المصريون القدماء صنعوا الكعك على هيئة حيوانات وزهور وزير الدولة الإخشيدية صنع كعكاً محشواً بالذهب! 500 صحناً على مائدة الخليفة الفاطمي في يوم العيد في العصر المملوكي..كان من العار شراء الكعك جاهزاً! تعد صناعة الكعك من أقدم العادات التي عرفها المصريون القدماء، التي نشأت مع الأعياد ولازمت الاحتفال بأفراحهم، ولا تختلف صناعة الكعك اليوم في مصر عن الماضي، مما يؤكد أن صناعته اليوم امتداد للتقاليد الموروثة. حيث يورد كتاب "معجم رمضان" للباحث فؤاد مرسي، أنه قد وردت صور كثيرة عن صناعة الكعك في مقابر طيبة ومنف ومن بينها ما عُثر على جدران مقبرة رخمي – رع من الأسرة الثامنة عشرة، إذ تبين كيف كان عسل النحل يخلط بالسمن ويقلب على النار، ثم يصب على الدقيق ويُقلب حتى يتحول إلى عجينة يسهل تشكيلها بالأشكال المطلوبة، ثم يُرص على ألواح من الإردواز، ويوضع في الأفران كما كانت بعض الأنواع تُلقى في السمن والزيت. وكان المصريون القدامى يُشكلون الكعك على هيئة أقراص بمختلف الأشكال الهندسية ذات الزخارف، كما كان بعضهم يصنع الكعك على شكل حيوانات أو أوراق الشجر وبعض الزهور، وغالباً ما كان الكعك يحشى بالتمر المجفف – العجوة – أو التين ثم يقومون بزخرفته بالفواكه المجففة مثل النبق والزبيب. وكانوا يصنعون الكعك أو الفطير عند زيارتهم المقابر في الأعياد، لاستخدامه كتميمة سحرية ذات مغزى ارتبط بأسطورة ايزيس وأوزوريس. ويطلق المصريون الآن على هذا النوع من الكعك الذي يوزع في المقابر كصدقة على أرواح الموتى في الأعياد "الشريك". ويؤثر عن أبي بكر محمد بن علي المادرائي وزير الدولة الإخشيدية، أنه عمل كعكاً حشاه بالدنانير الذهبية، وكذلك كان يفعل من قبله الإمام الليث بن سعد الذي يقال أنه أهدى إلى الإمام مالك بن أنس بالمدينة، صينية وضع فيها الكعك المصري وكان حشوها من الذهب، كما كان يهدي إلى أصدقائه أمثال هديته إلى الإمام مالك. وفي العصر الفاطمي خصصت الدولة داراً عرفت بدار "الفطرة" أنشأها المعز لدين الله لعمل ما يحمل إلى الناس في العيد، ومكانها الآن بجوار الباب الأخضر بالمشهد الحسيني. وكان العمل في دار الفطرة يبدأ في النصف الثاني من رجب ليلاً ونهاراً، حيث كان يصنع فيه ألوان مختلفة من الكعك، نذكر منها: "الخشكنانج"، وهو الذي لا يزال بعض عامة الشعب يطلقون عليه الآ اسم "خشنينة"، وصنف آخر يقال له "كعب الغزال"، وصنف ثالث يعرف بال"برما ورد"، وصنف رابع يقال له "البسندور"، وكان يقوم بصنع هذه الألوان مائة عامل ويعدون ما يصنعونه ليفرق على الخاصة والعامة قبل العيد بيوم واحد، على قدر منازلهم في أوان لا تستعاد. وفي آخر العصر الفاطمي قُدر ما يستخدم في صنع الكعك والحلوى في دار الفطرة بألف أردب دقيق و700 قنطار سكر، و6 قناطير قلب فستق و8 قناطير قلب لوز و4 قناطير قلب بندق و200 إردب سمسم و20 قنطار ماورد، بخلاف بيض الدجاج، وكانت توضع أصناف الكعك المختلفة على صوان أو اطباق من الذهب الخالص للخاصة أو من الفضة للعامة مع ما كان يحمل إليهم من ثياب وحُلي. ويبدو أن المصريين كانوا يختارون دقيقاً خاصاً يصنعون به الكعك حتى أنهم أطلقوا على القاضي "القشيري" عندما رأوه يلبس طيلساناً أبيض لقب "دقيق العيد" وعرفت أسرته بأسرة "ابن دقيق العيد" نسبة لذلك!. وكما كان الفاطميون يتقنون صنع الكعك والحلوى ابتهاجاً بعيد الفطر كانوا يمدون الولائم في ليالي العيد به. يصف لنا أحد المؤرخين أن المائدة كانت 200 ذراع طولاً في عرض سبعة أذرع، كان يوضع عليها أنواع الكعك التي صنعت في دار الفطرة، فإذا صلى الخليفة الفاطمي الفجر وقف في شباك القصر وأمر بدخول العامة فيدخل الناس ويتخاطفون الكعك ويحملونه إلى دورهم، فإذا خرج الخليفة لصلاة العيد؛ ركب في موكبه ثم يذهب بعد الصلاة إلى قاعة الذهب؛ حيث أعدت له مائدة من الفضة يقال لها "المدورة"، وعليها أواني الفضة والذهب التي تحمل الأطعمة المختلفة، وفي الوقت نفسه كان يمد السماط الكبير، وهو من خشب مدهون مزين بالأزهار والورود ليتناول خاصة الخليفة الطعام، وعلى هذه المائدة ترص الأطعمة بطريقة خاصة في صحون يبلغ عددها 500 صحن. وفي العصر المملوكي كانت البيوت تتبادل التهنئة بالعيد كما يتبادلون أطباق الكعك اذي كان يتم تجهيزه خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، ويبدو أن البعض كان يفض شراء الكعك جاهزاً؛ إذ أن الرحالة "ابن الحاج" ضمن مشاهداته في مصر عاب معاصريه أنهم يشترون الكعك الذي يصنعه اليهود بمناسبة عيد الفطر. وهناك بعض المعتقدات المرتبطة بصاعة كعك العيد، حيث يعتقد البعض أن العام الذي لا يصنع فيه كعك العيد سيشهد موت أحد أفراد الأسرة، كما أنه في حالة فقد أحد أفراد الأسرة لا يصح أن يصنع الكعك في العام الأول بعد الوفاة؛ كما أن جيران المتوفي لا يقبل منهم أن يصنعوا الكعك إلا بعد استئذان أسرة المتوفي.