مسيحي ينتصر ل"عزازيل" وزيدان يندهش من مهاجمة الكنيسة محيط – سميرة سليمان
جانب من الندوة عقدت مؤسسة "بيت الشاعر" مؤخرا ندوة لمناقشة مشوار الروائي ومدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية د. يوسف زيدان ، واحتفاء بكتابه الصادر حديثا " اللاهوت العربي"، ولكن حضور الندوة وعلى رأسهم د. نبيل لوقا بباوي وكيل لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى، والشاعر أحمد الشهاوي، تحدثوا عن الرواية الأخيرة ذائعة الصيت "عزازيل" والجدل حولها وهجوم المسيحيين والكنيسة عليها . وأكد زيدان في كلمته أن الرومان لم يعرفوا الصليب وإنما كانوا يعلقون ضحاياهم على أعمدة، فالصليب كما أكدت دراسات مصرية كثيرة هو الرمز المصري القديم عن مفتاح الحياة، وتساءل "فيم نختلف نحن، أينما وليت وجهك كل شئ قابل للنقاش" كل ما حدث عن هذه الرواية وأيضا الكتاب لا شأن لي بهما، كل ما في الأمر أننا في مجتمع لا ينضبط إيقاعه ولا يمكن استشراف يومه الآتي، وبالتالي يصبح لكل جماعة وكل شخص مساحة غير محددة لكي يثبت نفسه. مضيفا : المجمع الكنسي استطاع أن يمنع عرض فيلم "شيفرة دافنشي" وفي سكرة الانتصار تلك صدرت رواية "عزازيل" فتوجهت الآلة " الناقمة " التي استخدمت قبل شهرين أو ثلاثة إلى الرواية ولا يعلم الأنبا بيشوي الذي هاجم الرواية بضراوة أنني كتبت هذه الرواية على أمل أن يقرأها الخاصة من الجمهور ، وكنت أعرف ولا زلت أقتنع أنها للخاصة، فرفضت الرد عليه وظللت سنة كاملة أتحاشى ذلك، فإذا به يحول المسألة ليس لمناقشة فكر وإبداع ودين ولكننا ، وإنما توازن قوى وإثبات حضور يكتب باستمرار مهاجما الرواية، ظنا منه أنني سأتورط في الرد عليه وهو ما لم أفعله. ويورد زيدان مثالا على جهلنا بأنفسنا حين يتحدث عن ابن النفيس الذي كان رئيس أطباء مصر ومدير البيمارستان المنصوري منذ 700 عام وهو المكان الوحيد في العالم الذي ظل يقدم خدمة طبية دائمة لم تنقطع لمدة ثمانية قرون ولكنه أغلق منذ سنوات، وكانت توضع له – يقصد ابن النفيس - الأقلام جاهزة للكتابة حتى إذا ألحت عليه فكرة ولى وجهه إلى الحائط ليكتب مثل السيل إذا انحدر فإذا كل به القلم أخذ غيره جاهزا حتى لا يضيع منه الوقت في تجهيز قلم آخر.
وبحسب مؤلف الرواية فإن هذا الجهل منا بتاريخنا أدى إلى إهمال طويل لهذا المكان، وأدى أيضا إلى اختراقات لا حصر لها، فالكل غضبان والجميع يتناحرون، وأدى ذلك إلى نبذ كل من يقول فكرا جديدا. كما تحدث زيدان عن نصر حامد أبو زيد الذي نبذ بسبب أفكاره المتهمة ب"عدائها للإسلام"، معتبرا أن ما قاله ليس إلا هامشا قليلا في كتب التاريخ الإسلامي نفسها. ويرى أن انتقادات المسلمين للمسلمين لا تقع تحت حصر، فلا يوجد أبدا شخصية في التاريخ الإسلامي نجت من الانتقاد ولم ينقص الانتقاد من قدرها، فمعاوية بن أبي سفيان وهو منشئ دولة الأمويين، يطلق عليه في كثير من كتب التاريخ الإسلامي "ابن آكلة الكبد". هجوم مسيحي يستنكر زيدان مهاجمي روايته الذين يرون أنه صور راهبها فاسق قائلا: عام 415 هل كان نظام الرهبنة قد وضع ؟ ويجيب بالنفي ؛ فعام 397 كان يؤتي بالرجل من دكانه ليصير أسقفا، وهذا ما حدث مع أحد آباء الكنيسة المشهورين حيث كان مزارعا للعنب، وذهب للأسقف بعنقود من أرضه، فقال له الأسقف لقد رأيت ملاكا يقول لي من يدخل عليك بعنقود عنب مبكر هو الذي يرثك، وورثه المزارع وصار أسقفا!. كما اعتبر زيدان أن مصطلح الأقباط عرف فقط حين جاء عمرو بن العاص إلى مصر، وصار هناك أقباطا وكنيسة، ويقول: "هناك خيال معاصر لا معنى له بأن البابا كيرلوس هو البابا 24 للكنيسة المرقصية، وهذا لا دليل لصحته، فالبابا كيرلوس لا صلة له بقداسة البابا شنودة إلا فى الاستناد فقط، وخطورة عزازيل أنها أظهرت حقيقة التسلسل الذى لا أساس له". ولخص الفائز بالبوكر العام الماضي أزمة عزازيل قائلا: إن الاستهانة بشخص يعمل في التراث العربي ودارس للمسيحية كان هو ما سبب الأزمة بالإضافة إلى أن بعض الإخوة من الأدباء لم يستحسنوا نجاح "عزازيل" فانهمر سيل من الكتابات المهاجمة لها ولم تتناول نقديا وأدبيا كما يجب، وحين رددت عليهم بالوثائق توقفوا، وحين صدر "اللاهوت العربي" توقفوا تماما لأنه يحوي المراجع والنصوص والمصادر ومن أراد أن ينقد فلينقد هذا ولا شأن لكم بالرواية. ويشير أيضا إلى أن "عزازيل" طبعت قبل أن تكمل عامها الثاني 18 طبعة، قائلا : كنت أفضل أن تقرأ جيدا دون صخب يثار حولها لأنني لا أكتب إلا للقارئ المهتم بالفكر وليس القارئ الذي يبحث عن الإثارة. إن "عزازيل " تناولت خمسة قرون كانت غائبة تماما عن الدراسة، ولذلك فهي رواية جدلية تولد أفكارا وتحث على القراءة والبحث، ولذلك تألمت من الجدل الذي أثارته فأنا أحاول اتباع ما قاله السيد المسيح " قل كلمتك وامض". وأكد أنه يرفض تحويل رواياته إلى عمل سينمائي قائلا: "لا أعمل عملا استثماريا، قضيتي الأساسية هي نفض الغبار عن اللغة، فأنا صاحب فكر أريد أن أوقف أنهار الدماء المتدفقة باسم الدين".
الاحتقان الطائفي وفي رده على إحدى المتداخلات التي تتهمه بأن كتاباته قد تكون سببا في زيادة الاحتقان بين المسلمين والمسيحين قال: إذا لم يكن الآن وقتا مناسبا للحديث متى يكون؟ إن مدارس الأحد تدفع للمجتمع ب"أناس مشوشين"، وهكذا أيضا الخطاب الديني الإسلامي يزيد من التعصب، ويحدث احتقانا بين الطائفتين، وعلى المثقفين أن يروا هذا ولا يتكلمون، لا يمكن بالطبع أن يتصور أحد أنني أنتقد أي ديانة ولكني تحدثت باحترام لائق عن كل العقائد ولم أنتقص من أحد، متسائلا : فمتى سنجابه الفكر بالفكر؟. كما تطرق زيدان لقضيته مع القس عبد المسيح بسيط بقوله : "طلبت منه أن يقدم اعتذارا عما قال لأسقط الدعوى القضائية ضده لأني لم أرد أن أراه في قفص الاتهام وهو الذي يسمع الاعترافات في الكنيسة، وأخذت وعدا منه بألا يتحدث عن اللاهوت العربي حتى يصل للقراء بهدوء". وأكد أن عزازيل تعارضت مع مصالح الكثيرين ومن ثم هاجموها وانتقدوها، داعيا للكف عن استخدام الدين أو التحدث باسم الإله؛ فالناس يقتتلون بسبب الدين، وقد قال الصوفية قديما أن آخر الشهوات التي تخرج من الجسد هو حب السلطة والولاية. وفي النهاية قرأ زيدان جزءا من روايته "النبطي" التي تصدر في الصيف المقبل، ليصفه مقدم الندوة أحمد الشهاوي أنه ثاني اثنين في مصر يحفظون أعمالهم والآخر هو الأديب الراحل يحيى الطاهر عبد الله، مشيرا إلى أنه قرأ بلا ورق بيديه . أين النقاد؟ غلاف الرواية تحدث الشهاوي عن احتفاء إيطاليا المسيحية برواية "عزازيل" واحتفائهم بمؤلفها د.