جاءت دعوة الشيخ عبدالرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي للمسلمين الذين سبق لهم أداء العمرة أو الحج بعدم تكرارها حفاظا على سلامتهم وصحتهم نظرا لأعمال التوسعة الجارية في الحرم المكي لتفتح مجال التساؤل عن جدوى تكرار مناسك الحج والعمرة. وطالب السديس بعدم تكرار الحج والعمرة خاصة في هذه الفترة وإفساح المجال للذين لم تتح لهم فرصة أداء المناسك ولهذا الموضوع استطلعت شبكة الإعلام العربية "محيط" آراء بعض العلماء في فرضية تكرار الحج والعمرة كما وقفت علي وجهات نظر بعض المواطنين. نافلة قد تؤدي إلى إثم أكد الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر إن من الفرد القادر يكفيه أداء حج الفريضة ولا ينبغي له أن يكررها على سبيل التطوع، موضحا أن هناك الكثير من الفرائض ما هو أولى بالحج بل أن التطوع بالحج قد يترتب عليه ضعف المال في غير طائل. وأضاف أن الله سبحانه وتعالى جعل للفقراء حق في مال الأغنياء وهذا الحقي ليس قاصر على الزكاة فقط بل يمتد لسد حاجة الفقراء حتى بعد إخراج العبد الغني لزكاة ماله وهي حقوق في المأكل والمشرب والعلاج والغنى عن الناس وسؤالهم وإشباع هذه الحاجات ضرورة وفرض على القادر. وتابع "قد يصل حال الفقير في حاجته إلى درجة الهلاك إذا لم يجد ما يسد مآربه من الطعام والدواء وهنا يحمل الغني الإثم فهلاك المحتاج واقع على الأغنياء من أهل بلده لأنهم يمتلكون مالا لم يواسوه به". "ما هو محل اتفاق بين العلماء أن سد حاجة المحتاجين ورد الأذى عنهم وحفظ حياتهم فروض على المؤمن القادر في حين أن حج التطوع نافلة والفرض هنا مقدم على النافلة فيأثم بمقتضى هذا من يقدم النافلة على الفرض، وما قاله الشيخ السديس بعدم تكرار الحج والعمرة صحيح مائة في المئة. فقه الأولويات ومن جانبه قال الشيخ محمود الفيومي، إمام بالجامع الأزهر" ان الحج فريضه علي كل مسلم ولكن اذا استطاع اليه سبيلا وهناك أشخاص لديهم القدرة المالية علي أداء الفريضة أكثر من مرة في العمر ويجوز ذلك ولكن فلا يوجد ما يفرض تكرار العمرة او الحج أكثر من مرة بواحدة تكفي." أضاف الفيومي قائلا "في فقه الأولويات نعطي الأولوية للضرورة بمعني من أستطاع أداء الفريضة مرة فهذا يكفي وأن تكررت فهذا تطوع ويستغل ماله في مساعدة الفقراء والمحتاجين والمساهمة في تجهيز فتاة للزواج لا تقدر علي شراء مستلزماتها وهذا عند الله له قدر عظيم." تجهيز فتاة أفضل من الحج من جانبه أكد الشيخ هاني سعد عبد الوهاب، إمام بالجامع الأزهر الشريف، ان أداء فريضة الحج والعمرة كافية لمرة واحد في العمر مستندا لحديث الرسول -صلي الله عليه وسلم- حينما قال (أيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ الله عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا) وعندما سئل رجل أأحج كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتي قالها ثلاثا، فقال رسول الله : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم وهذا يدل علي عدم حتمية تكرار الفريضة أكثر من مرة. اشار سعد الي أن فريضة الحج تسقط العمرة لأنها الأعلى قدرا والأصوب والأفضل من تكرار الفريضة هو مساعدة الايتام والفقراء والمعاقين والأرامل ومساعدة الفتيات الغير قدرات علي الزواج مدللا علي ذلك بقول الرسول الكريم (من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن حجاباً من النار). أضاف قائلا إن مساعدة فتاة في تجهيز نفسها للزواج أفضل عند الله من الحج وان مات ولم يؤدي الفريضة دخل الجنة لأنها صدقة والصدقة من الفرائض أيضا متحدثا عن موقف إبراهيم بن أدهم عندما خرج للحج ووجد امرأة لديها أربع بنات تبحث لهم