كمال الهلباوي كتب ويكتب وسيظل يكتب كثيرون عن المشكلات المستعصية عن الحل في العالم العربي والإسلامي.
وفي مقدمتها الديكتاتوريات والاستبداد والفساد والغش وسوء الادارة وضعف الاستقرار وتسلط الأمن... الخ، وغيرها من المشكلات أو التحديات التي يجمعها لفظ 'التخلف'.
باعتبار أن العالم العربي والإسلامي لا ينتمى إلى العالم الصناعي المتقدم أو التقني، ولا إلى العالم الذي يضيف للحضارة القائمة شيئا يستحق الذكر يوما بعد يوم، رغم الموارد العظيمة في مصر وفي غيرها من دول العالم العربي والإسلامي.
كما كتب بعضهم عن المشكلة الحديثة والإجرام الفظيع في عروس البحر الاسكندرية، وهي مشكلة التفجير أمام كنيسة القديسين في ليلة عيد رأس السنة الميلادية الجديدة.
ومهما كان التحليل أو التشخيص أو الرأي عن هذه المشكلة، ومعظمه قد يكون صحيحا مع شيء من المبالغة التي تصاحب طبيعة التفكير العربي والإسلامي المعاصر، فان القليل من هذه المقولات أو المقالات نظر في الحلول التي يمكن أن تقضى على هذه المشكلة مستقبلا.
هذا فضلا عن أن بعض الحلول التي تغوص في أحشاء هذه المشكلة، وتطرح الحلول بتجرد وحيادية واستقامة، لن ترضي الكثيرين ممن يقبضون على مقاليد الأمور.
بعض الحلول المقترحة، خصوصا من المعارضة ومن جانب الإسلاميين على الأخص وغيرهم، أو التي أشير اليها باقتضاب شديد تشمل، إتاحة الحريات، إقامة العدل، الدعاء والتضرع إلى الله تعالى لكي يمن علينا بالنصر، الصبر على الظلم.
لأن الله تعالى سيعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا والآخرة، اللجوء لأسلوب الحماية الخارجية أو ما يسمى بالاستقواء بالخارج، خاصة من بعض أقباط المهجر، وقليل ممن أشاروا إلى الحلول الواجبة لهذه المشكلات يرى ضرورة الجهاد، السعى إلى تأسيس حكم ديمقراطي ورشيد... الخ.
نظرت في مشكلة مصر كنموذج لمشكلات كثير من دول العالم الثالث وفي الحلول المقترحة، وسألت نفسي مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بالموضوع ومن هذه الأسئلة:
- لماذا يقدم الإنسان العربي أو المسلم على الجريمة؟ ولماذا لم تخفف المساجد ولا الكنائس ولا الأديرة ولا النظريات الاشتراكية ولا الشيوعية ولا الناصرية...الخ من الجرائم، على الأقل، البشعة؟
- لماذا لم ينجح التعليم ولا الإعلام ولا الثقافة ولا المحاكم، حتى العسكرية منها، ولا القضاء ولا السجون في تخفيف حدة الاجرام؟ ومع تقدم العصر؟
- لماذا لم تنجح مجالس الشعب ولا الشورى في هذه المهمة في مصر على سبيل المثال؟ وكيف ذهبت سدى توجيهات السيد الرئيس؟
- وأخيرا وليس آخرا، لماذا لم ينجح الأمن ولا القتل في أقسام ومراكز الشرطة ولا السحل والتعذيب، في القضاء على الجريمة وتحقيق السلام الاجتماعي؟ والنسيج الوطني المتماسك؟
كل هذه الأسئلة قائمة ومشروعة حتى تجد لها حلولا، وتحتاج إلى إجابات دقيقة بإخلاص وتجرد. هناك، في رأيي المتواضع، مشكلة رئيسية في المنتج وهو الإنسان المعاصر.
خصوصا ذلك الذي يرتكب هذه الجرائم البشعة ضد الكنيسة أو المسجد وضد الأسرة، الزوجة، الأولاد، الوالدين ...إلخ، وضد المجتمع ككل وضد المال العام، وضد الأمن القومي وحتى ضد النفس، ضد الوحدة العربية والإسلامية والإنسانية وضد تقدم الأمة.
