كاتب فرنسي : الأثرياء يدمرون البيئة من حولنا محيط – سميرة سليمان جانب من الندوة يرى الكاتب الفرنسي "هرفي كيمف" أن الأثرياء يهددون كوكب الأرض بسبب سباقهم المحموم في الإنفاق والترفيه والذي يلتهم الموارد الطبيعي ، وقد شهد الصالون الثقافي للمركز القومي للترجمة ندوة بمناسبة صدور الطبعة العربية للكتاب الذي يحمل عنوان " كيف يدمر الأثرياء الكوكب" ، حضرها مؤلف الكتاب ومترجمه د. أنور مغيث وعدد من الخبراء . المؤلف يبدي انزعاجه من تزايد عدد فقراء العالم ؛ فالبنك الدولي أكد أن الكوكب يحمل 2 مليار نسمة يعيشون بأقل من 2 دولار يوميا ، وقد حول الإنسان البيئة في خلال العشر أعوام الماضية إلى وحش مخيف نتيجة الثراء المخيف لدى عدد محدود منهم ، كما يرى المؤلف أن الرأسمالية التي تتبنى فكرة الزيادة المستمرة في الأرباح تقوم على زيادة الإنتاج والاستهلاك بالتبعية ، بما يستنفد موارد الطبيعة أولا . ويذكر الكاتب الفرنسي دراسة قادها اثنين من علماء الاقتصاد الأمريكيين حيث قاما بمقارنة التطور بين ما يكسبه ثلاثة مديرين لشركات كبرى في أمريكا وأوروبا ومتوسط دخل العاملين في الولاياتالمتحدة، ووجدا أن المديرين يكسبون أكثر مئة مرة ما يكسب العامل المتوسط وهذا يدل على عدم المساواة. كما يشير الكتاب إلى أنه في الفترة الأخيرة أصبحت الطبقة الحاكمة أكثر قوة من أي وقت مضى، نظرا لثرواتها المتضخمة التي تجد لها متسعا في بنوك الخارج، وأصبح هناك تهربا ضريبيا وسرقة لأموال الشعوب، ومن ثم أصبحت الطبقة الحاكمة تعيش في معزل عن مجتمعاتها وتتمتع مع ذلك بالحماية الكاملة. وهذه الطبقة الحاكمة – يواصل المؤلف الذي يعد أشهر الصحفيين المتخصصين فى قضايا البيئة - تتمتع بكل مظاهر الثراء من حيث عدد السيارات التي يملكونها، والملابس والمجوهرات والمنازل، ولكن ما علاقة هذا بالبيئة؟ يجيب المؤلف قائلا أن هناك دراسة كتبها أحد علماء الاقتصاد الأمريكيين في القرن التاسع عشر مفادها أن الأفراد يعيشون دائما في موقف من التنافس يرغبون من خلاله إثبات أنهم أرقى من ذويهم، ولذلك يأخذ أفراد الشعب من هم في رأس الهرم – ويعني الطبقة الحاكمة وطبقة الأثرياء – نموذجا ويدخلون في منافسة معهم، ليحدث مزيد من الاستهلاك ومزيد من الإنفاق في مجتمع يسوده عدم المساواة. ولأننا نعيش الآن في عصر العولمة فيعرف جميعنا عن طريق التلفاز كيف يعيش بعضنا بعضا؟ ففي القاهرة مثلا يعرف الفقراء كيف يعيش سكان لوس انجلوس وإذا لم يتسنى لهم العيش بمثل هذه الطريقة يشعرون بالغضب ويسعون لتحقيق هذا. ولذلك تتفاقم برأي "كيمف" مشكلات البيئة نتيجة هذا الثراء من قبل الأغنياء، وتتطلع الشعوب لأن يصبحوا مثلهم ، ونتيجة أيضا للاستهلاك الخاطئ للطاقة، الذي يمكن تجنبه عبر خفض الاستهلاك الذي لن تقبل به الطبقات المتوسطة حتى يقوم به الأغنياء والطبقات الحاكمة. ويقترح الكتاب أن تغير الطبقة الثرية من نمط حياتها وتوجه بعض دخلها وثرائها إلى سد احتياجات المجتمع من الصحة والتعليم والثقافة والزراعة، قائلا: "..