لم تعرف والدة زينب المهدي أن المائة جنيه التي تلقتها من ابنتها ذات العشرين ربيعا تكون نهاية لقصة حياة كفاح من أجل الحقوق الآدمية والحرية الإنسانية، ولم يتخيل صديقها "مطاوع" أن إرشادها له بالتواصل مع المنظمات الحقوقية لنصرة المظلومين والمضطهدين أن يكون ذلك وصية أخيرة قبل الرحيل الأبدي. نهاية القصة للناشطة السياسية زينب المهدي، مثيرة للدهشة، وتفاصيلها يكتنفها الغموض عند الكثيرين، لكن خبر انتحارها مثّل صدمة لدى كافة أطياف المجتمع المصري. شبكة الإعلام العربية "محيط" تكشف بعض تفاصيل تلك الحادثة وتنقل روايات أهل الحي التي تسكن فيه، فضلا عن شهادة زميلها الحقوقي. الجيران هممنا بالصعود إلى الطابق الثاني في 30 حارة حاذق المتفرع من ميدان مسرة في منطقة روض الفرج حيث يقع منزل «زينب مهدي»، ولكن وجدنا معارضة شديدة من بعض أقاربها وجيرانها، ونصحونا بعدم الطرق على باب شقة "المنتحرة" قائلين:"أهلها لا يتحدثون مطلقا مع الصحافة أو الإعلام، وسبق وأن ضربوا أحد الصحفيين ضربا مبرحا وأهانوه لفظيا". لكننا لم نيأس وطرقنا كل الأبواب الأخرى لمعرفة الحقيقة، وتحدثنا مع الحاج صالح وهو أحد جيرانها وقال :"زينب كانت تتحلى بالصفات الطيبة والأخلاق الحميدة وكانت دائما متميزة ومتفوقة في دراستها والجميع هنا يحبونها،ولكن كانت في الفترة الأخيرة كان دائما مزاجها متقلب وحزينة". وتوجهنا إلى محسن يعمل "ميكانيكي سيارات" بجانب منزل "زينب" وقال: "إنها من أهدى وأرق الفتيات، تتسم بالخلق الحسن وسماحة النفس، لكنها في الفترة الأخيرة كثرت الأقاويل حولها بانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين وتعترض على حكم العسكر وتصفه بالانقلاب". سر المائة جنيه انتقلنا إلى الحاجة فاطمة "أحد سكان الحارة" وقالت: "زينب فتاة منضبطة ومثالية، ولكنها تنتمي لعائلة إخوانية متشددة وتأثرت بهم كثيرا، ووالدها ملتح، وأنا من ربيتها منذ كانت طفلة". وتتحدث عن يوم الانتحار: "في ذلك اليوم المشئوم طلبت "زينب" من والدتها إعداد وجبة الإفطار لها، وأعطتها مائة جنيه لشراء بعض الأغراض, وعندما اتجهت والدتها إلى السوق.. استغلت الفتاة غياب الجميع من المنزل وانتحرت". آخر كلماتها وبحسب حديث عمار مطاوع الناشط السياسي وصديق زينب، فقد كانت زينب في الآونة الأخيرة تعيش حالة نفسية صعبة على الصعيد "المادي والمعنوي". ويتذكر مطاوع دور "زينب" في تشجيعها له للمشاركة في النشاط الحقوقي والسياسي لاسيما بعد الاعتداء على المعتقلين "جهاد الخياط "و"أماني حسن". يقول: "حينها تمنيت أن تنتهي الحياة وتقوم القيامة، لكن زينب حدثتني وقومتني على مناصرة الشباب إعلاميا، وقالت: "هتفضل تولول زي الستات لحد امتى؟ فرديت عليها "وأنا يعني هعمل إيه"؟ ويستطرد: "طلبت مني أن أقابلها في وسط البلد ناحية ميدان التحرير بعد عودتها من الشغل لتعلمني أساسيات الشغل، وقابلتها وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي قابلتها. ويضيف: "كانت دي المرة الوحيدة اللي قابلتها فيها على الأرض يوميها فتحت اللاب توب الخاص بها ولمدة ساعة كاملة وأنا قاعدة قدامها زي التلميذ رغم إنها أصغر مني، قعدت تقولي أنت بتجيب الخبر من هنا وبعدين ترسل لصفحة كذا، وصفحة كذا.. وخد ملف الورد ده هتلاقي فيه الصفحات التي ستتفاعل معاك وخد الملف ده فيه أرقام الهيئات الحقوقية وبعدين تعمل كذا وكذا". استغل "مطاوع" لقائهما الأول واستفسر منها سبب توقفها عن النشاط في ملف المعتقلات، وكان ردها له: "تعبت، استهلكت، ومفيش فايدة، وكلهم ولاد (...)، وإحنا بنفحت في ميه، مفيش قانون خالص هيجيب حق حد بس إحنا بنعمل اللي علينا أهي كلمة حق نقدر بيها نبص لوشنا في المراية، مفيش عدل وأنا مدركة ده، ومفيش أي نصر جاي، بس بنضحك على نفسنا عشان نعرف نعيش". وبحسب حديثه فإنه لاحظ اختفاء زينب المهدي خلال الفترة وحاول التواصل معها برسالة والاستفسار منها عن السبب في ذلك لكن ردها كان غير مطمئن له وصارحته عن رغبتها في الانتحار، لكنه لم يصدقها واستهتر بكلامها، لكنها أكدت أن حديثها جدي دون أن يكترث هو لذلك. وتابع: "ما كانتش بتهزر.. أنا عمري ما بكيت زي النهاردة.. نفسي بس الزمن يرجع خمس ساعات لورا.. والله ما كنا هنسيبها". ملف المعتقلات وتابع مطاوع، في حديثه عن صديقته الناشطة السياسية زينب مهدي: "كانت هي بداية كل شيء.. هي السبب في إني أشتغل في ملف البنات المعتقلات، هي صاحبة النقلة النوعية في حياتي كلها.. بعد الاعتداء على المعتقلتين جهاد الخياط وأماني حسن، وكام خبر عرفتهم عن الاغتصابات وغيره.. فعليًا كنت أدعي ربنا إن الحياة تنتهي ويوم القيامة يقوم كفاية كده ظلم وقهر وعجز وقرف". شكوك وقال أحمد عبد العزيز، المستشار الإعلامي السابق للمعزول: "لن أسلم بانتحار زينب بهذه الطريقة، فقد كان يمكنها إذا أرادت الانتحار أن تلجأ إلى وسيلة أسهل وأقل إيلاماً،تجنبها مكابدة طلوع الروح بهذه الوسيلة العنيفة". وأكد عبد العزيز :"أشك في رواية شنق زينب لنفسها ،وإن كان موتها شنقا فعلى من يهمهم أمرها أن يبحثوا عن الفاعل". أما الدكتور هشام عبد الحميد، المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي، نفى وجود شبهة جنائية حول وفاة "زينب مهدي"، موضحا أن التشريح النهائي لها أكد انتحارها بواسطة جسم مرن حول الرقبة. وأضاف "عبد الحميد": أنه تبين وجود سحجات حول رقبة "المهدي" نتيجة التعليق بجسم مرن مثل الحبل، لافتا إلى أنه تم أخذ عينات دم وتحليل DNA من جسدها، لبيان تناولها أي نوع من أنواع المنومات أو المخدر قبل انتحارها من عدمه.