أزمة كتاب جاك تاجر "أقباط ومسلمون" في ندوة مصرية محيط - خاص جانب من الندوة عقدت مؤخراً مع بداية الموسم الثقافي للهيئة المصرية العامة للكتاب ندوة لمناقشة كتاب "أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى حتى عام 1922 " من تأليف د.جاك تاجر، والذي أصدرت الهيئة طبعة جديدة منه للجمهور ، وكان مؤلف الكتاب أمينا لمكتبة الملك فاروق واشتهر بكتبه التي تؤكد الإضطهاد الإسلامي للمسيحيين عبر العصور ، أما هذا الكتاب تحديدا فهو رسالة تقدم بها لإحدى الجامعات الفرنسية وحصل على درجة الدكتوراة ، بينما طبعت في مصر ككتاب في 1952 وأثار ضجة كبيرة . شارك فى مناقشة الكتاب كل من د. مصطفى الفقى، د.قاسم عبده قاسم، ومقدمو الكتاب د. محمد عفيفى وسمير مرقس بينما أدارها د. محمد صابر عرب رئيس الهيئة. وخلال الندوة دعا د. صابر عرب إلى حاجتنا إلى ما يمكن تسميته بفكر المصالحة، موضحاً أنه لاداعي لأن نأخذ من المرجعية التاريخية دليلا على الواقع، وأنه يجب أن نسترجع ذاتنا وننشر الثقافة فى المجتمع وفى المدرسة والأحزاب فالدولة لا تستطيع حل المشكلة الطائفية وإنما الحل هو تثقيف وتوعية أفراد الشعب. وعن كتاب "أقباط ومسلمون" قال د.عرب أنه كتاب مهم أثار منذ إصداره فى مطلع النصف الثانى من القرن المنصرم الكثير من اللغط، وعنوان الكتاب "أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى حتى 1922 "يدل على انه كتاب فضفاض ومتسع . يضيف عرب : يقول المؤلف فى مقدمته "لست قبطيا ولا مسلما وقد كتبته بدافع المؤرخ" ، ويقدم تاريخ العلاقة بين الأقباط والمسلمين على اعتبار أنها الحقيقة ، بينما هو قدم وجهة نظره فحسب واستند لمصادر ومراجع بعينها ، وهذه هي مشكلة الكتابة التاريخية . غياب الموضوعية رأى د. قاسم عبده قاسم أستاذ التاريخ بالجامعة المصرية أن الكتاب ينقسم لشقين ؛ أولهما علمي ، والثاني يقدم قراءة انتقائية للتاريخ بلا أسس علمية مطلقا ، فهو يقولب التاريخ من وجهة نظره ، وكذلك الحال في الاستشهادات التي أوردها من القرآن الكريم ، وذلك مضاد لأصول البحث العلمي الذي يتطلب الرجوع لكل المصادر والتاريخ السابق ، فنجد أنه اقتبس بعض الآيات التى تتحدث عن الحروب والغزوات ليظهر أن المسلمين متشددون وهمجيون ويتجاهل فى المقابل آيات أخرى تحث المسلمين على حسن معاملة أهل الكتاب. وبرأيه فإن "جاك تاجر" لم يعرف ما ينبغي معرفته عن المذاهب الدينية ، لكي يتحدث عن العلاقة بين المصريين ، وهم بالفعل شعب واحد متعدد الديانات ، ولذلك يجب أن يسود الإعتدال في الفكر وعدم التطرف حتى نستطيع التعايش معا على أرض الوطن . ونحى د. مصطفى الفقي السياسي والدبلوماسي المصري، في حديثه لنفس المنحى السابق ، حينما انتقد غياب الموضوعية عن الكتاب ، وقد بدا ذلك منذ مقدمة الكتاب التي يقول فيها المؤلف :"لست قبطيا ولا مسلما" ، وهو معروف أنه قبطي ، وكتابه صدرت طبعته الأولى عام 1951 أيام الأسرة العلوية ولم تكن العلاقة جيدة بين الأقباط والمسلمين في مصر