الحب أفعال. افتقد الشوارع و الحوانيت و الحانات التى لم تطأها قدماي، جلسات القراءة و العشق، الجار العجوز وزوجته، القطة نوارة، المسارح، رائحة الأسواق و المطبخ. "الوطن حيث يجد المرء الأمان ، حتى لو كان هو الأمير " صوت (شانتال) يخترقني و هي تنظر له بحب و شعور بافتقاد مبكر: "من الصعب على المرء أن يتوه فى باريس حتى لو قرر هو نفسه ذلك." ولكنى قررت أن أتوه وأن أنسى. " لم يعد يشغلني مؤشر الراديو على نبأ من الإمارة ، أو المنطقة التى تتبعها ، ولا يشدنى مشهد من الإمارة فى قناة فضائية . الماضي في القبر ، أو فى المتحف . الحاضر ما يحياه ، وقد يشغله المستقبل" مع الاعتياد ، "عرفت أن صورة العالم التي كنت أرها في الإمارة ، ليست هي كل العالم . ليست هى الصورة الوحيدة للعالم . ثمة صور أخرى كثيرة ، رأيتها ، فعبرتها ، وربما لم أراها ، تشكل هذا العالم ، تصله بعوالم أخرى ، لا يعرفها" ********** "لم يعد أمامه إلا أن يحيا في الظل ، ربما يكسب تواصل الأنفاس" هناك حيث المنفى شعر بتغير ، "وإن لم يستطع تحديد قسماته ولا ملامحه . لعل نظرات الناس هي التي تغيّرت عما اعتاد رؤيته . لعله اختلاف المشاعر التي كان ينظر بها إلى المرئيات من قبل." ********** تحسست ذات يوم الحبل السري الذي كان يربطني بالإمارة ، فلم أجده. لكن في مفاجأة لم أتوقعها، طلبوا عودتي ، كان الحنين يقتلني للعودة، "ظلت رائحة الحنين عالقة في حياتي . مجرد الحنين إلى مطلقات غير محددة" قتلنى العبارة: متى يعود الطائر إلى سربه ؟ أفارق ما أعرفه إلى ما لا أعرفه ؟؟ وعدت وجدت أرفف الكتب والمجلدات والمخطوطات على حالها . اختفت المقتنيات النفيسة، وجدت الجميع مغلوب على أمره، وجدت البخور قد اختفى من الأسواق، وأصبح ملكاً فقط لأعضاء مجلس قيادة الثورة.. هل يستخدمونه فى صرف عفاريتهم حتى لا يكتشف الشعب كذبهم وتواطؤهم مع الشيطان؟ أم يدارون برائحته على رائحتهم العطنة؟! هكذا حدثت نفسي وانأ أتذكر (شانتال) "أشعر أنى نصف جسد ، ينقصه النصف الآخر" "أنت تحكم الناس بسلطة القانون ، وتحكمني بسلطة الحب" تلك المهرة الماهرة أدخلتني عوالم لم أكن أتخليها، هى عالم قائم بذاته، "اقتحمت بى عوالم السحر والابتكارات المدهشة : الحنين ، والأحلام ، وملامسة الصبوات ، وهمسات الفحيح ، وأغنيات الشبق ، وتراتيل الشهوة ، ولهاث الأنفاس ، والأنين ، والابتهالات ، وصخب الأمواج ، ووميض البروق ، وقرقعة الرعود ، وتقاذف البراكين ، والنشوة ، والزغاريد ، والجنون ، وانحسار الشواطئ ، واختلاط الألوان " فى ليله لا تنسى من عمري ، نبهتني في منتصف الليل تماماً إلى بداية التوقيت الشتوي: ما مضى ساعة غير محسوبة وعاودت احتضاني بساعديها: لنعد إلى بداية ما كنا فيه ! فى بعدها كنت أردد :" هل يمكن أن أتنفس دون إذن ؟"..." تركتها بانقلاب ، وأعود إليها بانقلاب .. لا حيلة لي في شيء" "قضبان السجن لا تقتصر على المبنى الحجري وحده . الأقسى أن تحيط بالإنسان ، تفرض القيود خارجه وداخله ، تجعل أفكاره محسوبة . يتوقع رد الفعل بما لا يستطيع مواجهته" جعلوني أحكم على ما أظنه برئ بالإعدام، وأنا اكره هذا النوع من الأحكام ، " الموت في يقيني قدر ألهى ، وليس مسئولية البشر . الحياة حق من العدل احترامه" عرّضوا من قالوا عليهم معارضين لتجربة الدهس بالجواد وقالوا: "من صدق في قسمه تحميه محبته لكم من وطء الجواد جسده . من حنث فعليه أن يتحمل مغبة كذبه !" تذكرت أبى تباين ما وصلني عن ظروف وفاته: هل اختطفته إغماءة سكري ؟ هل أصابته ذبحة صدرية ؟ هل قتلته رصاصة من مسدس حارسه الشخصي؟ رغم المحبة التي كان الجميع يكنوها له. استغربت مما حدث في الإستاد، احد المباني التي خلت أنى أسستها لنطلق من القبلية إلى المدنية ، و تذكرت ( شانتال) وهي تقول:" لا تنس أن المدنية سلوك نتعلمه!" "بعد أن ضاق الإستاد بالمعتقلين، تحولت المدرسة الإعدادية المشتركة، المطلة على الخليج ، إلى سجن. سُيّجت نوافذه بقضبان الحديد ، وأحاطت الكهرباء بأسواره. أخليت أقفاص حديقة الحيوان الصغيرة داخل القصر . قتل ما كان بها من حيوانات أحسن اقتنائها . حتى وحيد القرن المهدد بالانقراض، أطلقوا عليه الرصاص. أغلقت الأقفاص على معتقلين لهم مكانتهم، يخشى أن تحاول القبائل إطلاق سراحهم" تصرخ روحي الهائمة المعلقة: "افتقد حرية المنفى" وقررت العودة دون أن اهتم بما قالوه رفقاء باريس من أنهم يراقبونني في المنفى. أنت الآن واجهة الثورة في الإمارة . رحيلك إلى باريس يعنى زوال الواجهة .. سقوطها. إذا نقصت البناية قطعة حجر ، فلا يعنى هذا أنها مهددة بالانهيار ! ثم التف كل شيء بهواء داكن ، كأنه الليل . غطت خيمة سوداء ، معتمة ، امتدادات الآفاق من كل الجوانب . شحبت الرؤية حتى التلاشي .......... سادت الظلمة تماماً. أنا رجل الظل الحاكم على إمارة الخلود