كان الخبر عجيباً حسبناه مبالغة أو سخرية، حين فوجئت أسرة طفل فى التاسعة من عمره من محافظة بنى سويف بحكم غيابى بإيداعه الإصلاحية بعد أن خرج من مدرسته منذ عامين واشترى قطعة جبن ووجد بائع خبز يبيع العيش فمد يده وأخذ 5 أرغفة، وقام صاحب الخبز بتحرير محضر ضد الطفل، ومرّ ما يقرب من عامين ليتحول المحضر للنيابة، ويواجه الطفل خطر الحبس والإيداع بالإصلاحية بعد صدور حكم غيابى عليه، إلى أن قضت محكمة جنح أحداث بنى سويف ببراءة الطفل عبدالمسيح من تهمة سرقة 5 أرغفة من مخبز منذ نحو عام و7 أشهر، وذلك بعد أن تنازل صاحب المخبز. بالتوازى مع هذا الخبر الحزين خبر آخر أشد بؤساً عن ضبط أم تعرض ابنها للبيع بخمسة آلاف جنيه، نظرا لفقرها الشديد، وحين تم إلقاء القبض عليها قالت: لو ناس تانية ربوه هيكون حاله أحسن بدل ما يموت من الجوع! أخبار مفجعة بعيدا عن صراعات السياسة وحلقات الفضائيات عن الجان والعفاريت والكائنات الفضائية التى نزلت فى سيوة وتحدثت عن الإخوان، وبعيدا عن كل هذا الدجل والصخب تبقى حقيقة واحدة، أن هناك مصريين يموتون من الجوع ويبحثون فى صناديق القمامة عن كسرة خبز تداوى صراخ بطونهم الخاوية، هناك شعب آخر يعيش بيننا لا ندرى عنه شيئا، لا تعنيه إعلانات المنتجعات السياحية ولا المولات الضخمة ولا كل مظاهر هذا العالم الخيالى بالنسبة له. فى هذا الوطن هناك موازين مختلة وأولويات مقلوبة تجعلنا نطارد سارق الخمسة أرغفة ليسد جوعه، بينما الحيتان والقطط السمان يسبحون فى بحر الثراء الناتج من نهب قوت الشعب المسكين المغلوب على أمره، يفلت هؤلاء ويسقط الفقراء، وينطبق علينا قول النبى: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد». نحن نواجه أخطاراً أشد فتكاً من الإرهاب وأشد ضراوة من أى مؤامرات أخرى، إن الفقر والجوع قنبلة موقوتة نحن نشدّ فتيلها كل يوم حتى تنفجر فى وجوهنا، لن يطلب الناس مزيدا من المطالب السياسية، ولن تطعمهم الشعارات الوطنية، ولن تستطيع أبواق الإعلام الموالى أن تربط على بطونهم التى تصرخ طلباً للقمة عيش لا يجدونها. حاول أن تجمع هذه الأخبار المشابهة من الصحف والمواقع لتجد أن ما نتحدث عنه حالة وظاهرة تؤكد أن الجرائم التى تعود أسبابها للفقر والحاجة فى ازدياد مستمر، ونحن لا نلتفت لخطورتها ومدى تأثيرها على المستقبل، نحتاج اليوم لإعادة ترتيب الأولويات ووضع خطة بأخطار المستقبل التى يشير لها الواقع البائس. الفقراء لن ينتظروا أحداً، وإذا جاعت البطون غابت العقول، وإذا ازدادت المظالم واتسعت الهوة الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء فلننتظر ما هو أسوأ، الصدقات وجهود الجمعيات الخيرية لا تكفى ولا تحل المشكلة، نريد تنمية حقيقية ترفع دخل المواطنين وتزيد معدلات النمو مع حسن توزيع الثروة ومحاربة الفساد الذى يعوق أى خطوة للتقدم. لن نخطو للمستقبل بلا تنمية، ولن تتحقق التنمية دون بيئة سياسية مواتية وعدالة ناجزة وقطيعة الماضى البائس، فهل ننطلق للأمام؟ نقلا عن " المصرى اليوم"
