كل شىء جميل فى مصر كان زمان فأصبحت مصر فى خبر كان.. بدأت الفنون جميعها بشكل مواكب لظهورها فى أوروبا ولم يتأخر وصولها إلى مصر عن دخولها إلى اوروبا ودول العالم كثيرا وساعد فى ذلك ظروف الاحتلال الذى كانت تقع تحته مصر , فاتت كل الفنون بهدف تسلية رعاياها بالإضافة إلى ان مصر كانت سوقا لكل أنواع الفنون فدخلت فنون الموسيقى والباليه وازدهرت بخاصة بعد تفكيك اوروبا فى اعقاب الحرب العالمية الثانية ونزوح معظم رواد الموسيقى والفنون من اوروبا إلى مصر مما خلق مجالا خصبا لراغبي تعلم هذه الفنون إلى النهل من العلم فقد اتى إليه الأستاذ الأجنبى بدلا من ان يسافر فى بعثة من اجل العلم. وفى اعقاب ثورة 23 يوليو ادرك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أهمية الفنون والثقافة ودورها فى حياة الشعوب داخليا وخارجيا فتأسست فى البداية وزارة الإرشاد القومى والتى اقترن اسمها بالثقافة فى أكتوبر 1958 وظلت كذلك حتى استقلت تماما عنها فى أكتوبر 1965، وكان الرئيس قد اعطى اوامره وقتئذ إلى ثروت عكاشة بانشاء وزارة للثقافة كانت هي المنارة لمصر وكل شعوب المنطقة وكان ذلك فى حكومة الوحدة الثانية وتحديدا فى أكتوبر عام 1958، وتم تعيين عكاشة كأول وزيرللثقافة والإرشاد القومى فى الفترة مابين نوفمبر 1958 – سبتمبر 1962 ليعود مرة اخرى لتولى مسؤلية الوزارة بتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر فى الفترة مابين سبتمبر 1966 – نوفمبر 1970, صدر من خلالها الثقافة المصرية بلهجتها السلسة المرحة الى كل الشعوب العربية الشقيقة عن طريق فنون المسرح والاغنية والسينما المصرية التى كانت تمثل الدخل القومى الثانى لمصر بعد محصول القطن، وساعده فى ذلك دخول التليفزيون إلى مصر عام 1960، ولم يغفل عكاشة وقتها ايا من أنواع الفنون فاهتم بالأدب والموسيقي و فنون المسرح والباليه والفنون التشكيلية وانشأ دار الكتب والوثائق القومية ودار الكتاب العربي للنشر، وانشأ هيئة قصور الثقافة ومعاهد اكاديمية الفنون وفرقة باليه الاوبرا المصرية واهتم برواده الاوائل من الجاليات الاجنبية المقيمة بمصر وفنون الرقص الشعبى فصدرت الأوامر بتأميم فرقة رضا للفنون الشعبية ضمن قرارات التأميم التى صدرت وقتها لتتبع الفرقة وزارة الثقافة والارشاد المصرية بعد ان كانت فرقة خاصة , وإهتم بفنون السيرك فأنشأ مدرسة السيرك والسيرك القومى. السيرك .. فنون تدر الملايين بل المليارات نشأت فى مصر منذ عهد الفراعنة وحديثا كان تاريخ انشاء اول سيرك في مصرعام 1869 فى عهد الخديوى اسماعيل في منطقة الإزبكية وعرف "بسيرك الازبكية" كانت تقدم فيها فنون السيرك والتمثيل والبانتومايم وظل الحال كذلك حتي ظهر أول وأشهر سيرك عائلي مصرى عام 1889 وهو "سيرك الحلو" على يد مؤسسه" علي الحلو" الذى حاول الاستفادة من العروض الأجنبية التي كانت تقدم في عهد الخديوى إسماعيل فقام بشراء فيل صغير من الفنان الإيطالي "هيجيم" والذي جاء لمصر ليعرض فقرات مع الأفيال والخيول, وبدأ الحلو في تدريب الفيل وعمل الحلو بمشاركة عائلته فى تقديم فقرات السيرك وكانت ابنته "محاسن الحلو" تشترك فى تقديمها فى عمر أربع سنوات كأصغر لاعبة للأكروبات، وفي بداية القرن العشرين أدخلوا أسدين مما ساهم في مزيد من الشهرة والإقبال الجماهيري أثناء جولاته في محافظات مصر ووصلت شهرته إلي الملك فاروق فطلب إستضافة السيرك في قصره ليشاهد أهم فقراته التى أنبهر بها وخاصة بالطفلة محاسن الحلو, ومنح لقب البكوية لحسن