مع ساعات الفجر الأولى، من ثاني أيام بدء سريان الهدنة "طويلة الأمد" في قطاع غزة، خرج الصيّاد الغزيّ محمود أبو حصيرة (34) عاماً، من منزله متوجهاً نحو ميناء "الصيادين"، بمدينة غزة، حيث يرسو "قاربه" الصغير، الذي لم يبرح مكانه منذ أكثر من (51) يوماً، بسبب الحرب التّي شنتها إسرائيل على القطاع في السابع من يوليو/ تموز المنصرم. على مدخل الميناء، حيث كانت تتوزع أضواء خافتة بشكل متفرق، قال أبو حصيرة لوكالة الأناضول للأنباء:" البحر بالنسبة لنا، كالبيت، تماماً كما عاد النازحون إلى بيوتهم بلهفة، عدنا نحن إلى مراكبنا بذات اللهفة، بعد انقطاع دام أكثر 7 أسابيع". ولم تكن عودة ذلك الصياد إلى عمله -في أول رحلة صيدٍ له-، كما كانت قبل بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، إنّما أتاح له اتفاق "وقف إطلاق النار" الذي وقّع في القاهرة، الثلاثاء المنصرم، مساحة للصيد تصل إلى (6) أميال بحرية، بدلا من (3) أميال. وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم الثلاثاء الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، وهي الهدنة التي اعتبرتها فصائل المقاومة الفلسطينية في بيانات منفصلة "انتصار"، وأنها "حققت معظم مطالب المعركة مع إسرائيل"، ورحبت بها أطراف دولية وإقليمية. وجاءت هذه الهدنة، بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من الشهر الماضي، واستمرت 51 يوماً، أسفرت عن مقتل 2145 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير الآلاف من المنازل، بحسب إحصاءات فلسطينية رسمية. وتتضمن الهدنة، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية، وقف إطلاق نار شامل ومتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين غزة وإسرائيل بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومستلزمات الإعمار للقطاع، الذي يقطنه نحو 1.9 مليون نسمة. وتبدو على ملامح أبو حصيرة علامات "الفرحة"، إذ سيمارس مهنته، اليوم، في مساحة (6) أميال بحرية، دون أن تعترضه "زوارق" البحرية الإسرائيلية، وتطلق عليه نيران أسلحتها، كما اعتادوا في سابق الأيام، قبيل حرب ال(51) يوماً على القطاع. وعقب حرب ال(8) أيام التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2012، سمحت اتفاقية التهدئة الموقّعة بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي بوساطة مصرية، بتوسيع مساحة الصيد من (3) أميال بحرية حتّى (6) أميال، إلا أنه وبعد مرور أقل من (3) أشهر، قلّص الجانب الإسرائيلي تلك المسافة إلى (3) أميال فقط، حسب وزارة الزراعة. وبيّن أبو حصيرة أن الصيد في مسافة (6) أميال بحرية، تنعش سوق السمك بغزة، كما تعطي للصيادين فرصة لاصطياد أنواع وكميات من الأسماك تختلف "نسبياً" –بدرجة ليست ببعيدة-عن تلك الكميات التي كانوا يصطادونها في مسافة ال(3) أميال. وطالب أبو حصيرة الوفد الفلسطيني المفاوض، بالتمسك بمطالب الشعب الفلسطيني، وتوسيع مساحة الصيد لأكثر من (6) أميال بحرية، مشيراً إلى أن السمك "الوفير" يتواجد في مسافة تصل إلى (9-12) ميلاً بحرياً. ولفت إلى أن صيادي قطاع غزة استطاعوا من تغطية حاجة سوق السمك بنسبة (90)% في أول يوم عمل لهم، في مساحة ال(6) أميال بحرية. وفي السياق ذاته، قال نزار عيّاش، نقيب الصيادين بغزة، إن صيادي غزة تمكّنوا من اصطياد ما يقارب (20) طناً من الأسماك المختلفة، في أول رحلة صيدٍ بعد حرب دامت لأكثر من (51) يوماً. وأما الصياد داود شيخة، (40) عاماً، فقد أصابته كمية الأسماك التي اصطادها في مسافة (6) أميال بحرية، في أول رحلة صيد له عقب انتهاء الحرب، ب"الفرحة"، إذ لم يكن يحصل على تلك الكمية، التي وصفها ب"الوفيرة"، عندما كان يبحر ليمارس عمله في مسافة (3) أميال فقط. وتابع للأناضول:"رغم أن العمل بمساحة صيد (6) أميال، لا يغطي مصاريف العمل ومعدات واحتياجات الصيادين، إلا أنه مقارنة مع المساحة التي كان مسموحاً العمل بها، فهي أفضل بالتأكيد". وأعرب عن تخوفاته من عدم التزام إسرائيل باتفاق "الهدنة طويلة الأمد"، قائلاً:" هناك تخوفات من إعادة تقليص المسافة حتى (3) أميال، وإن حصل ذلك، فإنه يشكل كارثة كبيرة على عائلاتنا، في ظل تردي الأوضاع المعيشة الصعبة بغزة". وبيّن شيخة أن أنواع الأسماك في مسافة (6) أميال بحرية، تختلف عن الأنواع المتوفرة في مسافة (3) أميال، إذ تتوفر أسماك "المليطة"، و"السردينة" في تلك المسافة.