واصل الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي كتابة "المربعات" وهو الديوان الذي صدر مؤخراً عن هيئة الكتاب - سنة كاملة، يوماً بعد يوم وصباحاً بعد صباح، لا يسكت ولا يهدأ، وصفه صاحب مقدمة ديوانه "المربعات" الأستاذ محمد حسنين هيكل بأنه الثائر يوماً، وهو الشاعر في اليوم التالي، يصفه بأنه الفعل في الصبح والضمير في المساء. أهدى الأبنودي كتابه إلى: "أحباب هذه المربعات قلّوا أو كثروا. وإلى "إبرهيم عيسى" لأسباب كثيرة، وإلى أسرته الصغيرة نهال..آية ..ونور، وإلى الإخوان الذين كان عامهم الأسود موحياً بلا حدود، وإلى شهداء مصر وثوارها الحقيقيين أولاً وأخيراً". يؤكد الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقدمة المربعات أن الأبنودي لا يحتاج إلى من يقدمه للناس، لأنه حاضر أمامهم طلعة وطلّة، وصوتاً هادراً، وجاذبية مغناطيس يشد ما حوله. ولا يحتاج الأبنودي – بحسب الأستاذ صاحب المقدمة – إلى من يحلل الإنسان فيه، فالخلاصة في شأن الأبنودي أنه شراع على النيل، جاء من صعيد مصر مرتحلاً إلى الشمال حاملاً معه خصب النهر العظيم ينثره حيث يصل، ويحول الطمي بالفن إلى زهر وورد، وإلى شوك احياناً!. سر مربعات الأبنودي برأي هيكل أنها محاولة جديدة وتلقائية ما بين الأدب والسياسة، بين الفكر والتاريخ، بين الفن والثورة. ما يدعو للتأمل كما يشير هيكل أن الأبنودي واصل كتابة مربعاته سنة كاملة، يصيح بالقلق على السياسة أن تتماسك لتصنع تاريخاً، ويصرخ بالنذير حتى يمنع النسيم أن يتحول إلى عاصفة، ويمسك بالجمع حتى لا ينفك إلى شراذم، ولا يتفرق إلى هباء!. يريد للتاريخ أن يتحول إلى نبوءة، ولا يريد للسياسة أن تتحول إلى لعنة!. يواصل هيكل: ساءلت نفسي بعد القراءة الثانية الموصولة للمربعات، بعد سنة كاملة واصل فيها الأبنودي كتابة مربعاته، ثم أغلق دفترها ونحى القلم. هل استراح واطمأن، ورأى أن يعطي نفسه لحظة هدوء وصفاء بعيداً عن صخب البحر وموجه العاتي وصخره؟! أم أن القلق استبد به خشية ان يضيع صوته في اللامحدود يطغى عليه هدير البحر ويغطي نشيده؟! هل أرهقه الإيقاع المنتظم كل صباح وحسبه قيداً على الشاعر، لأن الشراع لا يطيق قيداً أو رباطاً، ولا خطاً ملاحياً يحدد مسار حركته مسبقاً من النهر إلى البحر؟!. لا أعرف جواباً قاطعاً – يؤكد هيكل – لكني أعرف أن الشراع القادم على النيل من صعيد مصر إلى شمالها ما زال يصارع في أعالي البحار، والريح ما زالت تملأ ذلك الشراع، وهو يواصل رحلته إلى أفق لم يظهر بعد شاطئه!. مرارة وسخرية المربعات تحمل تعليق الأبنودى السياسى والإنسانى على الأحداث الصاخبة التى كانت مصر تعيشها في عهد الإخوان، كل هذا في صورة شعرية، يصفها الأبنودي بأنها "تؤرخ للفترة المهببة التي عاشها المصريون طوال عام من حكم الإخوان" !. يتحدث الأبنودي عن الدم الذي كان هو عنوان المرحلة فيقول: وياريته كان دم يتلم مستخسره في الرياسة دلوقت ما أرخص الدم بتدوسه جزم السياسة! انتقد الأبنودي في المربعات لهو الشيوخ بالدين واستخدامه كوسيلة لتحقيق أغراض دنيوية، فيقول: لَعِّيبة مَلعبها واسع والدين لعبة ف إيديهم شيوخ ..لهم سر باتع وِسع الشاشات ضاق عليهم! يركز الشاعر على نفس الفكرة في مربع آخر حين يصف الإخوان بأنهم "ناس دنيا مش ناس دين"، مخاطبهم بحدة وسخرية "مين فيكم ينفع خليفة/ وكلكم كدابين". وينًتقد كذلك تكفير شيوخهم للجميع متسائلا: "لماذا لا يستفزهم فقير نايم جعان في البرد؟!". وفي رفض للإخوان ونظامهم يقول الأبنودي: خلاص شبعنا خيبة واضمحلال وعظك..لا أكَِلني ولا نوّر طريقي وأكم ما بمشي في الزمن ..