الحلو, ليصبح حسن بك الحلو وأبدي الملك فاروق استعداده لمساعدة السيرك في أي مشكلة يتعرض لها. ظهر بعد ذلك "سيرك عاكف" عام 1912 فى طنطا علي يد مدرب الجمباز "إسماعيل عاكف" الذي كان يعمل في مدرسة الشرطة, وكانت عروضه تعتمد على الاستعراض والأكروبات وتفتقد الى الحيوانات التى ميزت "سيرك الحلو" عن "سيرك عاكف", ومن هذا السيرك العائلي خرجت الفنانة نعيمة عاكف الفنانة الشاملة التي لمع نجمها ... حتى التقطها المخرج أحمد كامل الكحلاوي من ملهي الكيت الكات وقدمها حسين فوزي للشاشة الفضية عام1949 وبرعت بحكم نشأتها في عالم السيرك, وإيمان عاكف فنانة الأكروبات التي عملت حوالى عشر سنوات في بداية السبعينيات ثم إبتعدت, ثم هند عاكف لاعبة الأكروبات واللتى اتجهت إلي التمثيل هى الاخرى وتركت عالم السيرك ورائها. وظهرت عائلات أخري مثل سيرك عائلة راشد, وعائلة ياسين عبد الله والد الفنانة صابرين, وحنفي الصول. وهكذا قامت فنون السيرك على اكتاف روادها الاوائل "على الحلو" و"اسماعيل وامين عاكف" و"حنفي الصول" و"حسن ياسين" وغيرهم من الفرق الخاصة التى كانت منتشرة فى ربوع مصر فى الموالد تمارس فنون السيرك وتتقنها بجهودهم الذاتية ومن مالهم الخاص والذين اصقلوا خبراتهم وقتها من الخبرات الأجنبية التى كانت موجودة في مصر وتعتبر فنون السيرك من أرقى انواع الفنون وأصعبها .. فنان السيرك .. هو فنان يبدأ ممارسة فنه فى سن الخامسة فيكبر فنه معه ويصبح جزء من حياته بل هو حياته كلها لأن عالم السيرك مختلف عن عوالم كثيرة فى طبيعة حياة فنانيه والعلاقات فيما بين لاعبيه لذلك فهو فنان حقيقى يستحق اللقب عن جدارة. وكان السيرك هو المزار الأول لضيوف روسيا من الملوك والرؤساء وعندما عاد الرئيس جمال عبد الناصر من زيارته للاتحاد السوفيتى وقتها قرر الإستفادة من التجربة الروسية فى انشاء السيرك الروسى الحديث وكانت أهم أوامره هى انشاء سيركا قوميا لمصر في عصرها الذهبي للفنون؛ فقام ثروت عكاشة بجمع الفرق الخاصة الموجودة وقتها وأحضر الخبراء الأجانب والمدربين والمخرجين من روسيا الى مصر وكانت التدريبات تتم فى الحديقة الخلفية لقصر عابدين وانشأ مدرسة للسيرك التى بدأت عملها فى عام 1962, وافتتح الزعيم عبد الناصر وثروت عكاشة السيرك القومى فى عام 1966 فى موكب ضخم ضم لاعبى السيرك فى العقلة والبسكليت والخيول والافيال وتم اخلاء بعض شوارع القاهرة له, وخلال عام واحد وصل السيرك القومى إلى القمة وأصبح ترتيبه الثالث على مستوى العالم من حيث قوته وتأثيره وكانت فقراته لاتقل عن مستوى سيرك موسكو وظل كذلك حتى أوائل الثمانينات و اصبح فنانوه سفراء لمصر في الداخل والخارج والأوائل, بل الوحيدين فى الشرق الأوسط ... مائة وخمسون عاما مرت منذ دخول فنون السيرك إلى مصر على يد رواده الأوائل, ازدهر فيها السيرك وانفقوا خلالها أموالهم وأرواحهم من أجل بقائه. تدهور حال السيرك منذ ان اصبح قوميا فى ظل إشراف وزارة الثقافة فأصبح فناني السيرك يجنون الملايين ونصيبهم منها الملاليم. وبعد ان احتفى بهم القائد جمال عبد الناصر وكرمهم وانشأ لهم مدرسة لفنون السيرك تم اغلاقها فى اعقاب حرب اكتوبر فى عام 1975فى عهد وزير الثقافة الاديب "يوسف السباعى" وبعد عامين من الأن وفى عام 2016 سوف يكمل السيرك القومى عيده الخمسين فهل يعقل ان وزير الثقافة "الدكتور فاروق حسنى" الذى جلس فى مقعده على مدار 23 عاما فى عهد مبارك هى نصف عمر "السيرك القومى" تقريبا لم يزور فيها السيرك إلا مرة واحدة!! والآن