يعد الفلاح المصري الداعم الأول للدولة، خاصة في تلك الفترة من مراحل العمل الوطني في مصر، التي تتطلب توفير الأمن الغذائي، ويعتبر رمزا من رموز الشخصية المصرية، فالمعروف عنه ارتباطه بأرضه و دفاعه عن حقه باستماتة، كما يعد الاحتفال بعيده الذي يوافق التاسع من شهر سبتمبر من كل عام، مناسبة تؤكد على أهمية استعادة اهتمام الدولة به وبدوره حيث يحتاج لنظرة عميقة حول كيفية إزاحة ركام الأتربة عنه وعن حياته، ولعل البداية المبشرة تكون في الاهتمام الذى تبديه الدولة حاليا به بالإضافة إلى نجاح تجربة انشاء نقابة للفلاحين مستقلة تدافع عن أعضائها الذين يعدون الأضخم عددا والأكثر أهمية في مصر، والنية الى اسقاط الديون عن الفلاحين المتعثرين عن سدادها. قبل 62 عاما احتفلت مصر فى سابقة هى الاولى من نوعها حينئذ بعيد الفلاح المصرى الذي واكب ذكرى صدور قانون الإصلاح الزراعي الذى أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 9 سبتمبر عام 1952 وذلك تنفيذا لواحد من المبادىء التي قامت عليها ثورة 23 يوليو وهو مبدأ القضاء على الإقطاع. لم يكن الاحتفال بعيد الفلاح إلا ثمرة لسلسلة من الكفاح من أجل حقوقه، فجاءت ثورة يوليو لتعطي الفلاح المصري بعضا من هذه الحقوق بإصدار قانون للإصلاح الزراعي الذي حدد سقف الملكية الزراعية للإقطاع الذين سخروا الفلاحين لخدمة اراضيهم، وذلك في محاولة من ثورة يوليو لإعادة الحقوق الضائعة للفلاح المصري الذى عاش اجيرا يعانى من استبداد ، وفى هذا اليوم قام الرئيس جمال عبد الناصر بتوزيع عقود الملكية للأراضي الزراعية التي استقطعت من الإقطاع على الفلاحين الصغار بمعدل 5 أفدنة لكل فلاح . وتم اختيار يوم 9 سبتمبر لاصدار قانون الاصلاح الزراعى وللاحتفال بعيد الفلاح لتزامنه مع ذكرى وقوف ابن محافظة الشرقية الزعيم أحمد عرابي في مواجهه ظلم الخديوي توفيق عام 1881، مطالبا الخديوي بتنفيذ مطلب أحد الفلاحين المصريين ولكنه رد عليهم بقوله" كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها ، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا " فرد عليه عرابي بعبارته الشهيرة " لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم، ولهذا فقد اتخذته محافظة الشرقية عيدا قوميا لها. امتد هذا الخيط عبر التاريخ ليؤكد أن الفلاح المصري كان محركا للثورات الاجتماعية وإن كان النيل قد ضخ في دمه جينات الحكمة فقد قام الفلاحون المصريون بالإضراب عن العمل في حفر قناة السويس في يناير 1862 بعد العمل بنظام السخرة، وعدم إعطائهم أجورا لعملهم مع سوء الأحوال المعيشية ، واضطر المسئولون عن حفر القناة لتحديد أجر للفلاحين، وتحسين معيشتهم نسبيا، وتوفير مياه الشرب لهم ، وحتى أثناء ثورة 1919 تكاتف فلاحو زفتي في تكوين ما سمي بجمهورية زفتي حيث أعلن الجميع الاستقلال عن السلطة وشكلوا مجلسا وطنيا. وجاء الحزب الوطني بقيادة محمد فريد ليتبنى قضايا الفلاح وقد اهتم بتشكيل الجمعيات التعاونية والنقابات الزراعية والمدارس الأهلية، كما استطاع حزب الوفد أن يقدم عددا من الإنجازات خاصة الائتمان الزراعي، وقام بالدعوة لاستصلاح الأراضي وتوزيعها علي الفلاحين عام 1935 ، حتي جاءت ثورة يوليو لترفع القيود والأغلال عن أعناق الفلاحين بإصدار أول قانون للإصلاح الزراعي الذي أصدره جمال عبد الناصر في يوم 9 سبتمبر 1953 والذى قام بإعادة هيكلة الملكية الزراعية بتفتيت الطبقات بين الملاك والمزارعين ، حيث أصبح الفلاح الأجير مالكا لجزء من أملاك سيده، وأصبح للفلاحين حقوق كفلتها لهم الثورة ،ثم أنشئت جمعيات الإصلاح الزراعي من أجل استلام الأرض من الملاك وتوزيعها علي صغار الفلاحين ، فجاء الاحتفال بهذا اليوم كثمرة جهاد طويل بذل فيها الفلاح المصري الدم قبل العرق في سلسلة كفاحه ضد الظالمين. وللفلاح المصري دور كبير ومتعاظم في الاقتصاد، وعلى الرغم من ذلك فإنه بمرور الوقت تراجع الاهتمام الراسخ به وبقضاياه وبهمومه في ظل تعاقب الحكومات التي تخلى معظمها عن مسئوليته تجاه الفلاح والمشكلات التي يواجهها، فبات مايزيد عن 15 مليون فلاح في مصر لا توليهم الدولة الاهتمام الذى يستحقونه وزادت معاناتهم بإصدار قانون العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية . وكما كانت ثورة يوليو الناصرية ترجمة أمينة لطموحات الملايين من الفلاحين المصريين، فلا يمكن إغفال ضرورة الاهتمام بهذه الفئة في ظل ما جرى في 30 يونيو 2013 حيث تستلزم المرحلة القادمة ضرورة تفعيل هذا القطاع والتغلب على مشكلاته والعمل على ضمان حصول الفلاح على اعلى عائد من زراعاته وتوفير مستلزمات الانتاج له ووضع خطة عاجلة لإعادة التعاونيات لدورها الطبيعي بالإضافة الى اهمية تطبيق الدورة الزراعية للحفاظ على الارض الزراعية والعمل على تدوير المخلفات الزراعية على مستوى الجمهورية خاصة قش الارز لتلافى مشكلة السحابة السوداء المزمنة . وتستلزم المرحلة القادمة ضرورة تفعيل دور الاتحاد التعاوني بشكل كامل من اجل الارتقاء بمستوى الزراعة وتحسين الخدمات التي يمكن تقديمها لخدمة الفلاحين بما ينعكس ايجابيا على مستوى ادائهم خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة ، كما تستلزم الاهتمام به وتوفير الامن الصحى والاقتصادى والاجتماعى له من خلال التأمين الصحي الشامل على الفلاحين وتحسين الخدمات الصحية المتاحة للمزارعين بالقرى ، وتطوير منظومة التعليم لأبناء الفلاحين ومنحهم معاشا بعد سن الستين لا يقل عن 500 جنيه شهريا، وليس 70 جنيها التى يحصلون عليها حاليا تحت مسمى معاش " السادات "، واستمرار دعم مستلزمات الانتاج الزراعي لمزارعي المحاصيل الاستراتيجية ، وتخصيص الأراضي الصحراوية لصغار المزارعين وخريجي كليات الزراعة والطب البيطري ، وتعديل قانون التعاونيات الزراعية بما يضمن النهوض بها واداء دورها كاملا في مساندة المزارعين وتسويق محاصيلهم بأعلى الأسعار.