يوسف زيدان، مشيرا في كلمته إلى أن "عزازيل" كانت توطئة لكتاب زيدان الجديد "اللاهوت العربي"، معتبرا أن زيدان قامة كبيرة قبل "عزازيل" فقد قدم للمكتبة العربية مؤلفات عدة وأعمالا قيمة من تحقيقه ، وقال:" أذكر أنه يوما باع سيارته لكي يشتري صورا لمخطوطات كتابه الكبير المكون من 40 جزء وهو كتاب "الشامل" لابن النفيس، وهو كتاب لا يستطيع فرد واحد أن ينجزه ولكنه يحتاج إلى مؤسسة كاملة". أيضا تحدث مقدم الندوة عن تدخل المجمع الكنسي في مهاجمة الأعمال الإبداعية وهو أمر جديد لم نعتده ليتساوى بذلك – على حد قول الشهاوي – مع مجمع البحوث الإسلامية الذي اعتبر الشهاوي أنه يمارس إرهابا على المبدعين. وختم حديثه بقوله : "إن زيدان يوطن الآن في مصر فنا جديدا من الرواية لم نعرفه وهي رواية المعرفة"، ونعلم أن انبهارنا بالرواية الغربية سببه أنها رواية معرفة وليست رواية حكي أو سرد مثل التي تنتشر لدينا في الوطن العربي ، مشيرا إلى أن زيدان يعمل الآن على الانتهاء من رواية جديدة ستكون مفاجأة لأساتذة التاريخ الإسلامي. زيدان برئ في كلمته أكد د.بباوي أن الرواية لا تمس المسيحية على الإطلاق ولم تنتقدها وأن الزوبعة المثارة نتجت عن أن كل قراءات عزازيل كانت دينية ولم يقرأها أحد على أنها عمل أدبي فني خيالي، وتساءل لماذا كل هذه الحساسية المفرطة حين يتعلق الأمر برجل دين راهب أو قس؟ إن زيدان جعل شخصيات روايته يتحركون على خلفية تاريخية صحيحة يوجد مثلها في كتابات المسيحين أنفسهم بل لا تختلف عما كتبه البابا شنودة نفسه!. ورأى بباوي أن علينا توطين ثقافة الاختلاف ، حتى نقبل الأفكار جميعها ونرد عليها بأفكار أخرى وليس بالعنف أو التظاهر لأنه سلوك لا يوصل لشئ ، مضيفا أن "عزازيل" عمل فني خيالي استمد خلفيته التاريخية من الخلافات التي حدثت بين المسيحيين في مجمع نيقية الذي به بدعة آريوس ومجمع افسيوس الأول الذي به بدعة نسطور فهي لم تخرج عن الموجود في الكتب المسيحية وعن كتابات البابا شنودة ذاته. مضيفا : "فى عام 630 أصدر إمبراطور الدولة الرومانية هرقل، قرارًا بأن تكون كل الولايات التابعة للإمبراطورية تدين بالكاثوليكية، بدلاً من الأرثوذوكسية، ويقول المطران ساويرس بن المقفع فى كتابه إن دماء الأرثوذوكسين، على يد الكاثوليك وصلت إلى "رُكب" خيول الجنود الرومان، فكان الرومانيون يعذبون الكاثوليك بآلات تعذيب شديدة تمزق أجسادهم ويستقدمونها خصيصا من القسطنطينية لذلك". وبحسب بباوي فإن " علينا أن ندرك أنه ليس كل المسيحيين ملائكة وهكذا المسلمين لأننا بشر من سماتهم الخطأ، وزيدان لم يتعرض للخلافات المسيحية بالتأييد أو الرفض بل وضع الخلفية التاريخية كما هي في كتب الأقباط، وما أعجبني في "عزازيل" أن زيدان لم ينتصر للشيطان بل هاجمه في نهاية الرواية وجعل الراهب "هيبا" يندم على أفعاله وبدأ يردد قانون الإيمان، فالرواية لم تنتقد الكنيسة بل هي رواية تدعو لنبذ العنف والتطرف". جدير بالذكر أن بباوي ألف كتابا للرد على عزازيل بشكل إيجابي متسائلا لماذا يتم انتقاد الرواية ؟ واعتبر أن كتابه يرد على بعض المعلومات المغلوطة التي تضمنتها الرواية – على حد قوله – حيث يقول أن هناك حوارا دار بين الراهب ونسطور شكك فيه من مرور العائلة المقدسة بمصر وهو ما أثبت خطأه بالوثائق في كتابي. واختتم حديثه بتأكيد أن التاريخ ملئ بوقائع عنف بين المسيحيين وبعضهم، وهكذا سنجد في التاريخ الإسلامي أيضا بين السنة والشيعة، فهل من المعقول أن أهاجم رواية بسبب تصويرها المسيحيين يقتلون الوثنيين؟! ؛ فالأديان حجة على تابعيها وليست تصرفات تابعيها حجة عليها، فلا يمكن أن يكون أسامة بن لادن حجة على الإسلام الذي ينبذ العنف ويحرم القتل.