عن طعام في القمامة فوحدت دجاجة فاسدة اخذتها وسلقتها وأطعمتها لبناتها، فسئلها إبراهيم عن ذلك قالت له أنها فقيرة وزجها توفي ولا تجد ما يطعم أولادها بتبرع بنفقات الحج لها وعاد الي منزله ولكن الله جزاه خيرا علي فعله وسخر له ملكا حج عنه. تكرار الحج اجتهاد واجب وعلي النقيض يري الدكتور عبد المهدي عبد القادر أستاذ الحديث بجامعة الأزهر إن المسلم ينبغي عليه أن يجتهد في حج البيت الله سواء بالحج أو العمرة استنادا للحديث الشريف حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم "تابعوا بين الحج والعمرة فإنها ينفيان الفقر ويكفران الذنوب"، واستشهد عبد القادر بالحديث القدسي لله تعالى الذي يقول فيه "إن عبدا أصححت جسده ووسعت رزقه ولم يفد إلى بيتي كل خمس أعوام لهو عبد محروم". وأوضح أن زيارة العبد لبيت الله الحرام واجبة للقادر لما لها من عظيم الثواب والفوائد منها الاجتهاد في العبادة والتفرغ لعبادة الله وصفاء الروح بالخروج من الحياة المادية من خلال الذكر والطواف بالبيت الحرام والسعي بين الصفا والمروة وغيرها من شعائر الحج والعمر. وعن مسألة التبرع بالأموال للفقراء والمحتاجين بدلا من تكرار الحج والعمرة قال إن "احتياج الفقراء للأموال والعطاء للمحتاجين لا يمنع أداء العمرة والحج لأنها تكون سببا يجعل الإنسان أكثر عطاءا وبذلا"، مضيفا أن القضية هنا ليست في نقص الرزق لأن الأرزاق بيد الله وينزلها وفقا لحكمته، والعبرة هنا في تشجيع الحج والعمرة وليس منعها أو الحد منها. الصدقة الجارية بديل عن رأي المواطنين في هذا الأمر قال أحمد إبراهيم مدرس إن غياب الأزهر عن دورها وهي المؤسسة الدينية الأولي في العالم الإسلامي كرس مفاهيم خاطئة لدي المسلمين خصوصا في مجتمع يعاني من تضاعف نسبة الأمية التي تصل إلي 45 بالمائة، وأصبح غفران الذنوب مختزل في قصد بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج والعمرة فقط دون غيرهما من الأعمال الصالحة. وأضاف أن هناك أعمال خيرية كثيرة يمكن للمسلم أن ينتفع منها حتي بعد مماته ولا داعي لتكرار الحج والعمرة خصوصا وأن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، مشيرا إلى أن غالبية الناس تضع كل ما تملك بين الحين والآخر للذهاب لأداء عمرة أو مناسك الحج -ومن حقه ذلك- لكن عليه استيعاب حاجة مجتمع من العالم الثالث إلى أمواله في بناء مدرسة علي سبيل المثال لتعليم الأطفال إلى جانب أنها ستكون صدقة جارية له بعد وفاته واستثمار أفضل له وستدر له الكثير من الأجر والثواب فهي ستخرج العديد من الأجيال وآلاف التلاميذ، على حد تعبيره. واعتبر أن دعوة السديس للمسلمين بعد تكرار الحج والعمرة لمن سبق وقام بأدائها ستزيد من إقبال المصريين على زيارة أرض الحجاز والسفر للحج والعمرة لأن "جميعا نريد الموت في هذه البلاد الطاهرة وهي احب البلاد إلى الله". دعوات غير مجدية "أنا قمت بأداء عمرة في أشد الظروف اضطرابا أثناء فيروس أنفلونزا الخنازير" قالها الحاج صابر خليل، معتبرا أن مطالبة المسلمين بعد تكرار العمرة أو الحج دعوات غيرة مجدية ولن تجد صدى أو قبول لدى الناس، مضيفا " كل شخص يريد أن ينتفع بأمواله قبل وفاته ويذهب إلى مكة ليغفر الله له ذنوبه ويعود كيوم ولدته امه عسي أن يختم الله حياته بالخير" أما الحاج محمد عبد الشافي فقال إنه أدى عمرتين لكن لم يكتب الله له أداء مناسك الحج حتي الآن وأن سر تكرار زيارته أكثر من مرة هي الأجواء الروحانية في المسجد الحرام والتي لن تجدها في أي مكان سواه، مشيرا إلى أن بعض الناس يذهبون أكثر من مرة للتوجه إلى الله بالدعاء في أمورهم الخاصة عسي الله أن يستجيب لهم من هذه البقاع الطاهرة .