ما أراه، والله أعلم، أن المشكلة الرئيسية تكمن في تكوين وتربية الإنسان أو المنتج الحضاري الإنساني، حتى يناسب تكوينه العصر، ويناسب سلوكه القيم والأعراف الصحيحة، وتناسب أخلاقه الفطرة والذوق العام المقبول للمجتمع وليس الشاذ منها، ويناسب كل ذلك مقتضيات العصر.
تنتج عن تلك المشكلة الرئيسية تحديات ومشكلات خطيرة ومهمة، تدخل كل منها في التكوين أو المحتوى، مثل عناصر الدواء، إذ يكون بعضها مرا وبعضها يكون مستساغا.
كيف هو تكوين الإنسان المسلم أو المسيحي أو اليهودي؛ الذي آمن بدينه إيمانا راسخا ويعتقد في صلاحيته، أي صلاحية الدين، لتكوين الإنسان من خلال المسجد والكنيسة والمجتمع.
وما هو تكوين الإنسان الذي لا ينتمي إلى هذه الأديان أو لا يراعي تعليماتها. وما هو أثر ذلك في البيئة أو عليها؟
طبعا تكوين الإنسان يعتمد في الغالب الأعم على فلسفة المجتمع أو الدولة التي ينتمى إليها بحكم النشأة والجنسية، المواطنة أو الإقامة.
كما يعتمد هذا التكوين على أهداف المجتمع ونظرته إلى الكون والحياة والإنسان، هذا من الناحية النظرية البحتة، أما من الناحية العملية فيعتمد هذا التكوين على وضع المناهج المناسبة الهادفة.
سواء التعلمية أو الاعلامية أو الثقافية أو الاقتصادية أو الأمنية، التي يمكن تلخيصها في ما يسمى خطة أو سياسة أو استراتيجية أحيانا أو غيرها، وتنفيذها تنفيذا دقيقا وأمينا، ويعتبر ذلك جهادا من جهاد العصر الذي نفتقده اليوم.
فكما أن القتل جريمة أو الاساءة إلى الجار فان الطريق أو المنهج الذي يؤدي إلى ذلك يجب أن يكون جريمة كذلك. وكما أن السرقة جريمة، فينبغي أن يكون الطريق أو المنهج الذي يؤدي إلى ذلك جريمة كذلك.
وكما أن أي فساد يكون جريمة، فان الطريق أو المنهج الذي يؤدي إلى الفساد يجب أن يكون جريمة كذلك. وكما أن التقصير من جانب كل الشعب بما في ذلك الرئيس يكون جريمة.
فإن مساءلة الرئيس ومن معه أمر مهم، ومن العبث أن يكون هناك ما يسمى بالحصانة للصوص والقتلة والمجرمين مهما كان انتماؤهم ووظيفتهم.
داخل صفوف الإسلاميين والمسيحيين واليهود والوطنيين والقوميين والاشتراكيين والشيوعيين والليبراليين وغيرهم، تتنوع أساليب ومناهج التربية والتكوين التي تخرج مستنيرين وتخرج في ذات الوقت متسيبين أو متطرفين أو سلبيين، تجاه مشاكل المجتمع وتجاه نظرة كل منهم للكون والحياة والإنسان.
قد يكون هذا مقبولا عندما كان الناس يعيشون في مدن وقرى وغابات منعزلة عن بعضها البعض، أما في هذا العصر الذي أصبح كل كاتب ومفكر، وكل حضري وبدوي وفلاح، وكل إنسان معاصر في الشرق أو الغرب من أهل الجنوب أو الشمال، يقول إن العالم أصبح قرية صغيرة، سواء كان يعيش في أكثر الدول أو المجتمعات تقدما أو في أكثرها تخلفا، فلم يعد ذلك مقبولا.
