استقالة حمادي جبالي من الأمانة العامة لحركة النهضة التونسية، وهو الذئ ترئس حكومة "الترويكا "الأولى التي انبثقت عن انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، زلزلت المشهد السياسي التونسي.. وفي مقابلة مع الاناضول، قال الجبالي عن الاستقالة إنّها تعكس إرادة فولاذية وتشبّثا بإرساء مشهد سياسي متوازن يماهي بين السلطة والسلطة المضادة. الجبالي أكّد، في مقابلة مع الأناضول، عزمه المضيّ قدما نحو رسم منهج سياسي خاص به، يستجيب لتطلّعاته ولرؤاه السياسية، مستبعدا أي علاقة بين استقالته وموقف الحركة من الدور الثاني للرئاسية التونسية والمقرر إجراؤه الأحد المقبل، المتشبّثة بالحياد والمحافظة على نفس المسافة من المرشّحين المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الحالي (مرشّح مستقل)، والباجي قايد السبسي مرشّح حزب "نداء تونس" الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة في تونس. وعن أسباب استقالته المدوّية، قال الجبالي ابن "حركة الاتجاه الاسلامي" (النهضة حاليا) وأحد مؤسّسيها، ومن أبرز قياداتها التي ذاقت الأمرين على أيدي الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ الاستقلال، خصوصا في عهد زين العابدين بن علي حيث سجن لحوالي 17 عاما، إنّ العوامل الكامنة وراء قراره هذا تتلخّص في أمرين: "أوّلهما يجد له سندا في الوازع الوطني"، ذلك أنّ "تجميع السلطات في يد طرف سياسي واحد لا يخدم الديمقراطية، بل ينذر بالعودة إلى زمن الحزب الواحد والرأي الواحد، ولهذا، أرى، من منطلق حبي لوطني، أن لا ألتزم الصمت". أمّا بخصوص السبب الثاني، فقال الجبالي أنّه "يتعلّق بما آلت إليه الأمور صلب حركة النهضة، والتي خسرت مكانتها كقوة فاعلة في المشهد السياسي، وذلك حين تخلّت عن دورها التعديلي". وبحديثه عن الجزئية الأخيرة، أشار الأمين العام المستقيل لحركة النهضة التونسية أنّ الأخيرة "لم تعد قادرة على لعب دور الرقيب، بما أنّها انصاعت لإرادة (حزب) نداء تونس، رغم ما يروّج له الأخير من أنه هو من سيحكم، ومن سيبحث إمكانية تشريك النهضة في مراحل موالية". وعن قراءته للسياق السياسي الذي شهد استقالته الثانية من نوعها، إثر استقالته الأولى في مارس/ آذار 2013، من مهام رئاسة الوزراء، على إثر رفض الأغلبية آنذاك، المتمثلة في حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، مبادرته بتشكيل حكومة تكنوقراط، قال الجبالي بأنّ "الحركة (النهضة) تركت قاعدة انتخابية مهمة دون تمثيل في الانتخابات الرئاسية، وذلك عقب خسارتها (المرتبة الثانية بعد نداء تونس) في التشريعية، وهو ما دفع بالكثير من أنصارها إلى العزوف عن المشاركة السياسية". واستنادا إلى ما تقدّم، اعتبر الجبالي أنّ من حقّه "استرجاع ذلك الخزان الانتخابي الهام"، دون أن يوضّح سبل تحقيق ذلك، فيما راجت أنباء تداولتها الصحافة المحلية التونسية عن نيته تشكيل حزب سياسي جديد يحتضن الغاضبين من حركته ومن الأحزاب الاجتماعية والوسطية والقومية التي لم تفز بمقاعد تذكر في البرلمان الجديد. وأضاف "لو كانت حركة النهضة هي الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، وقدّمت مرشحا للرئاسة، لكنت طالبت بالتصويت لصالح حزب سياسي آخر، صونا لنفس الهدف، ألا وهو إرساء مشهد سياسي متوازن". وسيجمع حزب "نداء تونس" بين الحكومة والرئاسة، في حال فوز مرشحه بالانتخابات الرئاسية الأحد المقبل، وذلك أثر فوزه بالأكثرية في البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وفي معرض ردّه حول سؤال عن امكانية ترشّحه لانتخابات رئاسية قادمة، ما يعني ضمنيا أنّ استقالته من الأمانة العامة لحركة النهضة لا تعني مغادرته نهائيا للنشاط السياسي، اكتفى الجبالي بالقول بأنّ "جميع الاحتمالات واردة". أمّا فيما يتعلّق بتبعات استقالته على الحركة وعلى المعارضة عموما أو المشهد السياسي التونسي، فقد أكّد الجبالي بأنّ "المتأمّل في جملة المواقف الصادرة عن قيادات النهضة، يستنتج –دون كبير عناء- ما آلت إليه الرؤى من تباعد"، لافتا إلى أنّ الأمر سيّان بالنسبة للمعارضة، والتي ابتعدت عن دورها البديهي المنوط بعهدتها، وذلك مذ أعلن العديد من رموزها وقياداتها دعمهم للقايد السبسي، رغم تلك الفجوة الإيديولوجية والسياسية الواسعة التي تفصلهم عنه. وعن توقيت الاستقالة، والتي يجزم عدد من المحللين السياسيين في تونس أنّها تزامنت مع استحقاق انتخابي مصيري، وجاءت في خضمّ أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة وعلى قدر من الهشاشة، ردّ قائلا بأنّ "التونسيين في حاجة، في هذا التوقيت بالذات، وأكثر من أي وقت مضى، إلى مناخ سياسي ديمقراطي، لأنه من دون حرية تعبير وسلطة مضادة تلعب دورا تعديليا، لن يكون بوسعهم الحصول على الخبز ولا على الديمقراطية أو الحرية".