رحَّال مستني – لا مؤاخذة – رئيس بلدي الحقيقي! ويسخر الأبنودي من إدخال شباب الثورة إلى السجون في عهد مرسي، فيقول في أحد المربعات: السجن بيضِيق عليهم وانت مش سائل شباب ..لولاهم لا كنت رئيس ولا غيره يعني اللي عايش مرار سجنه اللي مش ساهل إنت ورئاستك بحالها..جزء من خيره! مربعات تؤرخ لما كان! حين تقرأ مربعات الأبنودي تشعر أنك تسترجع الأحداث الكثيرة التي مرت بها مصر في عهد الإخوان وما بعده، فنرى مثلاً في المربعات قرار المعزول محمد مرسي بالإفراج عن "أهل فكره" وخروجهم من السجون، كذلك المطالبة بحق الشهداء الذي لم يفعل مرسي شيئاً لإرجاعه كما تشير المربعات، وتنتقد المربعات الخطاب الديني الذي كان يسلكه مرسي وجماعته، حيث اعتبرهم الأبنودي "بائعين للجنة" رغم أنهم لا يملكون مفاتيحها. كذلك سخر الأبنودي مبكراً من مرسي وحكمه وجماعته، فكتب في مربعاته أن الجماعة تملك بلطجية من نوع خاص، غير ما نعرفه وصفهم قائلاً: وعندهم بلطجية غير النوع اللي كان بيضربوا بهمجيَّة.. ويِجْروا.. يلَبُّوا الأدان! وعن أصحاب الثورة الحقيقيين يكتب الأبنودي: وعرفت مين دلوقت صاحب الثورة ياللي انت لسه فاكرها سُلطة ومال؟ حب الوطن يا أخّ مش بالأجرة دفعنا حقه أعز نسا ورجال! وحذر الأبنودي في مربعاته عن قدوم ثورة أخرى على حكم مرسي حين قال: انتم بدأتوا الصراع بالأسلحة في الإيد الفقرا لا يعرفوا دستور ولا استفتاء ما هو لا يفل الحديد يا غشم إلا حديد واللي قصادكم..بوادر ثورة الفقراء! وفي مربع شديد الدلالة، يتحدث الأبنودي عن الفرقة التي سادت مصر، ويطرح الأبنودي الأسئلة التي كانت سائدة وقتها "مصري والاّ إخوانى؟"، "شرعى والاّ مُعارض؟"، "اشتراكى والّا نَصْرانى؟"، وفي مرارة دامية ينهي المربع قائلاً: "..والاّ اقتلك وبعدها نِتْفاوض؟"!. وفي مربع آخر يحمل مرارة يقول الشاعر: دخلتوا في زواريقها ازاي.. حتى هواها ما عاد يتشم يا ممررين كباية الشاي ومبدلين شايها..بالدم أيضاً لا تنس المربعات الحديث عن رغبة مرسي في محاربة سوريا، ونسيانه قضية نهر النيل وسد النهضة بإثيوبيا. كذلك تنتقد المربعات النخب والأحزاب التي لفظها الشعب؛ فيقول: والشعب قال للنخب: "ما عادش غيري حزب.. وادي العباد في القرى بتخترع ميادين.. الناس بقت من بعيد خبرا في شم الكذب عاوزين تصالحوا دِمَا الأمة على السكين"!؟ في حب الجيش.. يكتب الأبنودي في مربعاته دفاعاً عن الجيش ويقول: ولا مجال للفذلكة.ولا للبكا احنا اللفندية..نحب نكاكي الجيش سندنا في الظروف المهلكة فاوعى يا عم..يكرهوك في الكاكي وعن السيسي يكتب الأبنودي مادحاً: حضّن عليها بجناحك واحلم لها بأعز صباح ونام ايديك حاضنة سلاحك للفتح..يا "عبدالفتاح"! ويعلن الأبنودي أنه لا غضاضة في قول 30 يونيو انقلاب، فيقول في أحد المربعات: ما دام لا حد سامعنا وقافلين ألف باب.. ما نهاودهم يا سيدنا ونمشيها "انقلاب"! ويقول عن وحدة الشعب والجيش، معلناً حبه لل"كاكي": لو حتمت اللحظة حنلبس كاكي مع الجنود الأسود ناسنا وأهالينا نزرع رمال سينا رجال وِسَنَاكي المرة دي – بجد – عاوزينها ترجع لينا! اعتصام رابعة يكتب الأبنودي عن اعتصام الإخوان في رابعة منتقداً وساخراً فيقول: لموا اليتامى واعملوهم ساتر وطمعوا الغلبان في خبز الجنة بلاويكو ما تساعهاش كتب ودفاتر وكل معروف بتعملوه فيه "إنّ"! ويقول في آخر: قاعدين في رابعة مين بقى اللي اتشطّر وزقُّهم سنتي عن الميدان؟ فَ اللي يعادي الجيش ويقول: "عسكر" بيدي مصر هدية للإخوان! ورغم سواد "المربعات" إلا أن الأبنودي لا يملك إلا أن يتفاءل مؤكداً أن "الفَجْر مهما حيهرَبْ.. جاىّ!" قائلاً: الثورة.. ما انتهتْشى سيبكُم من الغيوم تيجى الغيوم وتمشى شُفْتوا غيوم بتدوم؟