ونحن على مشارف عهد جديد مفعم بالأمل نتسائل ماذا سوف يكون مصير السيرك القومي وكل الفنون القومية التى تمثل قيمة معنوية لمصر بجانب ما تحققه من دخل مادى فالسيرك برغم انحداره ووصوله إلى ماوصل إليه لازال يدر لمصر مايقرب من اربعة ملايين جنيه سنويا ويمثل فنانوه مصر كل يوم ويحصدون الميداليات الذهبية، ولكنه مهدد بالإنقراض إذا لم يجد الاهتمام والرعاية من الدولة ايضا, وبعد ان كانت فروع السيرك القومى منتشرة فى جميع محافظات مصر لم يتبقى إلا الفرع الرئيسى بالعجوزة وفرع "جمصة"، والمثير للدهشة أن السيرك القومى أصبح الآن لا يستطيع دخول المحافظات التى خرج منها فى ظل المنافسة الشديدة أمام السيركات الأجنبية التى تحصل على تصاريح للعمل. فالسيرك يحتاج ان يوضع فى مناخ الاستثمارالناجح شأنه شأن باقى المشروعات التجارية ولكن بإدارة فنية. فبعد رائد الثقافة الأول ثروت عكاشة تعاقب على مقعد وزارة الثقافة حوالى ثلائة عشر من الوزراء مابين وزير لم تكن الثقافة ضمن أولوياته ووزير غابت في عصره الرؤية الثقافية, ووزير جلس اكثر من 23 عاما فى مقعد الوزارة تجمدت الثقافة فى عصره وبين وزراء تعاقبوا لتسيير الاعمال فى مراحل مصر الانتقالية فى اعقاب ثورتى 25 يناير و30 يونية والذين بلغ عددهم وحدهم ثمانى وزراء. فلو ارادت مصر ان تنهض مرة اخرى فيجب ان يعمل كل مواطن على ارض هذا الوطن ويصبح منتجا وان ينتهى نموذج الاخ العامل الذى ينفق على شقيقه السليم العاطل .. وان ينتهى نموذج ان تنفق القطاعات العاملة والمنتجة بالوزارة على القطاعات العاطلة. وان ارادت مصر ام الدنيا ان تصبح قد الدنيا , فيجب ان تستعيد مكانتها وريادتها الثقافية اولا , واولى خطوات هذه الريادة هى ان نحافظ على معطياتنا الثقافية المتمثلة فيما لدينا بالفعل وان نحمى فنوننا القومية من المنافسة الأجنبية برغم ان هذا لا يمنع الاحتكاك وتبادل الخبرات وايضا يجب اعادة هيكلة وزارة الثقافة بالكامل لتخرج هذه الفنون من اطار الادارة الروتينية الى ادارة فنية استثمارية ناجحة كما بدئها اصحابها وإلا فلنطلق صراح هذه الفنون ونتركها تعود إلى اصحابها لعلها تحيا وتزدهر مرة اخرى كما بدأت, كما يجب ايضا أن نحافظ على هويتنا الثقافية وهذا ليس بجديد فحتى الدول العظمى عندما ارادت ان تتحد ابان انشاء الاتحاد الاوروبى وضعت استثناءا للهوية الثقافية لكى تنفرد وتتميز الدول صاحبة التاريخ الثقافى والحضارات. فمنذ أن أسس ثروت عكاشة للثقافة فى مصر لم تحدث عليها اى إضافة نوعية وما حدث هو انحدار بل اندثار لكل ما هو ناجح ومنتج فى الوزارة بداية من مؤسساتها العلمية المتمثلة في معاهد أكاديمية الفنون إلي قطاعات الوزارة العاملة والمفترض أن تكون منتجة وتهدف الى الربح بجانب دورها الثقافى والتنويرى وكأن التفكير والتخطيط السليم إقتصر فقط على العصر الذى استحق عن جدارة ان يوصف بالعصر الذهبى للفنون. اقرأ فى الملف " عالم السيرك القومي .. إثارة ومتعة بطعم الإهمال" * فنانو "السيرك القومي" ل"محيط": نحصد للدولة الملايين ومرتباتنا ملاليم * لاعبة المشي على السلك ل"محيط": مفيش حد بيقدرنا..وقعت من فوق السلك مرتين ولم ألمس الأرض * لويزا حكيم ل"محيط": ألعب بالثعابين القاتلة وأخاف من الفأر والبرص * محمد الحلو ل"محيط": الأسود "غلابة" واعتبرهم أولادي * لاعب الطوق الفضي ل"محيط": نقدم حياتنا لإسعاد الجمهور ولا نجد التقدير * مدير شعبة السرك القومي : أرجوكم نظرة.. لاعب السيرك أصبح سائق تاكسي ** بداية الملف