فى هذه الأيام المباركة ، نتعرف على عادات " موسم الحج " فى مكة قديما ، مع الرحالة الشهير" ابن بطوطة " الملقب بأمير الرحالة المسلمين ، فى كتابه " تحفة النظار فى غرائب الأمصار و عجائب الأسفار " .. سننتقل إلى مكة عام 726هجريا - 1326 ميلاديا ، فى الأول من شهر ذى الحجة ، حيث تضرب الطبول و الدفوف فى أنحاء مكة فى أوقات الصلوات ترحيبا بقدوم موسم الحج ، و التى تدوى فى جنبات مكة حتى يوم الصعود إلى عرفات . تبدء الاستعدادت لأداء مناسك الحج فى اليوم السابع من ذى الحجة ، حينما يعلم الخطيب الناس بعد صلاة الظهر عن المناسك ، و يوم وقفة عرفات . و فى اليوم الثانى يبكر الناس بالصعود إلى " منى " ، و يبيت فى تلك الليلة أمراء مصر و الشام و العراق بمنى ، و يتنافس أهل البلدان الثلاثة فى إيقاد الشموع . أما باليوم التاسع فيرحلوا من منى بعد صلاة الصبح إلى عرفة ، و يهرولون ما بين منى و المزدلفة ، و هناك عند المزدلفة صهاريج المياه التى بنتها "زبيدة بنت جعفر بن أبى جعفر المنصور ، زوجة أمير المؤمنين " هارون الرشيد ". و يصف ابن بطوطة رؤيته لجبل الرحمة المنقطع عن باقى الجبال ، الذى يعلوه قبة تنسب إلى " أم سلمة " رضى الله عنها ، و فى وسطها مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه يطل على عرفات ، و فى أسفل هذا الجبل دار عتيقة تنسب إلى " آدم " عليه السلام . و يقول ابن بطوطة أنه شهد الإمام المالكى وقت النفر و هو يدفع الناس للتقدم دفعة ارتجت لها الأرض ، مستكملا شرح بقية مناسك الحج. و يتابع الرحالة أن أول وقفة له بعرفات كانت الخميس فى عام 726 هجريا ، و كان أمير الركب المصرى وقتها" أرغون الدودار " نائب الملك الناصر محمد بن قلاوون و زوج ابنته ' كما حجت زوجة الملك الناصر " الخونده "، و أمير الركب الشامى "سيف الدين الجوبان " الملك الناصر بن قلاوون كان المسئول عن كسوة الكعبة ، لذا بعث بها مع الركب المصرى فى يوم النحر ، و هى كسوة سوداء حالكة من الحرير مبطنة بالكتان و فى أعلاها مطرز بالأبيض الآية القرآنية "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً " ، و على جوانب الكسوة طرزت أيضا آيات قرآنية بالأبيض ، كما يبعث الناصر بمرتبات القاضى و الخطيب و الأئمة و المؤذنين و الفراشين و القومة ، و ما يحتاج له الحرم الشريف من الشمع و الزيت فى كل سنة . و فى هذه الأيام تفتتح الكعبة الشريفة كل يوم للعراقيين و الخراسانيين و سواهم ممن يصل مع الركب العراقى ، و هم يقيمون بمكة بعد سفر الركبين الشامى و المصرى أربعة أيام ، فيكثرون فيها الصدقات على المجاورين و المكين و غيرهم . و يقول ابن بطوطة أنه شاهدهم يطوفون بالحرم ليلا ، و يعطوا لمن يلقوه هناك الفضة و الثياب ، و إذا وجدوا نائما يجزلوا له الذهب و الفضة حتى يفيق . و فى عام 728 هجريا يقول الرحالة الكبير أن كثرة صدقات الركب العراقى أدت إلى رخص سعر الذهب بمكة ، ليذكر فى هذا العام اسم السلطان أبى السعيد ملك العراق على المنبر و قبة زمزم .