وأريد هنا أن أقترح نقطة انطلاق يجب أن يتفق عليها اليهود والنصارى والمسلمون وتصبح جزءا من برنامج التكوين العالمي والاقليمي والقطري.
حتى لا يخرج علينا رئيس مستبد أو متخلف أو مجنون يسيء فهم الدين ويستخف بشعبه، فيورده مورد الهلاك، كما كان الرئيس بوش الأب وبدرجة أكبر الابن.
وكما هو قائم وعليه كثير من حكام وزعماء العالم العربي والإسلامي للأسف الشديد، ثم يلام الدين ويسعى المجتمع إلى التحرر من قيوده المزعومة، كما فعل الغرب بالمسيحية واليهودية، ولا ينبغي أن نطالبهم باستثناء الإسلام، فنظرتهم سلبية إلى الدين أي دين، وبدأوا بما كانوا يدينون به ويتعصبون له، رغم هجرتهم عنه باسم الليبرالية أو العلمانية.
أقترح أن ننطلق من الوصايا العشر التي تقول أو تنص على:
(1) 'لا يكن لك آلهة أخرى غير الله. (2) 'لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لها ولا تعبدها، لأني أنا الرب الهك اله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع احسانا الى ألوف من محبي وحافظي وصاياي'.
(3) 'لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا، لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا'. (4) 'اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك. (5) 'أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب الهك'.
(6) 'لا تقتل'. (7) 'لا تزن'. (8) 'لا تسرق'. (9) 'لا تشهد على قريبك شهادة زور'. (10) 'لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئا مما لقريبك'.
في ضوء هذه الوصايا العشر، إذا كان الصهاينة والإسرائيليون، يهودا فعليهم العمل بما في هذه الوصايا، وهنا نجد حلا لمشكلات، منها قضية فلسطين المستعصية سياسيا على الحل.
أو ينبغي أن يتفق العالم على أن الصهانية والإسرائيليين غير اليهود، لأنهم لا يعملون بما في كتبهم وأسفارهم، وقس على ذلك بالنسبة للمسلمين والمسيحيين (النصارى). وهنا أيضا تنتهي مشكلة ما يسمى بالسامية.
وفي ضوء هذه الوصايا العشر نجد حلا لمشكلات كثيرة منها:
مشكلة تدني مستوى الأخلاق والسلوك والتعامل مع الآخر، سنجد حلا لمشكلة الإيمان والعقيدة والتوحيد والتثليث، وسنجد حلا لمشكلة النفاق والكذب، وسنجد حلا لمشكلة التفكك الأسري، وسنجد حلا لمشكلات أرهقت المجتمع العالمي.
بل ينبغي أن نضع عقابا لهذه المشكلات، واعتبارها من الإرهاب الذي يتعاون الجميع على محاربته، مثل مشكلة القتل والزنى وشهادة الزور والحسد والجشع.
وعندما نقول الجشع والحسد فلا أعني حسد الفرد فقط، بل جشع الدول مثل جشع الغرب اليوم، وطمعه في ثروات الآخرين، واحتلال منابع النفط مثلا، واحتلال ما يسمى بالمواقع الاستراتيجية.
ولعل أمريكا هي أبرز النماذج اليوم في هذا الميدان، وهذا يخلص بلادنا من أن تكون ميدانا للعبث والاحتلال من القوى العالمية.
طبعا أنا لا أقصد أن تذوب الديانات في بعضها ولا الثقافات ولا حتى الشعوب، ولكنني أردت أن تكون هناك نقطة انطلاق لا يختلف الناس عليها كثيرا، على الأقل مع من يتدينون، مع احترام كل ديانة وكل ثقافة وكل عرف لا يصطدم بنقطة الانطلاق.
وفي كل من الأديان الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام توجد نصوص صحيحة وقطعية أخرى تؤكد ما جاء في هذه الوصايا العشر، وقد يتاح الحديث مرة أخرى في هذا الموضوع لمزيد من الإيضاح وكيف يكون التكوين.
والله الموفق.
*مستشار مركز دراسات الحضارات في لندن جريدة القدس العربي 23/1/2010