ذات يوم كنت ممسكاً بريموت التلفاز، متنقلا بين قنوات هذا الجهاز، عسى أن أجد شيئاً يستحق المشاهدة بامتياز. بالفعل، وجدت ضالتي في حلقةٍ من مسلسل "إمام الدعاة" .
والتي نجح خلالها الشيخ محمد متولي الشعراوي – رحمه الله – في إطفاء نيران فتنةٍ طائفية كادت أن تشتعل بين أهالي إحدى القرى الريفية.
نظراً لأن أعياد المسلمين والمسيحيين قد صادف أنها جاءت في نفس اليوم، فطلب بعض المسلمين تأجيل الاحتفال المسيحي، بينما أصر المسيحيون علي حقهم في الاحتفال بعيدهم.
وبعد شد وجذب، ذهب وفد من كبار أهالي القرية المسلمين وعلي رأسهم الشيخ الشعراوي لتهنئة المسيحيين بعيدهم ومشاركتهم احتفالاتهم.
ونجح الشيخ خلال كلمته وبحكمته أن يحقق بين الطرفين الألفة والوئام بمعسول الكلام، بعد أن كادت تنشب بينهما فتنة الفرقة والخصام.
تذكرت هذا الموقف وأنا أتابع مهزلة ما حدث في إمبابة من تراشق بين المسلمين والمسيحيين بالطوب والرصاص وعبوات المولوتوف، و"جعلونا فُرجةً بين دول العالم، وخلوا اللي مشفش يشوف".
ووصل الأمر للدرجة التي جعلت شخصا يُدعي موريس صادق، رئيس "الجمعية الوطنية لأقباط الولاياتالأمريكية"، يدعو عقب هذه الأحداث إلى فرض الحماية الدولية على مصر، بحجة اضطهاد الأقباط والشيعة والبهائيين والليبراليين.
استغفرت الله ثلاث، ورددت قول الله تعالي: "قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس".
وقبل هذا الحدث بأيام، كانت هناك معركة أخري ذات بُعدٍ طائفي أيضاً، هي "المليونية"، فقد هدد السلفيون بمليونية الي الكاتدرائية بالعباسية.
وهدد المسيحيون بمليونية لحماية الكاتدرائية من التهديدات السلفية، وكانت كلمة السر هي (كاميليا شحاتة) التي لا نعرف للآن هل أسلمت أم إنها قبطية؟!
فتساءلت: من كاميليا شحاتة هذه التي تريدون بسببها إحراقَ بلدٍ به 80 مليون مواطناً مصرياً؟
قلت: سبحان مغير الأحوال من حالٍ الي حال.
ففي وقتٍ ليس ببعيد، كنا نردد شعارات "عاش الهلال مع الصليب"، و"مسلمين، مسيحيين، كلنا مصريين".
وكان المسلمون يحمون الكنائس، والمسيحيون يحمون المساجد، وكان المسيحيون يقفون مع أخوانهم المسلمين في ميدان التحرير، يهتفون "عيش حرية، كرامة، عدالة اجتماعية".
ماذا حدث؟
وما الذي تغير؟
وهل وصلنا للحالة التي نحتاج فيها للحماية والوصاية الدولية؟
وجاءتني الإجابة من وكالة "حسن ومرقص وكوهين"، والتي صرح المتحدث الرسمي باسمها: "إحنا عاملين اوكازيون شعاره (بنفس السعر، بدل ما تأخد فتنة واحدة، ستأخد فتنتين).
اعتقد أنه بعد هذا الإعلان "كل شيء انكشف وبان"، واتضحت الصورة بهذه المقولة.
لقد تحررت مصر بعد ثورة 25 يناير من قيود التبعية والوصاية الغربيةوالأمريكية، وتحركت سياسياً ودبلوماسياً أفريقياً وعربياً، وبدأت ترمم الخلافات، وتستعيد من دورها ما قد فات.
فكان لابد بين الحين والآخر أن يتم إشعالها بتفجيرٍ أو فتنةٍ داخلية، تشغلها عن متابعة قضاياها الخارجية، بل وتزعزع أمنها واستقرارها لإجهاض ثورتها وتعطيل مسيرتها التنموية.
نعم، "حسن ومرقص وكوهين" هي أصابع خفية - للأسف - مصرية وعربية، وأيضاً غربية وصهيونية يهمها بسبب مصالحها إشعال جبهة مصر الداخلية، وإبعادها عن أدوراها واهتماماتها الخارجية.
والحق يُقال فلا يجب إلقاء اللوم كله علي الخارج فحسب، بل يجب علينا أن نلوم أنفسنا أيضاً، فكم آسينا وعانينا من ظلم وقهر النظام السابق علينا، ولكننا شئنا أم أبينا بأفعالنا الذميمة سنهدم ما بنينا، بعد ثورة أزالت كثيراً مما اشتكينا.
ويطل علينا الإمام الشافعي - رحمه الله – بما قاله من كلام من سنين وأزمان، وكأنه يعيش بيننا الآن: