قالت لي : كل يوم تصلني باقة ورد جميلة رائعة. لكنها لا تحمل بطاقة صاحبها المجهول. وطوال اليوم يحمل لي تليفوني رسائل ليست سوي أغنيات عاطفية رقيقة.. لكنها في النهاية لا تكشف اسم راسلها الرقيق !.. أليس ذلك هو الحب الذي تبحث النساء عنه طوال العمر ؟! قلت لها : ربما.. وربما لا ! قالت : كيف.. ألا تعرف شيئاً اسمه الحب الحقيقي ؟ قلت لها : أتصور أني أعرف.. الحب ليس باقة ورد. وليس أغنية عاطفية رومانسية.. الورد والزهور عمرها قصير.. الوردة بعد يوم أو يومين. تذبل وتجف أوراقها الجميلة الناعمة. وبصبح مكانها الأخير سلة القمامة. والأغاني العاطفية كتبها مؤلفون لا قلوب لهم. فقط من أجل ثمن الأغنية ! قلت لها : الحب يا عزيزتي أن أزرع لك بيدي حديقة ورد. أرويها بنفسي وأرعاها يوماً بعد يوم. الحب.. أن أكتب لك بأفعال وليس بكلمات ديوان عشق وجهد دؤوب. حتي أجعل حياتك أحلي وأسعد وأفضل.. قاطعتني : وما أدراك بالحب الحقيقي.. هل عرفته يوماً ؟ قلت : حتي ولو لم أعرفه.. رأيته في طفولتي بين أبي وأمي في أروع صورة.. لم يقل أبي لأمي مرة واحدة في حياتها أنه يحبها.. لكنه اختارها وتزوجها. أعطاها اسمه وحياته. منحها أطفالاً كانوا حلمها وقرة عينيها.. جعلها ملكة علي بيته. قبل أن يفكر في إهدائها مجوهرات أو أموالاً.. جعلها لازمة له. وجعل من نفسه سنداً وحضناً كبيراً لها. الحب الحقيقي عند أبي كان الحياة نفسها.. لم يكن محتاجاً لأن يتكلم. لأنه مشغول طوال الوقت بالسعي لتأمين حياتها ومستقبل أولادها. الحب كما رأيته في حياة أبي وأمي. كان ملابس العيد يشتريها كل عيد لأطفاله. كان في فنجان شاي يحتسيه مع أمي في شرفة البيت ساعة العصاري. الحب كان في مشاجرتهما والصلح بينهما. في سنوات طويلة صنعا فيها بيتاً وعائلة وحياة عريضة. الحب كان في الأيام التي قضتها أمي رافضة الطعام عندما رحل أبي عن هذه الحياة. كانت ملابس التي ظلت ترتديها بعد وفاته. حتي رحلت هي عن الدنيا بعد سنوات لتلحق به في العالم الآخر. - قلت لها : يا عزيزتي.. الحب أكبر منك ومني.. ومن كل هذا الكلام !