20 سبتمبر 1938.. هدية من الماضي... الفن الجيد هو مايستوقفك ويجعلك تراجع نظرتك للامور , هذا عن الفنون بشكل عام أما عن الفن السابع وهو فن السينما فقد يجعلك هذا الفن بتركيبته الفريدة تراجع أدق التفاصيل وربما يجعلك تتعرف على الأشخاص بل الأماكن بشكل مختلف. لم أقصد أن أطيل أو أن أسلك درب من دروب الفلسفة , بل هذا هو ما حدث لي بالفعل عند مشاهدتى لمجموعة من الأفلام التسجيلية أثناء عرضها فى "مركز الإبداع" ب"دار الأوبرا المصرية" يوم الاثنين الماضي ضمن تحكيم مشاريع السنة الثالثة بالمعهد العالي للسينما, والتي جضرها عميدة المعهد د. غادة جبارة ود. نجوى محروس استاذ الإخراج والمشرفة على الأفلام التسجيلية وبعض أساتذة ورؤساء أقسام المعهد بالإضافة الى المخرجين سمير سيف, سعد هنداوي, سندرا نشأت, أحمد رشوان, منال خالد, محمد فاضل، إبراهيم البطوط، ومديرى التصوير محسن أحمد, وائل درويش, أحمد حسين, د. محمد شفيق والمنتجين جابي خوري, هشام عبد الخالق والمونتيرة مها رشدي والناقد طارق الشناوي وآخرون مابين مشاهدين وأعضاء لجنة تحكيم وتحديدا عندما أعلن المشرف على عرض المشاريع عن عرض الفيلم الاخير فى المشاريع بعنوان "20 سبتمبر 1938.. هدية من الماضي" ولفت المشرف نظر الحاضرين لطول الفيلم الشديد والذي يصل إلى حوالى الساعة وأربعون دقيقة وهو ما يعادل طول أكثر من سبعة أفلام لباقى الطلاب, وإنزعج الكثيرون من الحضور من طول الفيلم خاصة بعد يوم شاق من المشاهدات والمناقشات والتحكيم امتد لاكثر من اثنى عشر ساعة .. وبدأ الفيلم بالعناوين أو التيترات التقليدية لأي مشروع تخرج أكاديمية الفنون .. المعهد العالى للسينما يقدم ... 20 سبتمبر 1938.. هدية من الماضي ومع أول ظهور لشخصية بطل الفيلم أدركت اني "أعرفه" فهو "الدكتور مختار يونس" استاذ الاخراج بالمعهد بحكم كونه استاذي في المعهد العالي للسينما منذ أكثر من ستة وعشرون عاما، هذا بالإضافة إلى أنه والد لأربعة من أصدقائي من قدامى الخريجين من معهد السينما في مختلف التخصصات, ومنذ أول مشهد ايضا اكتشفت أن ابنته الصغرى "كوثر" أو كوكى كما كان يناديها في الفيلم وهي مخرجة الفيلم أيضا هي شريكته في البطولة, وكانت المفاجأة بالنسبة لي هى إكتشافي اني ارى دكتور مختار واعرفه من منظور جديد وكأني "معرفوش" واكتشفنا جميعا اننا نشاهد فيلما من نوع فريد يختلف عن كل ما شاهدناه منذ الصباح يستعرض العلاقة الإنسانية بين كوثر ووالدها الدكتور مختار يونس وبشكل أوسع وأشمل فهو يستعرض العلاقة بين الاجيال , جيل الإبنة ذات العشرين عام وجيل الاب الذي تجاوز الخمسة وسبعون عاما من خلال رحلة للبحث في الماضي رتبت فيها كوثر السفر في رحلة إلى روما بمناسبة حلول عيد ميلاد والدها الخامس والسبعون وهو يوم "20 سبتمبر" من أجل البحث عن سيدة ايطالية كان يرتبط بها والدها الدكتور مختار منذ أكثر من ثلاثة وثلاثون عاما حين كان يعيش في ايطاليا وقت اتمام دراسته العليا , ويستعرض الفيلم خطوات الترتيب لهذه الرحلة بكل تفاصيلها وإقناع الأب بالسفر إلى ايطاليا من أجل البحث عن هذه السيدة لكي يعيد إليها خاتم الزواج الذي إحتفظ به طوال هذه السنوات على أمل إعادته وكاد أن ينساه لولا ان الإبنة "كوثر" تذكرت هذا الأمر والذي كان قد حكاه لها ابوها ضمن ذكريات الماضي فاستطاعت الإبنة أن تحيي بداخله هذه الرغبة الدفينة لتسوية بعض الحسابات من الماضي. وتبدأ رحلة البحث والوصول والتي يستغرق زمنها الفعلي عشرة أيام هي زمن بقائهم في إيطاليا , استطاعت كوثر ان تضعها في قالب رائع من الإثارة والتشويق سواء للمشاهد أو لوالدها بطل الفيلم الذي لم يكن يعلم انه موضوع للتصوير أصلا, والجميل والمثير أنها كانت تحمل على عاتقها مسئولية التصوير وصنع شريط الصوت دون ان يكتشف والدها السينمائي أنها تقوم بتصويره. شخصيات الفيلم هم د. مختار يونس, وإبنته كوثر مخرجة الفيلم, وصديقة لها ايطالية تقابلها في روما لتساعدها في البحث, ووالدة كوثر وأختها وشخص عربي من اصول ليبية يتعرفون عليه لدى وصولهم إلى روما, والسيدة الايطالية موضوع البحث. والجديد في هذا الفيلم, أن كل شخصيات الفيلم وخاصة بطل الفيلم لم يكن أحد منهم يعلم انه يتم تصويره, وان مايحدث عبارة عن جزء من الأحداث الدرامية للفيلم. تحية لكوثر على جرأة التناول بداية من إختيار موضوع يمس عائلتها ويقتحم بيتهم, وعلى اعدادها لسيناريو ودراما الفيلم التي لم تكن سهلة بالمرة في ظل عدم معرفة احد غيرها بأن هناك فيلما يتم تصويره, فكانت تلجأ إلى استفزاز الشخصيات احيانا لكي تنتزع منهم ماتريد, وعلى قدرتها الرائعة في التحكم في المادة الفيلمية التي اختلستها بكاميرا الموبايل الخاص بها واستطاعت ان تصنع منها دراما تتمتع بعناصر التشويق والاثارة بالإضافة إلى خفة الظل والمشاعر الفياضة, وأشكرها على تحملها مسئولية الفيلم كاملة بكل تفاصيله, وتحية إلى أسرة كوثر بداية من السيدة الفاضلة زوجة الدكتور مختار والتي كانت ضمن الشخصيات داخل الفيلم وحضرت عرضه وتحية للدكتور مختار نفسه على موافقته على عرض الفيلم الذي اعتبره في حد ذاته هدية غالية قدمتها كوثر إلى والدها وهدية قدمها الاب إلى ابنته. استطاعت كوثر أن تضحكنى وتبكينى بالمفارقات المرحة وكوميديا المواقف المختلفة مع والدها "د. مختار", فاستطاعت ان تقدم لنا والدها كما عرفته هي في حياتها فأحببناه بعينها واستحقت عن جدارة لقب مخرجة متميزة بعد ان ضجت القاعة بالتصفيق الحاد بعد صمت مطبق مع ظهور أول لوحة في عناوين النهاية ووقوف الحاضرين تحية لها مع استمرارهم في التصفيق, وجائت تعليقات الحاضرين من كبار المخرجين بالثناء على موضوع الفيلم واسلوب تنفيذه الغير مسبوق.