وكانت هناك مظالما كثيرة وقعت على الأقباط وهو ما يحدث مع الأقليات في العالم عموما . ورأى الفقي أن ما تشهده مصر حاليا نوع من الإبتزاز المزدوج من الجانبين ؛ فالقبطي لديه إحساس أنه مضطهد ، وكذلك رد فعل الجانب الاسلامى عنيف وليس له ما يبرره. وأوضح الفقى أن المناخ السياسى فى فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو الذى سمح بتهدئة الفتنة بين المسلمين والأقباط، ولكن عندما جاءت فترة الرئيس الراحل أنور السادات وخرجت جماعة الإخوان المسلمين للشارع المصرى من جديد أعاد هذا مخاوف الأقباط وحدة المشاحنات بين الطرفين مرة أخرى. وعن مشكلة بناء الكنائس وعدم ترخيصها قال الفقى أن المواءمة بين الطرفين هى الشئ المتاح الآن أما القانون الموحد لدور العبادة فسوف يعطل بناء الكنائس، وأكد أن مشاكل مصر ليست طائفية وإنما مسائل عامة كالبطالة وغياب الديمقراطية . أضاف الفقي: الكتاب نال شهرة واسعة لتوجهاته ، وأعتبر أن إعادة نشر هذا الكتاب سلاح ذو حدين فهو بمثابة تحريض للأقباط يقول لهم "أنتم مضطهدون عبر التاريخ من المسلمين" ، وهو من ناحية أخرى من الكتب الهامة التي حققت رواجا في حينها ، ولهذا أرى أهمية نشر نقد تحليلى للكتاب برفقته وأن يكون متوازنا يحمل الجانب السلبى والجانب الايجابى معا. دعاية الإنترنت أما د. محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة فأوضح أنه وجد حربا على هذا الكتاب من مواقع قبطية على الإنترنت وأنه يوضح اضطهاد الأقباط وكذلك بعض المواقع الإسلامية وجدها تحمل نفس الكتاب وتقتبس منه أجزاء أيضا تبين عداء الأقباط للمسلمين ففكر ، والحديث ل عفيفي، فى إعادة نشر الكتاب لوقف هذه الحرب وإذا كانت هذه الندوة هى النتيجة الوحيدة لإعادة طباعة الكتاب فقد حقق الغرض منه حيث أن الهدف الرئيسى هو إثارة نقاشا علميا حقيقيا حول هذا الكتاب ، وتمنى أن يكون هذا الكتاب بداية لسلسلة عن الوحدة الوطنية توقف الحرب والجدل الموجود على الشبكة العنكبوتية (الانترنت). وقال الكاتب سمير مرقس : لدينا كتابات كثيرة عن تطور العلاقة بين الأقباط والمسلمين فى مصر ولا مانع من كتابة التاريخ لكن دون انفصال أو تعدد، والفكرة الأساسية أن لو كل جماعة صنعت تاريخا مستقلا سيصبح عندنا أكثر من تاريخ والمسألة تتوقف على ما يريده الكاتب ، فعلى سبيل المثال البعض يرى دخول العرب على أنه غزو والبعض الآخر يرونه على أنه فتح ،وهذا الكتاب به عورات وثغرات كثيرة وهو من النوعية ذات الطبيعة الدينية المباشرة ، واتفق على أن العلاقة بين الأقباط والمسلمين لم تكن طيبة فى الوقت الذى طبع فيه الكتاب . وأضاف مرقس أن المفارقة نجدها داخل الفريق الواحد فهناك أقباط يعتبرون هذا الكتاب مهم وأقباط يعتبرونه غير مهم على الإطلاق ، وكذلك المسلمين ، أما الواقع السياسى فيستبعد هذا النوع من الكتابات ، ويجب أن تساعد الكتابات فى إعادة توحيد الوجدان والذاكرة المصرية بما يفيد فكرة المواطنة فالأصل العرقى واحد برغم اختلاف الديانات.