لنخرج من الرأسمالية المدمرة التي أصبحت تمثل فاشية جديدة تفوق فاشية موسوليني وهتلر". وردا على سؤال "محيط" هل يرى أن الاشتراكية هي الحل ، أجاب المؤلف أنه ليس ماركسيا ويؤيد الحرية، ورغم بريق فكرة الاشتراكية إلا أنه لا يعرف إذا عدنا إليها هل ستحل مشكلاتنا ام ستزيد الأمر تعقيدا، فهي كانت فكرة ملائمة لجيل عبد الناصر، لكن الجيل الحالي يواجه تحديات جديدة، فعلينا العودة إلى فكرة العدالة الاجتماعية. الغلاف فلسفة البيئة أوضح د. أنور مغيث أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان في كلمته أن هذا الكتاب من شأنه تحفيز القراء ليصبحوا أكثر مسئولية عن مجتمعاتهم، كما أن الكتاب غني بالأرقام الآتية عبر إحصاءات رسمية من مراكز الأبحاث و الهيئات الدولية ، وهو يتناول مشكلات البيئة من منظور فلسفي، فبينما كان البعض يرى أن الإنسان ينبغي أن يعيش في سلام مع البيئة من حوله ، يرى آخرون أن الإنسان لابد أن يتعامل مع الطبيعة باستعباد مثل ديكارت الذي قال أننا لن نستطيع أن ننتزع من الطبيعة أسرارها دون استعبادها!. ويشير الكتاب إلى أن التغلب على مشكلة الخلل البيئي تكمن في أن يغير الإنسان نمط حياته، ويؤكد الكاتب أنه لا يدعو إلى الفقر بل إلى أن تجد المجتمعات سبل جديد للتنمية تساعدنا على التعايش مع الطبيعة دون الإضرار بها، وألا يصبح أمل المجتمعات هو تحقيق الثراء فقط. والمؤلف يوجه كتابه بالأساس إلى الأوروبيين والأمريكيين، بسبب التلوث البيئي الناتج عن أفعالهم ويتساءل المؤلف في كتابه؟ أي تنمية تبحث عنها أمريكا وأوروبا الآن؟ لديهم ما يكفي من النمو والثراء فليكتفوا بذلك!. ويؤكد مغيث أن مشكلة البيئة نعاني منها في مصر أيضا لكن الأزمة أنه لا توجد لدينا قاعدة بيانات شاملة ودقيقة، كما أن الأجهزة المكلفة بالبحث في قضايا البيئة حكومية وبالتالي ما يصدر من بيانات عنها هو ما يريد أن يكشف عنه النظام. أما في أوروبا فالبيئة نشاط المجتمع المدني، يمكن للمواطن العادي أن يقيس نسبة تلوث الهواء، أو نسبة الإشعاع في الأطعمة بحرية تامة، فهناك مصادر متعددة للمعرفة وهو ما نفتقده في مصر. الحضور رؤية مغايرة أشار د. عبد الفتاح الجبالي الخبير الاقتصادي بالأهرام إلى أن الكتاب يقوم على فكرتين، الأولى أن الوضع البيئى للكوكب يزداد سوءا، ، وكذلك يرى أن العدالة الاجتماعية تؤثر على البيئة ؛ فالأثرياء يعمدون إلى إضعاف الحريات العامة والديمقراطية، وبالتالي يتحكمون في وسائل الإعلام وتمنع طبقة الأثرياء هذه الجهود الساعية لإنقاذ البيئة. ويتفق الجبالي مع فكرة الكتاب الأولى مؤكدا أن تقرير الأممالمتحدة للعام الجاري يشير إلى أن هناك فقرا في التنوع البيولوجي على مستوى العالم، حيث أصبحنا نفقد كثيرا من الأنواع على مدار العام، بالإضافة إلى انقراض حوالي 21% من مجموع الثدييات، والزواحف، والأسماك والنباتات، وحتى على الصعيد الإنساني حيث هناك علاقة ملحوظة بين التدهور البيئي وصحة الإنسان. ولكنه يختلف مع الكتاب في دعوته لأن تكف الدول الأوروبية عن النمو وتكتفي بما حققته ، وكأن التنمية المستدامة لا وظيفة لها سوى الحفاظ على الأرباح . كما يرى مؤلف الكتاب أن النمو يفيد الطبقة الثرية لتصبح أكثر ثراء دون الفقراء، خاصة في ظل غياب الديمقراطية التي تعانيها كثير من المجتمعات في الوقت الحالي ، وهنا يقع في خطأ التعميم، فرغم تأكيد المؤلف عبر الكتاب أن عدد الفقراء يتزايد حول العالم، إلا أن التقارير الصادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أو البنك الدولي تشير إلى انخفاض نسبة الفقراء على مستوى العالم، وارتفاع نسبة من يحصلون على مياه نقية للشرب من 56 % إلى 90 %، وهي مؤشرات جيدة للتنمية، أي أن التنمية ليست شرا خالصا كما يقول المؤلف. ويرى الجبالي أن التنمية ستساعدنا على استخدام التكنولوجيا بشكل أكبر مما يؤدي للحد من الإسراف الشديد في استخدام الموارد ، وليس العكس ، كما أعرب عن تفاؤله بشأن أوضاع البيئة، نظرا لتطور الوعي لدى الشعوب ..